نعمــة الأمــن01

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فهو المهتدي ،ومن يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه و خليله ، وخيرته من خلقه، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة، ومحا الظلمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، صلى الله عليه و على آله و صحبه ومن دعا بدعوته واقتدى بسنته إلى يوم الدين. أما بعد؛

أمة الإسلام : أذكركم و نفسي بنعمة جليلة ومنة كبيرة ، فهي مطلب كل أمة ، وغاية كل دولة ، من أجلها جندت الجنود، و رصدت الأموال، و في سبيلها قامت الصراعات والحروب، إنها نعمة الأمن ، وما أدراك ما نعمة الأمن ، فهي هبة من الله لعباده، و نعمة يغبط عليها كل من وُهِبها، فإنها كانت أول دعوة إبراهيم عليه السلام حينما قال :" ربِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آَمِنًا " ، فقدم إبراهيم نعمة الأمن على نعمة الطعام و الغذاء لعِظَيمها و خطر زوالها ، و والله إن أشْهى المأكولات وأطيب الثمرات لا تطيب مع ذهاب الأمن ونزول الخوف والهلع ،وإن كلَّ حُلو دقته لم أجد أحلى من العافية .

إخوة الإسلام : إن نعمة الأمن مع العافية و الرزق هي المِلك الحقيقي للدنيا فعن عبيد الله بن المحصن الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من أصبح آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " رواه الترمذي.

وجاءت الشريعة الإسلامية لتحافظ على الضروريات الخمس بكافة جوانبها في ظل الأمن والأمان للدين وللنفس وللعرض وللمال ، وهو ما جاءت جميع الشرائع والأديان لحفظها، و لعل الإسلام عندما اهتم بالأمن و دعا للمحافظة عليه بجميع أشكاله و صُوَره من أمن روحي و فكري و غذائي و علمي و سِلمٍ اجتماعي .

كيــف لا، و الأمن و الإيمان قرينان ، فلا يتحقق الأمن إلا به قال عز وجل : "الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم يظلم أولائك لهم الأمن وهم مهتدون " .ٍ

والأمن مربوط بعبادة الله تعالى، قال عز وجل "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف " .

كما أن الأمن والمعصية لا يجتمعان ، فإذا تخلى أفراد المجتمع حكَّاما و محكومين عن دينهم، وفرَّطوا في تحمل مسؤولياتهم و أداء أماناتهم ، و كفروا نعمة ربهم ، أحاطت بهم المخاوف، و انتشرت بينهم في الجرائم وانهدم جدار الأمن، وأضلّتهم ضلال الخوف والجوع، وهذه سنَّة الله لا تتخلَّف في خلقه قال تعالى :" وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "

ولن يتحقق الأمن إلاّ بعودة الثقة بين أفراد الأمة الواحدة و ذلك بإشاعة العدل، ورفع الظلم، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإصلاح ما أفسد الناس، قال عليه الصلاة والسلام: " طوبى للغرباء"، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: "الذين يصلحون ما أفسد الناس" .

و الإصلاح في الأرض مهمة الأنبياء و الصالحين قال عزوجل على لسان سيدنا شعيب عليه السلام: " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب " . - فلو تعلّقت همَّة الأمة بالثُّريّا لأدركتها -

أقول ما تسمعون و أستغفر الله العلي القدير لي و لكم فاستغفروه تجدوه غفورا رحيما و لا حول ولا قوة إلا بالله، أدعوا ربكم يستجيب لكم .

الخطبة الثانية:

... إن رعاية الأمن و الأمان في المجتمع لا تتأتى إلا بنشر العلم، و ربط الأمة بدينها وعقيدتها و الذود عن خصائص وجودها ، ولا تقوى سواعدها إلا باستنهاض شبابها ، فهم أمل الأمة في رقيها و تقدمها ، والحفاظ على مكتسباتها و مقدّراتها .

فيا أيها الشباب : إن الواجب الذي يمليه علينا ديننا ووطننا أن نشتغل بالبناء لا التهديم، وبالجمع لا التفريق، وبالإصلاح لا التخريب، متسلّحين بالعلم والحلم والصبر.

وإن من الحكمة الواجبة أن نتجنب العاطفة الهوجاء، وردود الأفعال المتهوِّرة، والزج ببلدنا في معارك وهمية لا تحمد عقباها و لا يعلم جدواها، مستشعرين ما يحاك لهذه البلاد الطيبة من المتربصين بها في دينها و لغتها و ثرواتها،

قال عز جل :" و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و أولائك هم المفلحون" .

أمة الإسلام : إن أمن البلد مطلب ضروري ، وحفظه واجب شرعي ووطني، وإن وحدة صف الأمة وسلامة منهجها ، والحفاظ على قيمها و تكافؤ الفرص أمام أبنائها مسؤولية الجميع رعاة ورعية ، خاصة وعامة ، يقول الله تعالى :" وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولآئك هم الفاسقون "

اللهم آمنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، وأرزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير و تعينهم عليه ، و اكفنا شرارنا ، و اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا و أصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر .

من إعداد المجلس العلمي لولايةالبيض

الصنف