هل يجوز اتخاذ الحيوان للهو واللعب والترفيه؟

لاشك أن جمال الكون آية صارخة على جمال المبدع سبحانه، ولذا فإن إجالة البصر فيما أباح الله تعالى من آية الجمال، تسبيح لله وتمجيد له، ومن جملة ما أباح الله تعالى التمتع بجماله هذه الدواب العجم، قال تعالى: ((ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون)) [النحل:6] وقال: ((والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة))[النحل:8]، وقد مدح الله الخيل عادية وصافنة، فقال: ((والعاديات ضبحا))[العاديات:11] وقال: ((الصانفات الجياد))[ص:30]

 

لاشك أن جمال الكون آية صارخة على جمال المبدع سبحانه، ولذا فإن إجالة البصر فيما أباح الله تعالى من آية الجمال، تسبيح لله وتمجيد له، ومن جملة ما أباح الله تعالى التمتع بجماله هذه الدواب العجم، قال تعالى: ((ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون)) [النحل:6] وقال: ((والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة))[النحل:8]، وقد مدح الله الخيل عادية وصافنة، فقال: ((والعاديات ضبحا))[العاديات:11] وقال: ((الصانفات الجياد))[ص:30]، والصفن القيام على ثلاثة قوائم ورفع رابعها، ولا يخفى عليك آية الجمال في ذلك، هذا من حيث المنظر والرئي، أما عن جمال الصوت في بعضها وغيرها، فما أجلّ أنغامها وما أعذب وأحلى ترنمها، كأنها تلاوة داود لزابوره، وجلّ من جمع ترتيل نبيّه داود وترنّم الطير من حوله في قوله: ((وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير))[الأنبياء:78].

 

ولذا فقد بحث علماؤنا إمكان اتخاذ هذه الحيوانات لمجرد التمتع بجمال منظرها وتناسق ألوانها، واستعذاب أصواتها، واختلفوا في الحكم.

فذهب فريق منهم إلى أن حبس الحيوان لهذه الأغراض تعذيب له، لا يجوز فعله، يقول في الفروع: "يكره حبس الطير لنغمته، وقيل يحرم" وجاء في الآداب الكبرى، "فأما حبس المترنمات من الأطيار كالقمارى والبلابل لترنمها في الأقفاص فقد كرهه أصحابنا،لأنه ليس من الحاجيات إليه، لكنه من البطر والأشر ورقيق العيش، وحبسها تعذيب".

وذهب فريق من العلماء إلى أن هذه الأغراض مشروعة صحيحة إذا لم تتجاوز حد الاعتدال، ولم تله عن ذكر الله، وقام الإنسان بحق محبوسه من الحيوان نفقة ورعاية وإلا حرم، ولحقه العذاب، كقاتلة الهرة وقد مرّ، ومذهب الجواز هو ما نرجّحه للأدلة الثابتة الصحيحة.

فمن ذلك أن أنس بن مالك يقول: "إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عمير ما فعل النَّغير" رواه البخاري وهو برقم 5850 ورقم 5758، والنَّغير: طائر معروف يشبه العصفور، وقيل طائر أحمر المنقار وقيل غير ذلك، فقد استفاد أهل العلم من هذا الحديث أكثر من ستين فائدة، والذي يهمنا منها قولهم: في الحديث دلالة على جواز: لعب الصغير بالطير، وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه، وقص جناح الطير كما ذكر ابن الحجر رحمه الله، ولا يقال إن إمساكه تعذيب له استدلالاً بحديث المرأة التي حبست الهرة، يقول صاحب طرح التثريب: "وقد يستدل به حديث الهرة على أن مجرّد ربط الحيوان المملوك ليس حراماً، لأنه لم يرتب الذم إلا على ترك إطعامها وإرسالها"، والقفص للطير كالإصطبل للدابة، وبالتالي فإن المطلوب ممن أراد التمتع بإمساك حيوان ما في قفص أو غيره لصوته أو جمال لونه وصورته، فإن من حق الحيوان عليه، أن يطعمه ويرعاه،.. وقد نصّ الإمام أحمد رضي الله عنه في الحمام يتخذ لحسن صوته "وتجوز للأنس بصوتها واستفراخها، وكذا لحمل الكتب".

