في ذكرى 05 جويلية 1962

 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله على ما أنعم، والشكر له على جزيل فضله وكثير كرمه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حث المؤمنين المظلومين على الجهاد والفداء بقوله:" أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله"الحج: [39-40] ونشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الأنبياء وسيِّد المجاهدين والشهداء، وأولى الأصفياء. اللهم صلي وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين، ثم أما بعد:

أيها الإخوة الكرام، إنه لا يكاد يطل علينا الشهر السابع من السنة الميلادية، ونعني بذلك" شهر جويلية" من كل عام إلا وعادت بنا الأيام قليلا إلى الوراء؛ لنتذكر تلك الإنجازات التاريخية التي قام بها المجاهدون الأفذاذ من هذا الوطن الحبيب.

إنّ يوم الخامس من شهر جويلية عام 1962 لينطوي – أيها المسلمون- عل الكثير من المعاني الجليلة، والأسرار العظيمة بالنسبة لكل مواطن جزائري؛ فهو يوم تم فيه استرداد حرية وكرامة الجزائريين، إذ الحرية – كما تعلمون – هي من أغلى الكنوز حتى للبهائم الحجماوات فكيف بالإنسان المسلم.

إنّ استرجاع الحرية التي كانت مغتصبة مدة من الزمن لم يكن بالأمر الهيِّن، ولا بالشيء السهل اليسير- ولا سيما في ذاك الوقت العصيب والفترة الصعبة، بل اقتضى استرجاعها استشهاد الكثير من الأبطال، وسقوط عدد كبير من العظماء في ميدان الشرف؛ كلُّ ذلك تلبية لواجب الوطن ونداء الدين. وما كان هذا الاستقلال إلا لنعيش سعداء، ونبقى أوفياء لما مات عليه أولئك الأبرار.

والحق- أيها الاخوة – إنّ الحرية لا يقدر قدرها إلا من عاش تحت أسر الأغلال، وفي ظلام الاستبداد، وكفى بالاستعمار غلا واستبدادا، لأنه ما أراد إلا مسخ هذا الشعب الأبي وإبعاده عن قيمة ومبادئه الإسلامية، هذا في الدرجة الأساسية وفي المرتبة الأولى.

ثم يأتي تبعا لذلك – في المرتبة الثانية – استنـزاف خيرات المواطنين، والسيطرة على أموالهم وممتلكاتهم.

أيها المسلمون، هل يريد أحدا منا التعرف على حقيقة الاستعمار الغربي، وعلى أفعاله وجرائمه قديما حيال هذا الشعب المجاهد الواقف في هذا الوطن الكبير؟!

هل نريد حقا الاطلاع على ما قام به من أعمال تشيب له الولدان، وتصرع له الثكالى؟!

إذا كان الجواب : نعم! فانظروا إلى ما يحدث في بيت المقدس تمعنوا – رحمكم الله وأعلى شأنكم – في صنيع اليهود الأرجاس بأبناء الإسلام في أرض فلسطين، تلك الأرض التي بارك الله فيها بأن جعلها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى نبينا العدنان.

أيها الإخوة الأكارم، إنّ مَثَل الاستعمار الفرنسي قديما في بلادنا هذه كمثل الاستعمار الصهيوني اليوم في  بيت المقدس، وإن كان ذاك القديم أخطر في بعض الجوانب.

ومن المعاني العظيمة التي يذكرنا بها يوم الخامس من جويلية – أيها الإخوة الكرام – نعمة الاستقلال؛ حيث كانت الحكومة الفرنسية حينها تسعى لإدماج أرض الجزائر في أرضها، وخلط شعبنا المسلم في شعبها الكافر، ولعمري إن هذا لمن أعظم البلاء ، وهو أبين ارتكاس لو وقع، لكن "بطل سحر الساحر، ورد الكيد على الكائد" – كما قيل، وذلك بفعل المجاهدين الأبطال، الذين كان همهم الأساس: تحرير البلاد والعباد، وتحقيق الاستقلال عن فرنسا العجوز، فتم ذلك في مثل هذا اليوم، والحمد لله رب العالمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا يوافي نعمه، ويكافي مزيده، كما يرضى ربنا تبارك وتعالى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمد عبده ورسولـه، اللهـم صلِّ وسلِّم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين له، وبعد:

معاشر المسلمين: إنّ من المعاني العظيمة التي نتذكرها في هذه الأيام المشهودة: ما قدمه المجاهدون من تضحيات جسيمة، متمثلة في النفوس والأمـوال وغيرهـا؛ كـل ذلك استجابة لنداء الحق تبارك وتعالى القائل:

" انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون".

وإنفاذا للصفحة الربانية الرابحة ببيع الأنفس والأموال مقابل شراء الجنة، قال تعالى ((إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله ..)).

إن ما يقارب أكثر من مليون ونصف مليون شهيد – أيها الناس – ما كانوا ليموتوا هباء ويذهبوا بلا شيء.

ولقد كان الإسلام – كما لا يخفى على أحد – من أكبر الدوافع لهذه التضحيات، ولا أدل على ذلك من مصاحبة هتافات " الله أكبر" لدوي المدافع والقنابل.

كل هذا – أيها المسلمون – لنحيا بمبادئ الإسلام وأخلاقه، أفبعد ذلك نعجز عن تحكيم هذا الدين في أنفسنا وأبنائنا؟!

أو هل رغم ما ذكرنا من أمجاد قديمة، ثم ما فعله الأعداء بنا نسعى وراء هذا العدو لنأخذ من سرابه، ونتخير من قبيح عاداته، ورديء أخلاقه وحالنا كما قال القائل:

إنّا مشينا وراء الغرب نقتبس م   ضيائه فأصابتنا شظاياه وليتنا – والله – قلدناهم فيما ينفع وما يعود علينا بالفائدة، لكن الحال _وإلى الله المشتكى _ أننا قلدناهم في القشور والغثاء..

قلدوا الغربي لكن بالفجور

         وعن اللبِّ استعاضوا القشور

معاشر المسلمين، عودوا إلى دينكم الحنيف، واعتبروا بماضيكم المجيد، ولا تنسوا – رحمكم الله – دراسة التاريخ ولا سيما تاريخكم ووقائعه:

 

إقرأوا التاريخ إذ فيه العبر

         ضل قوم ليس يدرون الخبر

الدعاء:

اللهم ردنا إلى الإسلام ردا جميلا، اللهم وفق شبابنا إلى كل خير، وارزقهم الصلاح والسداد، اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، وأرفع درجاتهم في عليين. اللهم خلِّص الأقصى من أيدي المعتدين من الصهاينة ومن أعانهم، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم أشدد أزرهم.

عباد الله إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.

فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.  

بوحياوي بلقاسم إمام أستاذ