لقاء خاص مع الباحثة بن بلا خيرة: حاورها عدة فلاحي
" لابد للجزائر من طراز مسجدي خاص بها و كتالوج لمساجدنا عبر كل العصور "
بمنسابة اليوم الدراسي الذي نظمته وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف بدار الإمام بحر هذا الأسبوع حول نمطية بناء المساجد و كل المرافق الدينية بالجزائر، و ذلك حتى تستجيب للشروط الهندسية و العلمية التي هي من اختصاص الخبراء و كذا ذوي الخبرات في الحقل التراثي و التاريخي الحضاري و حتى الجمالي للعمران و هذا للخروج من الفوضى و العشوائية التي شوهت النسيج العمراني و أهدرت كثيرا من المال، كانت لنا الفرصة للالتقاء بأحدى الوجوه المشاركة في هذا اللقاء و التي أثارت فضولنا للتعرف عليها و بالخصوص أن مداخلتها كانت متميزة و غنية بالملاحظات التي سجلتها على الطراز المعماري لبعض مساجدنا و قد تمكنت من ذلك لأنها متخصصة في علم الآثار و متحصلة على شهادة دكتوراه في الموضوع بعنوان " المنشآت الدينية بالجزائر خلال العهد العثماني"، و إلى هنا ندع ضيفتنا تقدم نفسها للقارئ الكريم ليكتشف كم أن الجزائرغنية بإطاراتها الذين يخدمونها دون استعراض إعلامي.
اسمي السيدة بن بلا خيرة من مواليد ستينيات القرن الماضي ، مشواري الدراسي كله كان بالجزائر العاصمة من الابتدائي إلى غالية حصولي على شهادة الليسانس من معهد الآثار سنة 1987 و بعدها استفدت من منحة للدراسة بالخارج ، حيث التحقت بجامعة الاسكندرية بجمهورية مصر العربية أين تحصلت و بتقدير ممتاز سنة 1993على شهادة الماجستير موضوعها كان بعنوان " الكتابات الأثرية على مباني مدينة الجزائر " و هذا بإشراف الدكتور عبد العزيز سالم رحمه الله وبعد تجربة ست سنوات قضيها بالاسكندرية التي لازلت أحمل عنها و عن أهلها ذكرى طيبة، تمكنت خلالها من التعرف عن قرب على الحضارة و الآثار المصرية و التي أفادتني كثيرا في تخصصي، عدت إلى الجزائر للتدريس إلى أن توجت رحلتي العلمية الشاقة و المتعبة برسالة الدكتوراه حول" المنشآت الدينية بالجزائر خلال العهد العثماني" التي نوقشت سنة 2007 و التي حققت فيها خطوة من آمالي و طموحاتي التي حاولت على إثرها أن أرد و لو جزء من الدَين الذي هو علي اتجاه بلادي .
س- بداية اسمحي لي سيدتي المحترمة و لأهمية هذا البحث الضخم و الهام الذي قمت به حول المنشآت الدينية بالجزئر و الذي تفتقد إلى مثله المكتبة الوطنية، ما هي الدوافع التي جعلتك تختارين هذا الموضوع ؟
ج- الدوافع التي أدت إلى اختيار هذا الموضوع هي:
أولا، أن تلازم المباني الدينية من مساجد وأضرحة ومدارس شد اهتمامي إلى دراسة مجموعة من هذا النوع من العمائر وجد بالجزائر خلال العهد العثماني، فاخترت عددا من العمائر التي تمثل الطراز الذي كان سائدا بالجزائر خلال هذه الفترة، ولم تقتصر دراستي على مدينة واحدة فقط، بل تعمدت أن تكون النتيجة متعلقة بكل القطر الجزائري وليس بمدينة الجزائر فقط.
ثانيا، لاحظت نقصا كبيرا في مكتباتنا في مجال دراسة المباني الدينية، ومن خلال الدراسات القليلة ذات الصلة بهذه المباني، والتي يمكن اعتبارها منعدمة إذا ما قورنت بالدراسات في الميادين الأخرى من الآثار، حيث لاحظت ما يلي:
أ- معظم هذه المعلومات جاءت باللغة الأجنبية.
ب- لم يتعد محتوى هذه الإشارات مجال إعطاء تاريخ البناء أو فقرة صغيرة تتعلق بوصف المبنى وصفا عاما دون تفصيل في العناصر المعمارية والفنية.
