الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وناصر المستضعفين ((ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين و نمكن لهم في الأرض...)) [القصص: 5-6].
و أشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين ، و صلى اللهم عليه وسلم وآله وأصحابه الغر الميامين
أما بعد: ياأيها الأخوة المؤمنون تحتفل الأمة الجزائرية بالتاسع عشر مارس من كل سنـــــــــة تمجيدا وتخليدا لذلكم اليوم الذي وقع عليه الاتفاق على توقيف الحرب مع المستعمر الفرنسي البغيض من عام 1962 ، إنه يوم تاريخي عظيم، لشعب عاش ويلات الجحيم، وقدم جحافل وقوافل من الشهداء والمخلصين، حتى كتب الله له النصر العظيم، فحق له أن يفرح بنصر الله و فتحه المبين .
و قد استمدت أمتنا هاته الفرحة من الكتاب الكريم ، ومن سنة نبيه الحليم ، فقد تحدث القرآن الكريم عن نصر الله للروم عن الفرس الملحدين ، وأنزل في ذللك قرآنا يتلى إلى يوم الدين ، قال تعالى بعد : ((ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من شاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده و لكن أكثر الناس لا يعلمون)) .
فإذا كان الفرح بالنصر مشروع في أمثال هذه القضايا ، فما بالكم أيها الأخــوة الــمــؤمـنــــــــــــــــــــــون إذا تعلق الأمر بأجلّ وأدق من ذلك ، وهو نصرة المسلم على الكافر ، و لقد أمتن الله على المؤمنين في غير ما موضع بنصره و تأييده لهم على عدوهم ، و فرحوا بذلك فرحا عظيما .
قال تعالى: ((لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون )) وقال أيضا في سورة التوبة : ((و لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين و أنزل جنودا لم تروها و عذب الذين كفروا و ذلك جراء الكافرين))
والنصر و التأييد فضل ورحمة من الله سبحانه و تعالى يجب الابتهاج والفرح به قال تعالى:
((قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا)) لكن هذا الفرح يجب أن يترجم إلى الواقع العــــــملي يرضي الله سبحانه بنصر لدينه و كتابه و سنة نبيه صلى الله عليه وسلم و السير على صراط الله المستقيم ومنهجه القويم ، ولقد أوصانا بذلك في كتابه الكريم ، حيث قال : ((وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصى به لعلكم تتقون) الأنعام . بل أبعد من ذلك فقد ربط سبحانه و تعالى نصره و تأييده و تمكينه الناس في الأرض بإقامتهم للصلاة و الزكاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قال تعالى ((الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)) الحج . وهذا ما كان يخشاه سيدنا موسى من قومه ، على ألا يلتزموا به إن نصرهم الله على عدوهم حينما شكوا إلى سيدنا موسى من إذاية فرعون و ملائه لهم ، قال تعالى حكاية عن ذلك : قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم و يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون " صدق الله العظيم ، فالله سبحانه ينظر إلى عباده بعد نصره لهم ماذا هم صانعون ؟ و بنعمة الحرية والعافية ماذا فاعلون ؟
أيها الإخوة المؤمنون جميل أن نحتفل بعيد النصر ، و جميل أن نتذكر و نسترجع ذكرياتنا حلوها و مرها و قديمها و حديثها ، و جميل أن نغرس ذلك في عقول أبناء أمتنا ذكورها و إناثها، ولكن الأجمل من ذلك هو أن يكون لهذه الذكريات مغزاها في قلوبنا وأفئدتنا ، و أن نستثمرها في أرض واقعنا و حاضرنا ، حتى تكون صمام أمان ضد نكران تاريخ وطننا و أمتنا
فما أحوجنا اليوم إلى صمامات الأمان و الاستقرار ، والتشبع بالروح الوطنية الفذة وما أجمل قول من قال :
وما نبالي إذا أرواحنا سلمت *** بما فقدناه من مال ومن نسب
فالمال مكتسب و العز مرتجع*** إذا النفوس وقاها الله من العطب
فيجب أن نتسلح بسلاح الحس الروحي تجاه الوطن لمواجهة هذه الموجات والتحديات التي تعصف بكثير من الشعوب والأمم ،وخاصة ما يشهده العالم العربي اليوم من تحولات واضطرابات، وحركات سياسية واجتماعية تدعونا إلى اليقظة والحكمة والتبصر، كما ندعو شبابنا إلى عدم الطيش والتهور، وأن العاقل هو الذي يستفيد من أخطاء الغير ، فكيف بأخطاء نفسه، و أمتنا في الجزائر قد بليت البلاء الحسن في الحركات الاجتماعية والسياسية ، ومرت من هذا الطريق، ومن لطف الله بها ثم لحسن حظها ، وتضحيات المخلصين من أبنائها ، وصلت إلى بر الأمان و شاطئ النجاة ، لكن هذا ما لا يعجب المغرضين و المتربصين الذين لم يهدأ لهم بال بعد استرجاع الجزائر صحتها و عافيتها ، بل راح هؤلاء يراهنون على لحوق الجزائر بالدلو الموبوءة و المصابة بحمى " الفايسبوك" ليس حبا في الجزائر ، وليس غيرة عن شعبها ، وإنما تشفي و نكاية بها ليس إلا ... لكن نقول للمغرضين اعفوا أنفسكم من ذلك ،فالجزائر بخير و الحمد لله ، و يقظة شبابها و أهلها كافية في الرّد على كل طفيلي مغرض متربص قائلين لأولئك المغردين خارج السرب من أبناء جلدتنا اتقوا الله في وطنكم، و عـــودوا إلى رشـــــدكم ، واتــــقوا الله في شبابكم و أبنائكم ، واتركوهم يحافظون على وطنهم وإنجازاتهم ، و يحافظون على نعمة العافية و السلم اللذين كنا قد عرفنا قيمتهما بالأمس القريب، عندما كان الواحد منا يحلم بليلة هادئة ، ويحلم بالسفر ليلا أو أطراف النهار ، ويحلم أن لا يشاهد و يسمع ذبحا أو تقتيلا أو حرقا أو اغتصابا ، لكن أقول أيها الإخوة الأكارم مشكلتنا هي أننا ننسى ..
