الوقف في الإسلام

10-04-2004 
سائل - الجزائر
المفـتي:الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف 
 
السؤال: 
الوقف في الإسلام
 
الجـواب:
الوقف من التبرعات المندوبة، وهو من مختصات دين الإسلام الحنيف، كما قاله النووي رحمه الله، ولقول الشافعي: ((لم يقع حبس في الجاهلية))(1). فإن وقع باختيار صح، ولا يتوقف على حكم حاكم، وتنفيذه فهو كالصدقة، غير أنه يشترط فيه الحيازة، فإن حيز خرج عن ملك الواقف إلى الموقوف له يستغله حسب شروط الحبس دون ذاته، فلا يباع ولا يبدّل عن حاله. ثم إن كان الوقف عاما فهو مؤبد، وإن كان خاصا على معينين صرفت غلته عليهم ما بقوا، فإن انقرضوا رجع لعصبة المحبس الفقراء، فإن لم يوجدوا رجع إلى الفقراء عامة، ويستوي فيه الذكور والإناث على السواء ولو شرط الواقف خلاف ذلك، فهذا في الغلة. وأما بيعه فلا كما تقدم، غير أنه يتبع فيه شرط الواقف فلا يجوز مخالفته كشرطه بأهل مذهب معين، أو بإنفاقه على مسجد أو مدرسة أو مستشفى، فلا يجوز الخروج به عنه، وإذا اشترط الواقف على الموقوف عليه إن احتاج باع جاز ذلك في غير العقار، كما يشترط أنه إذا صار تحت يد ظالم رجع له ملكا، وكذا إن اشترط بيع ما لا ينتفع به ليعوض بما ينتفع به في غير العقار مضى ذلك، وهذا كله في غير العقار. وأما العقار كالدور والحوانيت والحوائط، فهذه لا يباع شيء منها ليستبدل به غيره، ولو خربت، ذكر ذلك مالك رحمه الله في المدونة ونصها: ((ولا يباع العقار الحبس ولو خرب، وبقاء أحباس السلف دائرة أبدا دليل على منع ذلك))(2). وروى أبو الفرج عن مالك أيضا: إن رأى الإمام بيع ذلك لمصلحة جاز ويجعل ثمنه في مثله، وهو مذهب أبى حنيفة رحمه الله، ثم إنَّ عَدَمَ بيعِ عقار الوقف ولو خرب ـ كما قالوا ـ يستثنى منه بيعه لتوسيع المسجد والطريق والمقبرة، فيجوز بيعه فيها، وسواء كان عاما أو خاصا إيثارا للمصلحة العامة الموجودة في هذه الثلاث، كما أنه لا يهدم، فإن هدم وجب تجديده في مكانه. و الوقف عام وخاص فالعام: ما لم تعين فيه طائفة بعينها، وحكمه كما سبق. والخاص: فمنه ما يجوز، وذلك فيما ليس فيه ما يجلب الشنآن، وأما ما كان فيه ذلك كالحبس على الذكور دون الإناث، فاختلف السلف في إمضائه وعدم إمضائه، فأجازه الجمهور محتجين بأنه إذا جاز للرجل أن يهب أو يوقف على الأجانب دون الأقارب، فلأن يهب أو يوقف على صنف من أولاده دون الآخرين أولى بالجواز، ودليلهم ما جاء في الصحيح من نحل أبي بكر ابنته عائشة رضي الله عنهما جذاذ عشرين وسقا من ماله بالغابة، ولما لم تحزه عنه حتى حضرته الوفاة نزعه عنها قائلا لها: ((لو كنت احتزتيه قبل هذا الوقت لكان لك، وإنما صار اليوم مال وارث)) (3)، فلم يشترط عليها إلا الحوز، ولم يقع منها. ومنعه أهل الظاهر محتجين بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، فإن أباه نحله غلاما وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه فيه، فقال له: "أكل ولد لك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا فقال له: فارتجعه منه ـ وفي رواية: ألست تريد أن يكون ولدك في البر واللطف لك سواء؟ قال: بلى. قال: فأشهد على هذا غيري"(4)، وأبى عليه ذلك، والله أعلم. --------------------- (1) انظر: الأم للإمام الشافعي (4/60). (2) المدونة (6/100) (3) سبق تخريجه في الجواب عن السؤال "حكم تفضيل بعض الأولاد في الهبة". (4) سبق تخريجه في الجواب عن السؤال "حكم تفضيل بعض الأولاد في الهبة".