ولعل القائلين بحرمة ذلك أو كراهته محمول على الإكثار من اللهو المباح بحيث يخرج المرء المكلف عن جادة الصواب، ويفرط في واجباته الدينية، بل والدنيوية، فقد وجدنا من يحرم أولاده الطعام والشراب، بينما ينفق النفقة الهائلة من غذاء على حيوان محبوس عنده، ويبذل له من الدواء ما لا يبذله لأهله، فهذا إفراط لا يقبله الشرع والعقل.

اللعب بالحيوان:

ذكرنا في المسألة الفارطة جواز اللعب بالحيوان، استناداً إلى حديث: "ما فعل النّغير؟" وذلك لما فيه من الترفيه على الإنسان، وهذا غرض شرعي جاءت الشريعة الإسلامية لرعايته، غير أن الإنسان في أكثر الأحيان يلتفت إلى مصلحته ورفاهيته طالباً لها ولو كان ذلك على حساب غيره، من بني جنسه أو من سائر ما يحيط به، فهناك ألعاب يتلهّى بها الآدمي مع إذاية أخيه الإنسان، وهناك ألعاب أخرى يتأذى فيها الحيوان نفسه، وهذا تفصيل المسألة:

-        أما عن استعمال الحيوان للعب ولكن مع إلحاق الضرر بالغير، فهذا غير جائز شرعاً، وذلك كاللعب بالحمام مثلاً، فقد شاع وانتشر أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه: "واشتغل الناس بتطييره، وترتب عن ذلك مفاسد منها الالتهاء عن أداء الواجبات كذكر الله تعالى ونحوه، وضياع الوقت من غير فائدة، والإطلاع على عورات الناس بارتقاء الأسطح لتطيير الحمام، فلهذه المفاسد وغيرها أمر عثمان خليفة المسلمين بذبح الحمام باعتباره آلة الجريمة، وعيّن رجلاً من بني ليث يلاحق اللاهين للتأديب، ولكي يقص أجنحة الحمام حتى لا تستطيع الطيران، إزالة لهذا المنكر الذي ظهر في المدينة"، ولذلك قال صاحب الفروع: "وكره أحمد اللعب بالحمام، ويحرم ليصيد به حمام غيره" ولا يزال الكثير من الناس في بعض البلاد العربية يهتم بتنفير الحمام ويصل الأمر إلى أن يجحد حمام غيره كذبا بعد أن يصطادها ويسوقها إليه بحمامه، ولذا اعتبر القضاء هذه الحرفة –الحمامتية- مسقطة للعدالة، وبالتالي ردّ شهادة من يمارس مثل هذه اللعبة، فأي ترفيه هذا الذي يأتي على أشرف ما يملكه الإنسان، فيلفه في الخساسة لفا، ثم يرميه في زبالة النفايات من الأخلاق!

ومما يدخل في هذا المضمار اللعبة الخطيرة في اليوم السنوي الإسباني حيث تحشر الخلق في الشوارع الكبرى ثم ترسل الثيران عليهم للمطاردة، فيقع تحت أقدامها من يقع، وقد يتعرض للرفس والجرح، بل قد يلقى حتفه بطعنة قرن أو رفسة حافر، فأي لعب هذا الذي تزهق فيه أرواح معصومة!

وأما اللعب الذي فيه إذاية الحيوان نفسه، فلا يختلف الحكم فيه عن سابقه، وذلك لحرمة روحه، فأصل اللعب مشروع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "ليس من اللهو إلا ثلاثة، ملاعبة الرجل أهله، ورميه عن قوسه، وتأديبه فرسه" (أصحاب السنن)، وليس الحصر في الأنواع الثلاثة مرادا بل جاء في حديث آخر:" كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ولعب، أو هو سهو ولغو، إلا أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرصين، وتعلم الرجل السباحة" (أخرجه النسائي)، فقد أضاف السباحة. والمشي بين الغرصين في الحديث: هو الرماية، وقد نصت أحاديث أخرى على السباق ففي حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاسبق إلا في خف أو نصل أو حافر" ( أحمد والثلاثة وصححه ابن حبان) ومعنى الحديث لا سبق إلا في الإبل والسهم والخيل، واتفق الفقهاء على مشروعية المسابقة لأنها من الرياضات المحمودة، ولست هنا بصدد الحديث عن شروطها، ولكن الذي يهمنا هو مراعاة حق الحيوان في الرياضات والألعاب، وهذا ما أغفله الإنسان وإن نادت منظمات حماية الحيوان برد الاعتبار لها.

