2006-10-20
جماعة من المسلمين - سوق أهراس ا
من فتاوى فضيلة الشيخ أحمد حماني رحمه الله
السؤال:
ما حكم مانع الزكاة عمدا، أو مستهزئا بفرضيتها ؟
الجـواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. إن الزكاة ركن من أكان الإسلام، وفرض من فرائضه. جاء الأمر بإيتاء الزكاة مقرونا بالأمر بإقامة الصلاة في النصوص، من آيات الله وأحاديث رسول الله، وأجمع المسلمون على أنها الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، قال الله تعالى (( وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة)) ( سورة البقرة 110).
وقال تعالى : (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة، ويوتوا الزكاة وذلك دين القيمة)) ( البينة الآية 5). وأمر رسوله بأن يأخذها من أموال المسلمين، فقال : (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)) (التوبة الآية 103)، والصدقة هنا هي الصدقة الواجبة، وهي الزكاة. وقال في مدح المؤمنين: (( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون)) ( المؤمنون الآية 1،2،3،4)؛ وذم الذين لا يؤتون الزكاة، وأوعدهم في قوله: (( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة)) ( سورة فصلت الآية 6،7) ؛ وقال في جواب المجرمين وهم في سقر عن سؤال أصحاب اليمين: (( ماسلككم في سقر؟ قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين)) ( سورة المدثر الآية 42-43-44).
وصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت" أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد. فالزكاة واجبة بالكتاب، والسنة، والإجماع. ووجوبها معلوم من الدين بالضرورة يعرفه الكبار والصغار، الرجال والنساء. فمن أنكره فهو كافر يقتل كفرا لا حدا، لأنه يعتبر مرتدا، وإذا مات أو قتل، فإنه لا يعامل معاملة موتى المسلمين، فلا يغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين. وهذا الحكم لا يختص بمنكر وجوب الزكاة، وإنما يعم كل من أنكر شيئا من أحكام الدين، مما عرف حكمه من الدين بالضرورة، أعني أنه اشتهر عند الناس جميعا، الكبار والصغار، والنساء والرجال، والعلماء والجهال، وذلك مثل حكم الصلاة، وصوم رمضان، والزكاة، وحج البيت، في الواجبات، ومثل الزنا، والخمر، ولحم الخنزير، ونكاح ذوات المحارم، والكذب، والظلم، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، في المحرمات.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم، نقلا عن الخطاب، وهو يتكلم على الذين أنكروا وجوب الزكاة، ومنعوها جهلا وتأولا:
" أما اليوم – وقد شاع دين الإسلام واستفاض في المسلمين وجوب الزكاة، حتى عرفها الخاص والعام – فلا يعذر أحد، بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما اجتمعت الأمة عليه من أمور الدين، إذا كان علمه منتشرا، كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة، وتحريم الزنا والخمر، ونكاح ذوات المحارم، ونحوها من الأحكام، إلا أن يكـون رجـلا حديث عهد بالإسلام، ولا يعرف حدوده، فإنه إذا أنكر شيئا منه جهلا به لم يكفر".
هذا كلام واضح جدا، لأن من أنكر وجوب شيء من هذه الواجبات، أو حرمة شيء من تلك المحرمات، مما علم حكمه بالضرورة، فقد كذب النصوص، وكذب النبوة، فادعاؤه الإسلام زور ومحض كذب.
حكم من اعترف وجوبها وامتنع من إيتائها:
أما إذا اعترف بوجوبها وصدق بحكمها، وقال الزكاة واجبة، وركن من أركان الإسلام، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويصلي مع المسلمين، ويلتزم شريعتهم، ولكنه يمتنع من إيتاء الزكاة، فحكمه يختلف، ويعامل معاملة العصاة الباغين، فزكاة ماله تؤخذ منه غصبا، وإن بقتال، ويسمى المانعون لها " أهل بغي" يجب قتالهم بقوله تعالى : (( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )) ( سورة الحجرات الآية 9).
ولقد قاتلهم أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، بعد وفاته، لما منعوا الزكاة، واعتبروهم من أهل الردة، حتى فاءوا إلى أمر الله، وتابوا، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فكانوا إخوانهم في الدين، وقد حقق العلماء أن الصحابة لم يعتبروهم كفارا، وإنما كانوا أهل بغي، ثاروا على الإمام، وعصوا أوامره، وردوا عماله، ومنعوا الحق، وقد روى قصة الاختلاف في شأن قتالهم ثم الإجماع عليه، أبو هريرة في الحديث الذي خرجه مسلم، وغيره، قال رضي الله عنه: " لما توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لقاتلتهم على منعه، فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق".
وقال الخطابي – كما نقل عنه النووي في شرحه هذا الحديث من صحيح مسلم – ما نصه: " قد بينا أن أهل الردة كانوا أصنافا : منهم من ارتد عن الملة ودعا إلى نبوة مسيلمة وغيره، ومنهم من ترك الصلاة، والزكاة، وأنكر الشرائع كلها. وهؤلاء (يعني القسمين) هم الذين سماهم الصحابة كفارا، ولذلك رأى أبو بكر سبي ذراريهم، وساعده على ذلك أكثر الصحابة واستولد علي بن ابي طالب رضي الله عنه جارية من سبي بني حنيفة، فولدت له محمدا الذي يدعى ابن الحنفية، ثم لم ينقض عصر الصحابة حتى أجمعوا على أن المرتد لا يسبى، أما مانعوا الزكاة منهم، المقيمون على أصل الدين، فإنهم أهل بغي، ولم يسموا على انفراد منهم كفارا، وإن كانت الردة قد أضيفت إليهم، لمشاركتهم المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين، وذلك أن الردة اسم لغوي، وكل من انصرف عن أمر كان مقبلا عليه فقد ارتد عنه.
