الخطبة الأولى:
الحمد لله العليم الخبير الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم نحمده ونشكره ونستهديه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسوله القائل: "طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَىْ كُلِّ مُسْلِمٍ" رواه ابن ماجة عن انس بن مالك،اللهم صل وسلم عليه وبارك عليه وعلى ءاله الطيبين الطاهرين وصحابته الأكرمين ومن سار على نهجه واتبع هديه واستن بسنته إلى يوم الدين .
أما بعد: فيا أيها المؤمنون إن الجزائر تزخر بالأيام الخالدة والذكريات الغالية التي ينبغي أن نذكّر بها بين الحين والآخر انطلاقا من قول الله تعالى: ((وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)) [إبراهيم:5]، ومن أبرز تلك الأيام يوم العلم الذي يصادف السادس عشر (16) من شهر أفريل من كل سنة، ولذالك أحباب رسول الله أقول:خير ما تفنى فيه الأعمار وتُبدل فيه الأوقات وتُصرف فيه الأموال وتُشد إليه الرحال طلب العلم النافع الذي يعود نفعه على الفرد والمجتمع وقد أعلى الحق سبحانه وتعالى من منزلة العلماء في أكثر من موضع في كتابه الكريم، قال الله تعالى: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)) [المجادلة :11]، ثُمَّ قَرَنَ شَهَادَةَ مَلَائِكَتِهِ وَأُولِي الْعِلْمِ بِشَهَادَتِهِ فَقَالَ: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ)) وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْمَقَام.ويكفيالعلم والعلماء فضلا أن أول أية نزلت على قلب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم تدعو إلى القراءة والتعلم قال تعالى: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ،خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ،اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ،الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ،عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)) [العلق:05].
وأقسم جل في علاه بأدوات التعلم تصريحا بفضل العلم فقال: ((ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ))[ن:01] وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أول ما خلق الله القلم، فقال له اكتب،فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة،وكان عرشه على الماء" رواه أبو داود والترمذي واحمد من حديث عبادة بن الصامت.
أيها المصلون: كما أطنب القرءان في فضل العلم والعلماء كذالكم السنة الغراء كثيرا ما تنوه بفضل العلم والعلماء من أجل دفع أفراد الأمة رجالا ونساء للإقبال على العلم والتعلم لأنه لا رقي ولا تمدن ولا حضارة و لا سعادة في الدارين إلا بالعلم الشرعي الدال على الله تبارك وتعالى، كما أنه لا ينبغي للأمة أن تنسى حظها من علوم الدنيا الموصلة للريادة والسيادة، بل يجب عليها أن تتعلمما تصون به عرضها وتداوي به مرضاها وتحمي به ثغورها، فعن حذيفة بن اليمان- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ فضل العالم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع" أخرجه الحاكم. وعَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِى الدَّرْدَاءِ فِى مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّى جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثٍ بَلَغَنِى أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ. قَالَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِى جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وافر"
رواه الترمذي.ولله در احمد شوقي عندما قال :
العلم يرفع بيتا لا عماد له***** والجهل يهدم بيت العز والشرف
أيها المصلون: لم يأمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بطلب الاستزادة من شيء سوى العلم قال تعالى: ((وَ قُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً)) [طه: 114].
أيها الجمع الكريم: حري بنا أن نغرس في قلوب شبابنا وأبنائنا حب العلم والتعلم حتى يسعوا جادين في تحصيله ويقضون يومهم في طلبه وبعض ليلهم في مذاكرته، لان السنن الكونية لا تحابي أحدا، فمن جد وجد ومن زرع حصد ومن طلب العلى سهر الليالي .
أيها المصلون : ومن آداب طالب العلم الإخلاص و التواضع و الـصبر على تحصيل العلم و التأدب بين يدي مربيه و لله در الشاعر لما قال:
اصبــر علـى مـر الجفـا مـن معلـم **** فـان رسـوب العلـم في نفراتــه
ومـن لم يـذق مـر التعلـم ساعـــة **** تجـرع ذل الجهـــل طول حياتـه
ومن فاتــه التعليـم وقــت شبابــه **** فكبــر عليــــــــه أربـعـــــــــــا لـوفاتــه
وذات الفـتى والله بالعلــم والتــــقى**** إذا لم يكونــا لاعتبـــار لــــــذاتــه
أقـول قـــولي هــــذا واستغـفر الله لي ولكم فاستغفروه انه كان غفارا والحمد لله رب العالميـــن.
