الخطبة الأولى: الحمد لله حق حمده كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله، أعز المؤمنين بعد ضعف وذلة، وأيدهم بحوله وقوته، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله جاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه الله اليقين، أخلص له الدعـاء فحقـق له الرجاء، فسلام الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيه إلى يوم الدين. أمـا بعـد ،
أيها الإخوة : يقول الحق تبارك وتعالى في محكم تنزيله : (( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)) ( الذريات55)، يحي هذه الأيام الشعب الجزائري ذكرى عزيزة عليه، ذكرى ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، هذه الثورة المباركة التي وضعت حدا لاستعمار مقيت دام أكثر من 130 عاما، ذاق خلالها الشعب الجزائري أحداثا مليئة بالآلام والحرمان، والدم والظلم من قبل المستعمر الفرنسي، فمن واجب الأجيال المتعاقبة الآن – على الخصوص ممن لم يكتووا بنار الاستعمار – أن يتفحصوا صور الماضي الأليم ليقفوا على الحقد الدفين الذي كانت فرنسا الاستعمارية تمارسه ضد شعب أعزل لم يجد ما يسد به رمقه، ومن واجب الشباب الآن استحضار كل المشاهد الأليمة وإمعان النظر، ليعرف كرم الله عز جل وفضله وإنعامه علينا بنعمة الحرية والاستقلال، يقول الحق تبارك وتعالى : (( وأما بنعمة ربك فحدث )) (الضحى 11).
أيها الإخوة المؤمنون: هذا يجعلنا نقف وقفة إجلال واحترام واعتراف، لمن فجروا ثورة نوفمبر رجالا ونساء، فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل إعلاء كلمة الله، ورفع راية الوطن فنالوا الصفقة الرابحة التي جاء فيها قوله تعالى : (( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون ف سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا)) ( التوبة 111).
أيها الإخوة المسلمون : إننا حينما نتحدث عن إنجازات الثورة المباركة، فلا يمكن بحال أن نغفل عن تعيين الأشخاص والأبطال الذين كان لهم الفضل في تحرير الجزائر، كما لا يمكن نسيان الزمان والمكان الذي جرت فيه وقائع المعارك والبطولات، ولكن أكبر إنجاز نذكره هو : احتضان الشعب للثورة المباركة والتفافه حولها والسؤال الذي نطرحه الآن :
- ما الذي جعل الشعب الجزائر يحتضن الثورة المباركة ويلتف حولها؟
- إن المتمعن في تاريخ الجزائر ابتداء من دخول فرنسا سنة 1930، وانطلاق المقاومات الشعبية وعلى رأسها مقاومة الأمير عبد القادر سنة 1832، إلى ثورة الفاتح من نوفمبر سنة 1954 يجد أن المحرك الأساسي والروح المغذية لهذه المقاومات والثورات هو : روح الإسلام، وحب هذا الشعب لوطنه، حيث كان لنضج الوعي الوطني دور في الدفاع عنه، وكذا تجذّر الإسلام في أعماق الشعب الجزائري، وامتزاجه بدمه ولحمه، فكانت نداءات الله أكبر التي تخرج من قلوب المجاهدين وتنطلق بها ألسنتهم كالمغنطيس يجذب أفراد الشعب إلى ثوراتهم فرعى الشعب الثورة وشد إزرها، ودفع الآباء والأمهات بفلذات أكبادهم إلى معارك الوغى، فكانت البطولات والتضحيات، والكرامات التي أجزاها الله على يد المجاهدين الطاهرين، وكان الاستشهاد في سبيل الله وكانت الانتصارات المتتالية انتهت باستقلال الجزائر ونيل حريتها.
*اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، وأدم علينا نعمة الحرية والاستقلال، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان غفورا رحيما.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المنعم الوهاب، واهب النعم ودافع النقم ومهيء الأسباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أمـا بعـد،
أيها الإخوة المؤمنون: يقول الحق تبارك وتعالى في محكم تنزيله (( يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم)) (فاطر/3)، ويقول : (( لئن شكرتم لأزيدنكم)) ( إبراهيم /7).
إن من النعم الجليلة التي أنعمها الله علينا، نعمة الإسلام ونعمة الأمن ونعمة الحرية والاستقلال … ونعم أخرى لا تعد ولا تحصى، ومن واجب المسلم انطلاقا من مفهوم الآيتين السابقتين :
*1 وجوب ذكر نعم الله علينا (( يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم)).
*2 وجوب شكر الله تعالى على هذه النعم (( لئن شكرتم لأزيدنكم)).
فلا يعرف نعمة الحرية والاستقلال إلا من فقد ذلك واكتوى بنار الاستعمار الفرنسي وما خلفه من فقر وجهل واستغلال وإذلال.
أيها الإخوة المؤمنون: إن من واجب ذكر النعمة وتمام الشكر في هذه المناسبة السعيدة واجبات نوجزها في :
1- حب هذا الوطن العزيز الذي ضحى من أجله مليون ونصف المليون شهيد، وبذل النفس والنفيس في سبيله واعتبار ذلك – أي حب هذا الوطن – من أعظم القربات عند الله فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على جلالة قدره عندما خرج من مكة قال : (( الله يعلم أنك من أحب البلاد إلي – أي مكة – ولكن قومك أخرجوني)).
2- استكمال مسيرة المجاهدين الذين خاضوا معركة تحرير الجزائر، فنحن الآن أمام معركة التحديات الكبرى للمحافظة على أصالة الجزائر وقيمها.
3- التمسك بمبادئ الإسلام الغراء وروح الثورة المباركة، وذلك بالاعتصام بجبل الدين المتين.
4- السير على خطى الشهداء – رحمهم الله – وما كانوا عليه من أخوة ومحبة ووحدة وعدم التفرق والتنافر والخلاف فهذا يؤدي إلى الضعف والهوان يقول الحق تبارك وتعالى : (( إنما المؤمنون اخوة)) ( الحجرات /10).
** الدعـاء**
* فالله نسأل في الأخير أن يجعلنا من الشاكرين لما أولانا، ومن الذاكرين لما أنعم علينا، اللهم أرحم شهداءنا الأبرار، وأدم علينا العفو والعافية يا رب العالمين.
*اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا مريضا إلا شافيته ولا ميتا إلا رحمته ولا حاجة لك فيها رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.
*اللهم وفق ولاة أمورنا إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا ووفق ولاة أمورنا خاصة إلى ما فيه خير البلاد والعباد.
*عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ويعظم لعلكم تذكرون وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله .
بقلم الأستاذ : عبد القادر فوكراش