أقول، لقد حض الإسلام على الإحسان للحيوان بوجه عام، وحرم إذايتها بوجه عام غير أنه خصص بعض أنواع الإيذاء بالتحريم تشنيعا على فاعل ذلك، فمن ذلك:

1- تحريمه اتخاذ هذه الدواب غرضا لتعلم الرماية قال صلى الله عليه وسلم: "لاتتخذوا شيئا فيه الروح غرضا" ( مسلم برقم 1957)، قال المناوي: "لاتتخذوها هدفا يرمى بالسهام ونحوها لما فيه من العبث والتعذيب، وتضيع لمالية الحيوان بلا فائدة"،  فانظر ما يفعله الإنسان المتمدن –اليوم- من اتخاذ مساحات للرمي يكون فيها الهدف طائرا يرسلونه ثم يرمى دون غرض شرعي، ولكن ترفيها، بل إسرافا، وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم قوما قد نصبوا دجاجة يرمونها فنهاهم صلى الله عليه وسلم: "أن تصبر البهائم" ( مسلم برقم 1956) والنهي للتحريم، فلا يجوز إهدار حق الحيوان في الحياة تلبية لرغبة الإنسان السبعية المفترسة!

ورغم أن الصيد مباح في الشريعة الإسلامية إذا اصطاد الإنسان مأكول اللحم للانتفاع بلحمه، أو غير مأكول اللحم للانتفاع بجلده وشعره وغير ذلك، فإنه لا يسمح بالتوسع في ذلك إسرافا، بل اعتبره أهل العلم من المرح الممنوع، ففي قوله تعالى: ((ولا تمش في الأرض مرحا))[الإسراء:37]، يقول القرطبي: "إقبال الإنسان على الصيد ونحوه ترفعا دون حاجة إلى ذلك داخل في هذه الآية، وفيه تعذيب الحيوان وإجراؤه لغير معنى".

2- وإن من أعظم المفاسد التي نهى الشارع عنها التحريش بين البهائم، واتخاذ ذلك تسلية يتفرج عليها الآدمي، كالتحريش بين الديكة، أو الإبل، أو الكباش أو غيرها من الحيوان، ومن المؤسف حقا أن نجد مثل هذه الألعاب حتى في بلاد الإسلام!

وقد عد العلماء ذلك من الكبائر، لحديث ابن عباس قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم" ( أبو داود برقم 2562، والترمذي برقم 1760، ورمز له السيوطي بالحسن) فتهييجها وإغراء بعضها ببعض حرام وأقل ما قيل فيه الكراهة.

ومن أكبر الرياضات تهييجا لطباع الحيوان، تلك التي يمارسها مختصون من الإسبان وغيرهم حيث يمسكون بأيديهم قطعة من القماش يثيرون بها الثيران، وبعد إنهاكه وإرهاقه يرشق بسهام على ظهره حتى يهلك والناس حول هذا المشهد في غاية التفكه والدعة، بل لقد أصبح لهذه اللعبة مصارعة الثيران "Tauromachie" مؤسسات هائلة، تزود اللاعب بألبسة خاصة وأدوات لازمة لهذه المصارعة، وكذا تعد الملاعب الخاصة وتقوم على شأن هذه الثيران لتهلكها في النهاية بهذه الطريقة المتوحشة ولا يخفى ما فيها من تعذيب الحيوان المنهي عنه شرعا.

 

أجاب عنه: الدكتور يوسف بلمهدي