نسينا أننا تنكرنا لبعضنا البعض حتى استبيحت الأموال و الأعراض.
نسينا أنها سالت دماء و سقطت أرواح ، نسينا أنه قيل عنا " من يقتل من ...؟"
نسينا أنه لم يسلم من نشازنا حتى الشهداء في قبورهم بل نشبت القبور و حرقت .
نسينا أننا دخلنا في دوامة العنف و التقتيل و التمثيل بأبشع الكيفيات و الصور، بما لم يسبق له مثيل حتى في العصور البدائية والبربرية ، وحتى في عهد النازية العنصرية .
نسينا أنه طمع فينا الطامعون، بل وطالب البعض بتدويل القضية الجزائرية .
ونسينا، ونسينا ، ونسينا الكثير، الكثير،الكثير،لكن الله لم ينسانا بل لطف بنا وهيأ لنا رجالا مخلصين قادوا السفينة إلى بر الأمان والنجاة ،وغيروا وجه الجزائر بالورشات والانجازات ، في ظل العيش الكريم لكل الطبقات والفئات ، ببناء دولة عصرية متطورة لا تزول بزوال الرجال و الحكومات و لا تؤثر فيها القلاقل و المؤامرات ، بل أصبح يخطب ودهــــا لــــدى الأمــــم و الهيئات ، ويحسب لها ألف حساب إذا تعلق الأمر بإبداء مواقفها و اتخاذ القرارات ، وقد تمكنت من استرجاع مكانتها و هيبتها على كل المستويات .
والعاقل المنصف هو من يضع الأمور في نصابها ،ويزن الأشياء بموازينها ، والشاكر لله هو من يشكر الوسائط ، وقد تقرر في باب الحديث أنه قد ورد " عبدي لم تشكر ني إذا لم تشكر من أجريت لك النعمة على يديه " ، وأي نعمة أفضل من نعمة العافية و السلام في بلد النصر و الانتصارات .
أيها الإخوة الأكارم : حقيقة النصر تمكن في مدى معرفتنا للنصر ،و مدى قيمة المحافظة عليه ، فعلينا أن ندرك هذه الحقيقة ، فالنصر : هو انتصار على كل ما يحاك ضد وطننا و أمتنا ، هو انتصار على الأنانية الفردية وحب الذات ، هو انتصار بالوقوف ضد معاول الفساد و رفع التحديات، هو انتصار في قيمة ما قدمنا لوطننا لا ما قدم لنا وطننا من العطايا و الخدمات ، وهو التفاني في حبه و خدمته و جعل مصلحته فوق كل الإعتبارات ،هو الإخلاص له و الجد في العمل و الصدق في المعاملات .
فإن أدركنا ذلك فهذا هو تحدي الجزائر الأكبر في هذا الوقت بالذات ، هذا ما أمكنني قوله في هذا اليوم وفي ظل هذه الحركات والتحولات ...
أقول قولي هذا واستغفر الله الحليم الكريم لي و لكم ...الخ
الخطبة الثانية:
اللهم انصر الإسلام و المسلمين في كل مكان ، اللهم احفظ الجزائر من كل مكروه، اللهم اجعل الجزائر بلداً ءامناً سخاء رخاء و سائر بلاد المسلمين. اللهم أمنا في أوطاننا، واجعلنا من عبادك الصالحين .
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا و أصلح الفاسد من أمرنا، وكن لنا و لا تكن علينا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا؛ إنك على ذلك قدير و بالاجابة جدير .
و الحمد لله رب العالمين .
من إعداد الأستاذ عبد القادر زيغمي
مديرية الشؤون الدينية و الأوقاف – الأغواط -