الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرمه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد والكبير المتعال لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.
أما بعد: فيا أيها المسلمون ويا أيتها المسلمات؛ نعيش ونحتفل في هذه الأيام بمناسبة عظيمة ألا وهي ذكرى نوفمبر الشهامة، نوفمبر الانتصار، نوفمبر الحرية والاستقلال، وقد اخترت لكم كمفتاح لخطبة هذه المناسبة العظيمة حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داوود والطبراني والإمام أحمد وغيرهم من علماء الحديث وهو حديث حسن، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة)).
أيها المسلمون: إن نوفمبر الكرامة يمكن القول أنه حقق لنا مشروعين كبيرين بغض النظر عما حققه من دونهما في موضوع حركات التحرر وقيم الحرية ودفع الاستعمار وكشف أكاذيبه بصفة عامة؛ فالمشروع الأولى هو استرجاع السيادة على الأرض والعرض و كان هذا بالنسبة للجزائريين مع الاستعمار الفرنسي نقطة تاريخية فريدة من نو عها وصدق من قال أن انتصار الشعب الجزائري على فرنسا معجزة ف تاريخ الأمم والشعوب، وذلك لأسباب وعوامل كثيرة منها: قسوة الاستعمار الفرنسي، فكثير من الشعوب كانت مستعمرة من طرف الانجليز والايطاليين والإسبان وتحررت من دون قتال مهلك ولكن الشعوب المستعمرة من طرف فرنسا لم تتحرر إلا بالسلاح وكانت ثورة الجزائر أشد ذلك فتكا، وقد أبلى المؤمنون في جهادهم ذلك بلاء حسنا ومنها لم يدع مستعمر في العصر الحديث أن الأرض التي دخلها أنها وطنه، كما أدعت فرنسا بأن الجزائر قطعة من فرنسا ولن تخرج منها. ومنها طول المدة التي مكثها المستعمر في الجزائر وهي ما يزيد عن 130 سنة، ومنها اتصال الجزائر بالأرض الفرنسية مما يمكن العدو من بسط قوته الحديدية على الجزائريين ومنها خروج العدو منتصرا من الحرب العالمية الثانية ومنها تفقير وتجهيل الشعب الجزائري من طرف العدو. فالعوامل كثيرة جعلت انتصار الجزائريين على فرنسا أمر يقع في دائرة المستحيل ولكن الإيمان بالله وبالحق الثابت تسقط المقاييس المادية، قال تعالى في حق جيش طالوت ) فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين( فهذا الاستعمار المتميز جعل انتصار الجزائر عليه متميزا وجعله آية وموعظة للمتعظين على مر الأزمان، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول : ((إن عظم الجزاء مع عظيم البلاء)).
فاللهم أرحم شهداءنا الأبرار وأسكنهم فسيح الجنان وأجعلنا خير خلف لخير سلف وأحفظ وطننا وأجعله دائما قلعة للمخلصين وبحرا يدفع ويلفظ دائما على شاطئه المجرمين، اللهم حبب لنا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره لنا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي وحد ووعد جنده وهو القائل ((ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون)) وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله القائل فيه ربنا ) قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقي( اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد : فيا أيها المسلمون وأيتها المسلمات القول في المشروع الذي دره علينا نوفمبر الكرامة هو المشروع الوطني الذي صنعته الثورة المباركة ثورة نوفمبر 54-62 لقد كانت كلمة الله أكبر تدوي من فوق الجبال والرصاص يتطاير من فوهات البنادق والرشاشات والمشروع الوطني ينسجُ ويبنى ويتكامل رويدا رويدا كما تبنى القصور والجسور لقد وفق الله الذين خططوا لثورة نوفمبر الكرامة في أمور كثيرة على رأسها ذلك العنوان الحكيم"جبهة التحرير الوطني" كانت مظلة للجميع وقد ترجم هذا العنوان في تلك الراية البسيطة في شكلها أو ظاهرها، العظيمة في معانيها ومحتواها لقد كان الهلال دلالة ميلاد هذه الجبهة والنجمة هي مصباح الحرية واللون الأخضر هو أرض الجزائر مصدقا لقوله تعالى: ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير( والبياض هو سماؤها هذا العنوان الحكيم والراية الرمز لا تصيب فيها للنزوات والأهواء المفرقة العقائدية والعنصرية كان المجاهدون مدركون بشعبهم وقد استوعبوا من خلال نضالهم ما ينبغي وما لا ينبغي في مسيرتهم وثورتهم لذلك وضعوا السكة المناسبة والموحدة، وضعوا عليها فطار المشروع الوطني وحملوا فيه الدولة الجزائرية الحديثة فسار القطار وسارت الدولة بكل ثبات واستقرار إلى مكان من طبيعة الحياة، وخير دليل على ذلك أنه رغم ما أصابنا من عشريتين أطلق عليهما مصطلحين أسود وأحمر إلا أنه لما كانت المؤسسات قوية بروحها وجسمها على رأسها مؤسسة الجيش الوطني الشعبي سليل ووارث جيش التحرير الوطني خرجت الجزائر من كل هزة قوية ومهابة وها نحن في نوفمبر 2011 نتذكر ونتدارس ما حققه الثوار، رحم الله الشهداء الأبرار وخلد مكانهم في الأنام، فأحفظ اللهم هذا الوطن من كل حسود غادر مجرم لا يعرف لأهله قدرا ولا فضلا عبر الأيام، "ربنا لا تؤاخدنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا وأغفر لنا وأرحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين
لخضر بخدة، إمام أستاذ ولاية غليزان