ج- تم التركيز في أغلب هذه الدراسات على مدينة الجزائر دون غيرها من المدن علما أن مدن الجزائر الأخرى وجدت بها نماذج كانت بمثابة حلقات مفقودة في إعطاء طراز الجزائر خلال العهد العثماني، لذلك تضمنت دراستي مدن: الجزائر – قسنطينة – عنابة - وهران – معسكر،وكنتيجة لذلك، لا يوجد لدينا فكرة واضحة عن الطراز الذي كان سائدا بالمنطقة خلال العهد العثماني وهذا بسبب عدم الاهتمام بالمدن المذكورة أعلاه، كما كان من ضمن انشغالاتي أن أقدم بحثا باللغة العربية، يحتوي على معلومات تتعلق بالتراث المعماري الإسلامي وربطه بما هو موجود بالجزائر، فالذين تحدثوا عن العمارة المسجدية بالجزائر يبتعدون كل الابتعاد عن ربط هذه المباني بالمسجد النبوي الذي كان أصلا لكل المساجد في العالم الإسلامي.
إن المساجد والأضرحة والمدارس ارتبطت ببعضها ارتباطا وثيقا عبر العصور الإسلامية المتلاحقة كما أن العناصر المعمارية والزخرفية تعتبر مشتركة بين هذه الأنواع كالمئذنة والمحراب والقبة والتكسيات بالبلاطات الخزفية والزخارف الجصية والخشبية.
س- لم يحظ بحثك القيم بالتغطية و القراءة الإعلامية التي هي مفتاح المهتم و المنشغل بهكذا نوع من العلوم و الفنون و بالتالي الفرصة مناسبة لتحدثينا عن المحاور الكبرى التي تناولها بحثك الذي حافظ على جزء عزيز و مقدس من ذاكرتنا و تراثنا الحضاري؟
ج- شكرا على هذا الإطراء و كما قلت لك هذا جزء بسيط من واجبي نحو وطني، أما محاور البحث فلقد تناولت الدراسة جوانب عديدة ذات صلة بهذه المباني، وتمثلت في الدراسة التاريخية والدراسة المعمارية سواء من حيث دراسة المخطط أو العناصر المعمارية، إضافة إلى الدراسة الفنية التي تناولت فيها الصناعات الفنية والعناصر الزخرفية التي استخدمت في تزيين هذه المباني، وقسمت البحث إلى دراسة تمهيدية وسبعة فصول:
- الدراسة التمهيدية: تناولت فيها الإطار التاريخي والجغرافي للموضوع، من حيث أصل الدولة العثمانية، وتواجد العثمانيين بالجزائر، وتاريخ وعمران أهم مدن الجزائر خلال العهد العثماني.
- الفصل الأول: خصصته للمساجد، من حيث تطورها وطرزها وأنماطها عبر المراحل المختلفة، وإعطاء تاريخ كل مسجد حسب المدينة التي نتمي إليها، وذلك وفق تسلسل كرونولوجي، وتطرقت إلى موقع المسجد وتاريخ بنائه، وصاحب العمل، وأهم الإشارات من طرف المؤلفين وإن قلت.
- الفصل الثاني: خصصته للأضرحة وتناولتها بالدراسة على نفس النمط الذي اتبع في دراسة المساجد.
- الفصل الثالث: تعلقت الدراسة في هذا الفصل بالمدارس وبنفس المنهج المتبع في المساجد والأضرحة أيضا.
- الفصل الرابع: تناولت في هذا الفصل النظام المعماري لهذه المباني، وهو يتضمن ثلاثة محاور رئيسية وهي النظام التخطيطي للمساجد والنظام التخطيطي للأضرحة والنظام التخطيطي للمدارس، جاءت الدراسة وصفا للمخططات وتحليلا للنظام المتبع في كل نوع من هذه الأنواع.
- الفصل الخامس: خصصته للعناصر المعمارية المتمثلة في المداخل، والمحاريب، والأعمدة، والعقود والقباب، والنوافذ، والمآذن، والميضآت، والمنابر الرخامية والخشبية، ودكات المبلغ، حيث عرفت كل عنصر من هذه العناصر في العمارة الاسلامية ثم تليه دراسة وصفية للعنصر في كل مبنى.
