خطبة عيد الأضحى المبارك 10ذي الحجة 1433هـ

الخطبة الأولى:

الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، الله أكبر عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، الله أكبر كلما رجع مذنب وتاب، الله أكبر كلما استغفر عبد وأناب، لا إله إلا الله ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ))[القصص:68].

لا إله إلا الله ((هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ))[ص:49] لا إله إلا الله يفعل ما يريد، لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، لا إله إلا الله رب السموات والأرض وهو على كل شيء شهيد، الله أكبر ما لبى الملبون، وطاف الطائفون، الله أكبر ما ضحى المضحون، الله أكبر ما امتلأت من الخشية الجفون وانهمرت بالدموع العيون. الحمد لله الذي سنّ سنن الهدى، وجنبنا مواقع الردى ونصرنا على العدا، وتاب علينا وهدى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وليّ كل نعمة وصاحب كل فضل، ((وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ))[النحل:53]، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، أرحم الناس بالناس، وخير الناس للناس، كان بين الناس رجلا، وبين الرجال بطلا، وبين الأبطال مثلا،

يا زائرا قبر  الحبيب الهادي*****بلغ رسول الله شوق فؤادي

إني بحبك يارسول الله متيم*****وزيارتي إليك كل مرادي

اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أما بعد؛

فيا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يوم عيدكم قد وافاكم في صباح مبارك في يوم النحر العظيم ، ترجون من الله العظيم أن يفيض عليكم من فضله وإحسانه ما تسعد به قلوبكم وتقرّ أعينكم، وقد جرت إرادة الله سبحانه وتعالى في سنّ أعياد المسلمين على حكمة ارتبطت بها، وفلسفة قامت عليها وهي أن يكون العيد بعد فراغ المؤمنين من فريضة معينة.

فعيد الفطر يأتي بعد أداء المسلمين لفريضة الصوم، وعيد الأضحى بعد أن يؤدي الحجيج الركن الأعظم لحج بيت الله الحرام، وهكذا يحس المسلمون بمعنى العيد أنه وقفة يسيرة بعد رحلة شاقة، وأنه فسحة طيبة للعبد بعد أن خاض غمار عبادة مضنية، وأنه جائزة الحق سبحانه وتعالى لمن استجاب لله وللرسول صلى الله عليه وسلم. فهو مظهر من مظاهر الدين وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حكم عظيمة ومعاني جليلة، وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم الأخرى في شتى أعيادها.

فالعيد في معناه الديني شكر الله على تمام العبادة، التي تختلج  في سرائره رضا واطمئنانا، وتتجلى في علانيته فرحا وابتهاجا، وتسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة ، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة، وهو في معناه الإنساني يوم تلتقي فيه قوة الغني وضعف الفقير  على المحبة والرحمة والإحسان، وهو في معناه النفسي حد فاصل بين تقييد تخضع له النفوس وتسكن له الجوارح، وتطمئن به القلوب، وبين انطلاق تنفتح له أبواب المسرات والملذات، وهو في معناه الزمني قطعة من الزمن خصصت لنسيان الهموم والأحزان، والتقاط الأنفاس، وتهدئة الأعصاب ، لتستأنف بعد ذلك رحلة أخرى من مراحل الجهاد الروحي والحياة الخاشعة النقية المخبتة ، وهو في معناه الاجتماعي يوم الأطفال يفيض عليه الكبار بالفرح والمرح و يوم الأرحام تجتمع على البر والصلة والتسامح والتزاور ويوم الأصدقاء يجددون فيه أواصر الحب، ودواعي القرب، وأساب الإخاء، ويوم النفوس الكبيرة تتناسى أضغانها وتلتقي فيه الأرواح قبل الأشباح وتتصافح القلوب قبل الأيدي.