الخطبة الثانية:
الـحـمـد لله وكـــفــى وصـل اللـــهــم عـلـى الـمصـطـفى وآلــــه وصــحــبــه.
أيــها الـمصلون: لـقـد شهدت الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية تدهورا كبيرا في جانب التعليم حيث انتهجت فرنسا آنذاك
سياسة التجهيل تجاه الشعب الجزائري وأعطت فرص التعليم لأبناء المستوطنين و هـذا بإقــرار الكاتب الفرنسي" ديفال "،
فعملت على محاربة الثقافة العربية وكل معالم التعليم فقضت على المراكز الثقافية التي كانت مزدهرة بالجزائر و أغلقت نحو ألف مدرسة ابتدائية و ثانوية وعالية كانت موجودة منذ 1830 م، علما أنه قبل هذه السنة قدر عدد الطلبة أزيد من مائـة
وخمسين ألف طالب، ولكن الله قيض لهذا الشعب من أبنائه رجالا يذودون عن دينه و هويته و المتمثلين في جمعية العلماء المسلمين التي عملت على مقاومة الجهل بكل ما لديها من إمكانات للذود عن الهوية والشخصية الجزائرية،
أيها المصلون: قـد تضافرت جهود أبناء الجزائر ليكونوا طوق نجاة لانتشال الشعب الجزائري من غياهب الجهل والأمية فأبلت بلاء حسنا في بعث النهضة الجزائرية، فنتج عن تلك الجهود جيل حرر البلاد و العباد و أصبحت الجزائر تنعم بالاستقلال وهي المرحلة التي خرجت بها الدولة الجزائرية للوجود فبدأ عهد البناء والتشييد، فكم من هياكل تعليمية بنيت وكم من معاهد شيدت وكم .. و كم ..مما لا يدخل تحت حصر، ولندع لغة الأرقام تفصح عن نفسها حيث أنجزت المئات من الثانويات من لدن الاستقلال إلى اليوم، ولم تعد بالجزائر جامعة يتيمة كما كان غداة الاستقلال بل تعداها إلى أزيد من ستين جامعة و معاهد و مراكز جامعية، حيث ينتسب إليها أزيد من مليون و نصف مليون طالب جامعي، مؤطرين من طرف زهاء اثنين وثلاثين ألف أستاذ في مختلف الاختصاصات، وحشدت الثورة التكنولوجيا المتاحة حاليا لخدمة العلم ومواكبة للتطورات العصرية العالمية بغية الوصول إلى الجامعة الإلكترونية، وحدث عن نشاط محو الأمية فبعد أن كانت الجزائر تحصي نسبة خمسة و ثمانين بالمائة من الأميين غداة الاستقلال،باتت اليوم لا تتعدى نسبة الأمية ثلاثة عشرة ونصف بالمائة، وهذا جهد لا يستهان به، محاكة للإستراتيجية الوطنية المتخذة لمحاربة الظاهرة.
أيها المصلون: إن المحافظة على المكتسبات هي دعوة الحق تبارك و تعالى: ((وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [النحل:92]، فنحن كلنا مسؤلون للالتفاف حول ما حققته الجزائر من إنجازات في مجال العلم والتعلم وغيرها من المجالات لأنها مرتبطة بعضها ببعض فلولا، العلم ما كان الأستاذ و لا الطبيب و لا الإمام..فكلهم من أم واحدة وهي المدرسة وهي التي دعتنا
في يوم ما للمحافظة على الجزائر واستقرارها من أجل استكمال صرح بنائها،و تدعونا اليوم للتوجه إليها،في موعد استحقاق وطني وواجب على كل جزائر غيور، أن يدلي بحقه تحقيقا لأداء الشهادة قال الله تعالى: ((وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)) [البقرة:283].
الــــــــــــــــــــــــــدعـــــــــــــــــــــــــاء