نعمة الأمن وكيف نحافظ عليها

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين الذي أنعم الله علينا بنعم لا تحصى ولا تعد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذكرنا بنعمته علينا وأننا لا نستطيع تعدادها وإحصاءها ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار)) [إبراهيم: 34].

وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله كان إمام الشاكرين حينما قال لعائشة "أفلا أكون عبدا شكورا"  فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد أيها المؤمنون: يقول تعالى في كتابه الكريم من سورة إبراهيم ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)) ويقول في سورة النحل: ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)) . فمن نعم الله علينا نعمة الأمن الذي لا يستطيع أي إنسان أن يعيش بدونه لقوله تعالى: ((فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف)) [قريش: 04]، وكان دعاء سيدنا إبراهيم الخليل – عليه السلام- ((وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)) [إبراهيم: 35]. وفي سورة البقرة من الآية 126 ((رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات...)) .

فالأمن يعتبر من مقومات الحياة ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بدونه كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها" إيمان وعافية وصحة وقوت يومي هي من مقومات الحياة الأساسية وإن شئتم – أمن غدائي وأمن نفسي- وصحة جسدية .

أيها الإخوة المؤمنون: كيف نشكر هذه النعم ومن أبرزها نعمة الأمن والطمأنينة إذا رجعنا إلى المرحلة الأولى من الدعوة الإسلامية من خلال القرآن الكريم فنجد أن الله تعالى يذكر المؤمنين من الرعيل الأول بعد هجرتهم  إلى المدينة المنورة ((واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيّدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون)) [الأنفال:26] حيث كانوا قليلين فكثّرهم، ومستضعفين خائفين فقواهم ونصرهم ، وفقراء عالة فرزقهم من الطيبات واستشكرهم فأطاعوه وامتثلوا جميع ما أمرهم به هذا هو حال المؤمنين بمكة مع إسقاط ذلك على أحوال المؤمنين.

أيها المؤمنون: مما لا شك فيه أن المؤمن يشكر الله على هذه النعم المختلفة – نعمة الأمن ونعمة الطمـأنينة و الصحة والعافية و...- فما هو الشكر؟ هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة، والشكر بني على خمسة قواعد أساسية:

1-  خضوع الشاكر للمشكور 2- حبه له 3- اعترافه بنعمته 4- ثناؤه عليه بها 5- وأن لا يستعملها فيما يكره، والله تعالى أثنى في القرآن الكريم على أول رسول إلى أهل الأرض وهو سيدنا نوح عليه السلام فقال: ((ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا)) [الإسراء: 03] و الناس صنفان: شاكر و كفور قال تعالى (( إنا هديناه السبيل إما شاكراً و إما كفورا)) [الإنسان:03].

       تعالوا أيها الإخوة لنعود إلى الوراء كيف كانت بلادنا قبل سنوات ، لقد فقدنا فيها الأمن والأمان وأصبحت الأرواح تزهق دون وازع من دين وخوف من الجليل، حتى قيّض الله رجالا مخلصين من أبناء هذا الوطن وقدّموا جهودا كبيرة فاستتبّ الأمن وانتعشت التنمية وانتشرت الورشات المختلفة، بل أصبحت الجزائر الواسعة كلها ورشات مفتوحة من أجل النهوض بقضايا المواطنين وتلبية حاجياتهم المختلفة.

        أيها المؤمنون: إن المؤمن يبني ولا يهدم، يصلح ولا يفسد ويتعاون على البرّ والتقوى ولا يتعاون على الإثم والعدوان مصداقا لقوله تعالى : ((...وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)) [المائدة:02]. إن وطنكم يدعوكم جميعا إلى بذل الجهد دفاعا عنه، كما قال خطيب إغريقي قديم، في شأن الوطن: إن الوطن يدعوكم إلى بذل دمك دفاعا عنه وتستجيب بالتضحية الكبرى، ولكن هناك تضحية يطلبها منك الوطن أصعب منالا، تلك تربية الشخص الذي هو أنت، تربية تؤهلك لتعطي لأهلك ووطنك خير ما يعطيه الشخص من عمل جليل وحكم سديد.

        وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

        الحمد لله رب العالمين أذن أن ترفع بيوته وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: ((إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة...)) التوبة. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله حثّ على إبعاد بيوت الله عن غير ما بنيت له، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

        أما بعد أيها الإخوة المؤمنون: يقول الله تعالى : ((في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدو والآصال)) [النور: 36]. إن الآية الكريمة بيّنت وظائف المسلم في بيوت الله وهي العبادة والتسبيح وذكر اسم الله والتعاون على الخير، ومن جهة أخرى حددت الآية رسالة المسجد التربوية والروحية والاجتماعية وتعميق وحدة المجتمع على المحبة والخير والبناء والإصلاح، فما هي مواصفات رواد بيت الله؟ إنها المحبة وخدمة الصالح العام والشعور بالمسؤولية نحو الأسرة والأولاد والمجتمع لقوله صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..." الحديث. إن مظاهر الفساد والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة ليست من أخلاق المسلم بل هي حرام  ((ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها..)) [الأعراف: 85] ((والله لا يحب المفسدين))[المائدة: 64]، فالمسؤولية ملقاة على الآباء والأمهات والمربين والمواطنين بصفة عامة ، فحسّسوا أبناءكم بخصوص عملية الحرق والتدمير ، ولقد خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم الجماهير في حجة الوداع حيث بيّن حرمة الاعتداء على الأعراض والاعتداء على الأموال "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".

        أيها المؤمنون: إن الوطن أمانة في أعناقنا جميعا وهو ميراث الأجداد والأسلاف فلنحافظ عليه ولندافع عنه ولنقم بدورنا كما أمر الله: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله...)) [آل عمران:110 ].

        اللهم وحّد صفوفنا واجمع كلمتنا ووفق ولاة أمورنا إلى ما فيه خير البلاد والعباد وأصلح شؤون هذه الأمة وسدد خطاها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                                                 بقلم الإمام الأستاذ: مخفي بوخماشة – وهران

 

 

 

 

 

الصنف