- الفصل السادس: تطرقت فيه إلى الصناعات الفنية التي استعملت في زخرفة المنشآت الدينية بالجزائر خلال العهد العثماني، وهي خمسة أنواع: صناعة الخزف، وصناعة الرخام، وصناعة الخشب، وصناعة الجص، وصناعة المعادن، ولكل نوع من هذه الصناعات تقنياته الخاصة به.
- الفصل السابع: تعلق هذا الفصل بالدراسة الفنية التحليلية للعناصر الزخرفية من نباتية وكتابية وهندسية و رمزية وبنائية.
وكان الهدف المرجو من هذه الدراسة هو اعطاء صورة واضحة عن التراث المعماري الاسلامي بالجزائر خلال العهد العثماني والذي يمثل مرحلة هامة من مراحل تطور فن العمارة بالعالم الاسلامي.
س- ما هي المصارد و المراجع التي ساعدتك في تحضير بحثك موضوع حديثنا ؟
ج- يمكن القول اولا أنني طفت بعدة مراكز و أماكن للحصول على هذه المراجع ، بداية من مكتبة الحامة بالجزائر إلى المكتبة الوطنية بفرانس فانون إلى مكتبة المتحف الوطني و كذا مكتبة معهد الآثار و خارج الوطن عدت إلى مكتبة الاسكندرية و مكتبة دار الكتب بالقاهرة و مكتبة جامعة القاهرة، و في ذلك حاولت الاستفادة و الاستعانة من كل مصدر أشار إلى المنشآت الدينية بالجزائر سواء كان من قريب أو من بعيد و ما كان ذلك إلا لأنني وجدت نقصا رهيبا حول المادة التي تتحدث عن مساجدنا، فلا يمكن أن تجد دراسة معمقة حول ذلك و إنما إشارات بسيطة قد لا تغنيك للتعرف و بشك تفصلي حول المعلم الديني الذي هو جزء أساسي من تاريخنا الروحي و المعماري.
س- ما هي الانشغالات و العقبات التي تعترض الدارس و المهتم بعلم الآثار و ما هو المطلوب لتجاوز ذلك؟
ج- نحن في معهد علم الاثار نعاني من العديد من المشاكل و من الصعوبات، و هذا أمر طبيعي نتفهمه بحكم أن المعهد لازال حديثا ببلادنا كما أن هذا اللون من العلم لا يلقى قبولا كبيرا من الطلبة بسبب نقص مناصب العمل في هذا المجال ، و بالتالي من واجبنا التعريف بعلم الآثار و ما يمكن أن يقدمه من خدمة للبلاد و للهوية الوطنية و بالتالي على السلطات المعنية تقديم كل الدعم لذلك ما هو عليه الحال في بعض الدول الشقيقة مثل المغرب و مصر مثلا و قد اكتشفت خلال إقامتي بمصر كم أن المشارقة على العموم يتعطشون لمعرفة تاريخ الجزائر و كل ما له علاقة بحضارة و تراث الجزائر ، و نحن في هذا المجال لسنا أقل شأنا منهم بدليل أننا كنا الأوائل في دفعتنا أثناء الدراسة و مع ذلك لا بد و أن نتوجه بالشكر لأساتدنا بمصر الذين تلقينا منهم كل العون والتكوين و التشجيع في تخصصنا خلال مرحلة تحضير رسالة الليسانس.
س- ما هي الكلمة الختامية التي تتوجهين بها لقراء جريدة صوت الأحرار و ما هي أمنيك العلمية ؟
ج- أمنيتي هي أن يتم وضع كتالوج خاص بمساجد الجزائر عبر كل العصور، يتعاون على وضعه و تصميمه كل المختصين و الخبراء ، كما أنني أود لو تشرفني وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف التي ساعدتني في إنجاز بحثي على المستوى الميداني و هي مشكورة على ذلك في طبع أطروحتي حول " المنشآت الدينية بالجزائر خلال العهد العثماني" لتكون ظمن المصنفات التي ستشارك بها الجزائر في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية و في الأخير كل الشكر و التقدير لجريدة صوت الأحرار التي منحتني هذه الفرصة للتعريف بكتابي الذي أخلصت فيه العمل لفائدة بلادي الجزائر.
حاورها : عدة فلاحي