عباد الله :

لقد ربط الله تعالى عيد الأضحى بأعظم قيمة في هذه الحياة وهي التضحية التي هي في أبسط معانيها أن يتنازل الفرد عما يملك مما لايحتاج إليه لمن لا يملك شيئا، ولكنها في العبودية أعمق أثرا، وأبعد غورا، وهي أن تضحي بأهوائك وشهواتك وميولك في سبيل نيل رضوان الله واتقاء سخطه،  وهذا الذي تذكرنا به قصة الفداء الخالدة في أعماق التاريخ الإنساني التي صار بها الخليل خليلا، ثم جعله الله منارا للناس وسبيلا، واستحق أن يكون لوحده أمة، قال تعالى : ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [النحل:120] فلقد أمر بذبح  فلذة كبده وبكورته وبكره على حين وهن عظمه وكبر سنه وخلو ساحته، فلبى ذلك طائعا مذعنا رضيا مستسلما ، فكان ذلك هو البلاء المبين له ولولده البار الطائع المستميت في طاعة ربه وراحة والده وكان هذا تمام الكلمات التي ابتلى بها في قوله تعالى :

((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)) [البقرة:124] .

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولهذا أيها المسلمون خلد الإسلام هذه الذكرى بتشريع الأضاحي والهدايا  يوم النحر وجعلها من معالم الدين وشعائره الكبرى في قوله تعالى: ((وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)) [الحج:36].

وهي من أحب الأعمال إلى الله تعالى في هذا اليوم لما صح عنه صلى الله عليه وسلم :

( ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم وإنها لنا لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا...) رواه ابن ماجة والترمذي.

فأعظم ما في هذه التضحية صلة العبد بربه والتقوى التي تشعّ من تصرفه على هذا النحو المرضي، أما الدماء واللحوم فننالها نحن لقوله تعالى: ((لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)) [الحج: 37].

ولهذا استحب للمؤمن أن يشهد أضحيته وإن كان لا يحسن الذبح لما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك..." رواه الإمام الترمذي.

عباد الله:لقد جعل الله هذا النسك سبيلا لذكره وشكره والإنابة إليه فقال تعالى: ((لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ)) [الحج:67]، ولذلك من أعظم ما تزين به أيامنا هذه –أيام التشريق- بالتكبير والتهليل الذي يبدأ في عمومه مطلقا بدخول شهر ذي الحجة، أما الذي هو دبر الصلوات فيبدأ بعد ظهر النحر إلى فجر اليوم الرابع وصيغته "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله – الله أكبر الله أكبر ولله الحمد"

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر، الله أكبـر أما بعد، فيا أيها المسلمون: لقد وافق العيد هذا العام بأكبر إنجاز أنجزته الأمة الجزائرية في العصر الحديث يذكرنا به فاتح نوفمبر من كل عام، إنه شهر الانتصار على دولة العار وآثار الدمار الذي خلفه الإستدمار الذي أذل شعبا شريفا بالليل والنهار.

في مثل هذا اليوم ربعت أمـتي***** بالاحتـلال ونـالها ما نالها

ولعل من جعل الصليب  يظلها***** سينير من خلف الغيوم هلالها

ولقد كان الإسلام ولا يزال وقود هذه الأمة في حربها وسلمها فهو باني نهضتها وصانع عزّتها، ومجدها عندما خالطت بشاشته القلوب، ولامست أنواره النفوس، ولا تزال بلادنا ولله الحمد وفية لهذا الدين بما رسمت من قوانين وأحكام تحفظ بها حرمته وتصون قدسيته وتعلي شأن حفاظ كتابه، وتبني صروح المساجد والزوايا التي من حصونها انطلقت شرارة الثورة المجيدة، وها هي الجزائر الحديثة تضع المسجد ضمن أهم المشاريع الكبرى والثقيلة عندما شرعت في بناء المسجد الأعظم للجزائر لتبرهن للعالم على إسلامية ثورتها وروحانية نهضتها، وأن المساجد هي روافد هذا الدين وعمارها وزوارها هم  المؤمنون حقا بالله واليوم الآخر.

هنيئا لمن أشبع اليوم جائعا وأكسى عاريا أو زار مريضا أو ساعد بائسا أو أرشد حيرانا أو بر والديه ووسع على زوجته وأبنائه وذكر الله قلبا ولسانا، وتسبيحا وتهليلا والقرآن ترتيلا ثم صلاة وسلاما على أعظم الناس شأنا وأرفعهم مكانا ومرشدهم إلى الله زرافات ووحدانا سيد البشر وأكرم البدو والحضر سيدنا محمد بن عبد الله ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))[الأحزاب:56] .

والحمد لله رب العالمين.

 

بقلم الإمام الأستاذ: أحمد زيتوني بن يمينة

- مديرية عين الدفلى -