خطورة ترك الزكاة ومنعها

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة الحسنى لعباده المتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أما بعد … معاشر الأحبة الكرام ...

إذا كان الله قد أكرم المزكين، بأن وعدهم الجنة، وطمأنهم على أموالهم، فإن عادة القرآن الكريم أن يجمع بين الترغيب والترهيب في الفعل أو الترك؛ فقد نبه كذلك إلى خطورة ترك الزكاة ومنعها أو التهاون فيها.

فقد جاء التخذير الشديد، والتهديد الأكيد لمانعي الزكاة بالعذاب الغليظ في الدنيا والآخرة، لينبه القلوب الغافلة، ويحرك النفوس الشحيحة، ويسوقها بعصا الترغيب والترهيب إلى أداء الواجب طوعا، وإلا سِيقت بعصا القانون وسيف السلطان كرها.

وقد استوعبت هذه العقوبةُ لتاركي الزكاة العقوبةَ الدنيوية والأخروية، والعقوبة الفردية والجماعية.

- فقد جاء في العقوبة الأخروية: ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته، مُثل له يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذه بلهزمتيه (يعني بشدقيه) ويقول له: أنا مالك، أنا كنزك ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: «ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاه الله من فضله هو خيرًا لهم، بل هو شرٌ لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة» (آل عمران 180).

والشجاع الأقرع: هو الحية الذكر الذي لا شعر له، لكثرة سمه وطول عمره، وهو من أخبث أنواع الحيات.

وروى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح، ثم أُحمِي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه وجبهته وظهره في يومٍ كان مقداره ألف سنة، حتى يُقضي بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» وهذا مصداقا لقوله تعالى:«والذين يكنزون الذهب والفضة،ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ماكنزتم لأنفسكم،فذوقوا ماكنتم تكنزون» (التوبة: 34).

- وجاء في العذاب الدنيوي العاجل: ما يهدد المصالح المادية، وما يوقظ أصحابها إلى خطورة منع الزكاة؛ فقد جاء في الحديث الذي رواه البيهقي والبخاري في تاريخه وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما خالطت الصدقة-أو قال الزكاة- مالاً إلا أفسدته».

- وأما ما جاء في العقوبة الفردية: ما يشهد لهذا المعنى في حديث آخر؛ رواه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما تَلَفَ مالٌ في بَرٍ ولا بحر إلا بحبس الزكاة».

- وأما عن العقوبة الجماعية: فقد قال صلى الله عليه وسلم: «وما منع قومُُ الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسِنِين» أي بالمجاعة والقحط.

أيها المؤمنون و المؤمنات .....

وإذا كان ذلك الإيجاب والإلزام لفعل الزكاة، وكان ذلك الترغيب في إخراجها وإكرام أصحابها، وكان ذلك التهديد والوعيد في تركها والتهاون فيها، فإن التشريع الرباني لا يترك - مع ذلك - شأن الزكاة لاجتهادات الأفراد وضمائرهم، بل شكل لها فريقا إداريا من ولي الأمر يسمى:" العاملون عليها " وحدد لها أفرادا يقومون بجمعها وتوزيعها يسمون "السعاة والجباة " وهو ما اجتهدنا فيه وسميناه في عصرنا وفي العديد من البلدان العربية والإسلامية : "صندوق الزكاة".

معاشر المسلمين ... إن الزكاة حق ثابت كما قال الله تعالى : " فريضةً من الله، والله عليم حكيم "، والمنهج الإلهي هو الذي ألزم " ولي الأمر" أو مَن "ينوب عنه" بأن يتولى مسؤوليتها جمعا وتوزيعا، وأن لا يتركها لضمائر المزكين، لأنها ليست إحسانا فرديا وإنما هي تنظيم اجتماعي تشرف عليه الدولة، ويتولاه جهاز إداري منظم يسمى "صندوق الزكاة " والذي يتكون من أئمة ومزكين وشرفاء من المجتمع نفسِه . وقد دلت نصوص من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والسنة العملية،وعمل الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك .

* فمن القرآن الكريم: وكأبرز دليلٍ على ذلك أن الله تعالى ذكر هؤلاء القائمين على أمر الزكاة جمعا وتوزيعا وسماهم "العاملين عليها" بل وجعل لهم سهما منها فقال تعالى في الأصناف المستحقة للزكاة : "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ...." إلى آخر الآية ثم ختمها بقوله تعالى: " فريضةً من الله والله عليم حكيم" (التوبة : 60 ) وفي نفس السورة ألزم الله تعالى "ولي الأمر" وهو النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت أو مَن ينوب عنه في أمر المسلمين بأن يتولى مسؤولية هذه الزكاة وأن يمنع ذلك السرطان السياسي المسمى بالعلمانية في فصل الدين عن الدولة فقال تعالى: " خُذْ من أموالهم صدقةً تطهرهم

وتزكيهم بها، وصل عليهم، إن صلواتك سَكَنٌ لهم" (التوبة 03) .

و أخطر ما وقع في هذه الآية في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه من الذين رفضوا دفع الزكاة لولي الأمر – وإن أخرجوها بأنفسهم – فقد اعتبر ذلك رِدة لمن فرق بين الصلاة والزكاة فقاتلهم وقال مقولته المشهورة: " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عِناقا كانوا يؤذونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم عليه ؛ فقال عمر رضي الله عنه " فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".

* ومن الأحاديث النبوية الشريفة: ما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا إلى اليمن قال له: "وأعلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم وتُرد على فقرائهم". قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" : " استُدِل به ( أي الحديث ) على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها، إما بنفسه و إما بنائبه، فمن أمتنع منهم أُخذت منه قهرا " .

* ومن السنة العملية،وعمل الصحابة رضوان الله عليهم: ما رواه أحمد عن أنس رضي الله عنه : أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :إذا أديتُ الزكاة إلى رسولك فقد برئتُ منها إلى الله ورسوله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : نعم إذا أديتَها إلى رسولي فقد برئتَ منها إلى الله ورسوله،ولك أجرها وإثمها على من بدلها" .

فنسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، في أعمالنا ما ظهر منها وما بطن وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

الإمام الأستاذ : ناصر حمدادوش

الطاهير- جيجل

الصنف