افتقار الدعوى إلى بينة

10-04-2004  
سائل - الجزائر ا
المفـتي: الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف   
السؤال: افتقار الدعوى إلى بينة
 
الجـواب:
كل دعوى خلت عن بينة تثبتها فهي ملغاة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"(1)، والبينة التي تثبت دعوى المدعي تكون قولية كشهادة الشهود الموصوفين بالعدالة بإثبات شيء أو نفيه حسب ما يدعيه المدعي، وتكون حالية كالقرائن الثلاثة الدالة على إثبات المدعى أو نفيه، وتسمى قرائن الأحوال وهي كثيرة، وخير مرجع لها كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية، فقد جمع مؤلفته ما تفرق في كتب الفقه فليراجعه من أراد استيفاء الموضوع(2). ثم إن الدعوى القولية يختلف تفاوت العدد فيها حسب تفاوت القضايا، ففي غير ما يعود إلى الأموال تكون بشاهدين اثنين ذكرين أو شاهد وامرأتين، وقد نص القرآن عليها في آخر سورة البقرة، قال تعالى: "واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى"(3)، وفي قوله:"ممن ترضون من الشهداء" رمز إلى صفات الشهود من العدالة. وفي الأموال وما يؤول إليها تكون بشاهد مع يمين صاحب الحق، وفي بعضها مما فيه الحد الشديد كالزنى فلابد من أربعة شهداء متفقين في شهادتهم زمانا ومكانا وصفة كاشفة، فإن جاء بعضهم بها ونكل بعضهم أو خالف في الوصف أو في المكان أو في الزمان، جلد حد القذف ثمانين جلدة، ونجا المتهم من الحد. فقد شدد الشرع فيه إبقاء على العرض وصونا له عن الطعن فيه. وقد تكون الدعوى بواسطة شاهد واحد في أحوال خاصة لا يتمكن فيها تعدد الشهود قال ابن القيم(4): ((ومن ذلك أنه يجوز للحاكم الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه في غير الحدود، ولم يوجب الله على الحكام أن يحكموا إلا بشاهدين أصلا، وإنما أمر صاحب الحق أن يطلب حقه بشاهدين، أو بشاهد وامرأتين، وهذا لا يدل على أن الحاكم لا يحكم بأقل من ذلك، بل قد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالشاهد واليمين، وبالشاهد فقط، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد"(5)، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد" (6).اهـ وقد تقتصر الشهادة على النساء فقط فيما لا يطلع عليه إلا النساء، كما في الولادة والحيض وشبههما من أمور النساء، والله أعلم. ---------------------- (1) سبق تخريجه في الجواب عن السؤال "حكم النيابة في اليمين". (2) راجع الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية من ص 4 إلى ص 52. (3) سورة البقرة/282. (4) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم ص 79. (5) أخرجه مسلم (3/1336) [كتاب الأقضية/باب القضاء باليمين مع الشاهد]، رقم 1711/1 (6) أخرجه أبو داود (3/309) [كتاب الأقضية/باب القضاء باليمين والشاهد]، رقم 3610. والترمذي (3/627) [كتاب الأحكام/باب اليمين مع الشاهد]، رقم 1343، وقال: حسن غريب. وابن ماجه (2/793) [كتاب الأحكام/باب القضاء بالشاهد واليمين]،