وقد وجد من هؤلاء القوم الانصراف عن الطاعة، ومنع الحق، وانقطع عنهم الثناء والمدح بالدين، وعلق بهم الاسم القبيح لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقا". فبان من كلامه أن الذين ثبتوا على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأقاموا الصلاة، ليسوا كفارا، إذا منعوا الزكاة، ولكنهم بغاة عصاة، يقاتلون على بغيهم، وفسادهم وعصيانهم مقاتلة البغاة، حتى يفيئوا إلى أمر الله، ويدفعوا الزكاة، لأنها حق المال، ومن لم يؤتها ومنعها لم تكن شهادته عاصمة لدمه وماله، لأن الحديث يقول " فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه" متفق عليه عن أبي هريرة. وحق المال الزكاة. وإنما صدقت كلمة"المرتدين" على مانعي الزكاة، لأنهم ارتدوا عن الطاعة، ومنعوا الحق، فانقطع عنهم ما استحقه أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، من الثناء والمدح بتمسكهم بالدين ونصره.
هل يكفر من ترك ركنا من أركان الإسلام؟
من ترك ركنا من أركان الدين، فقد ارتكب الإثم المبين، وقد صحت الأحاديث في وصف تارك الصلاة بالكفر، وفي وصف مرتكب بعض كبائـر الإثم بالكفـر، من ذلـك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: " سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : إن بين الرجل، وبين الشرك والكفر، ترك الصلاة". فما معنى الكفر المسند إلى تارك الصلاة؟ قال النـووي في شـرح هذا الحديـث من صحيح مسلم: " تارك الصلاة ؟ إن كان منكرا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، خارج من ملة الإسلام، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه، وإن كان تركه تكاسلا مع اعتقاده وجوبها – كما هو حال كثير من الناس – فقد اختلف فيه العلماء، فذهب مالك والشافعي رحمهما الله، والجماهير من السلف، والخلف، إلى أنه لا يكفر بل يفسق، ويستتاب، فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن، ولكنه يقتل بالسيف. وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهو احدى الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله، وبه قال عبد الله بن المبارك، واسحاق بن راهويه، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه. وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة، والمزني من أصحاب الشافعي رحمهما الله، إلى أنـه لا يكفر، ولا يقتل، بل يعزر ويحبس حتى يصلي.
واحتج من قال بكفره بظاهر الحديث.. واحتج من قال لا يقتل بحديث: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" وهي : زنا المحصن، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق عمدا وعدوانا والارتداد عن الإسلام، وليس فيها الصلاة. واحتج الجمهور على أنه لا يكفر لقوله تعالى : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ر ما دون ذلك لمن يشاء)) ( النساء 48).. ولقوله – صلى الله عليه وسلم – " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" .. أخرجه البزار عن أبي سعد بلفظ : من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة). واحتجوا على قتله بقوله تعالى : (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)) ( التوبة 5) وقوله – صلى الله عليه وسلم - :" أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم"، متفق عليه عن أبي هريرة، وتمامه:".. إلا بحقها وحسابهـم على الله". وتأولـوا قوله – صلى الله عليه وسلم - :" بين العبد، وبين الكفر ترك الصلاة" على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، وأنه محمول على المستحل، أو أنه يؤول إلى الكفر، أو على أنه فعل الكفار..
هذا ما ذهب إليه علماؤنا في مجترح هذه السيئة العظمى، والمتكاسل عن أداء هذا الركن العظيم، وقد ورد فيه نص خاص واضح، فماذا يقولون في غيره من العصاة المذنبين؟
مذاهب الفرق في مرتكب الكبيرة
مذهب أهل السنة والجماعة، أن المؤمن لا يكفر بذنب ارتكبه، وإثم اجترحه، إذا كان يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وأنه إذا تاب منه توبة نصوحا قبل أن يحضره الموت غفر له، وإذا مات لم يتب منه فأمره مفوض إلى ربه، إن شاء غفر له بفضله ولم يعذبه، وإن شاء عذبه، بعدله، ثم أخرجه من النار وأدخله الجنة ..
وخالفـت طوائـف من المبتدعـة، قـال القاضي عياض يحكي مذاهب الفرق الإسلامية: " اختلف الناس فيمن عصى الله من أهل الشهادتين فقالت المرجئة: لا تضره المعصية، مع الإيمان، وقالت الخوارج : تضره ويكفر بها، وقالت المعتزلة يخلد في النار إذا ارتكب معصية كبيرة، ولا يوصف بأنه مؤمن، ولا كافر، ولكن يوصف بأنه فاسق. وقالت الأشعرية : بل هو مؤمن، وإن لم يغفر له وعذب فلا بد من إخراجه من النار وإدخاله الجنة، وهذا الحديث ( يعني قوله صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة)، حجة على الخوارج، والمعتزلة. وأما المرجئة، فإن احتجت بظاهره قلنا: محمله على أنه غفر له، أو أخرج من النار بالشفاعة، ثم أدخل الجنة، فيكون معنى قوله – صلى الله عليه وسلم - : دخل الجنة أي دخلها بعد مجازاته بالعذاب، وهذا لا بد من تأويله لما جاء في ظواهر نصوص كثيرة من عذاب بعض العصاة، فلا بد من تأويل هذا، لئلا تتناقض نصوص الشريعة..
ومن تمعن في نصوص الشريعة جيدا، ودرس حجج الفرق المتنازعة بإنصاف ، حكم بأن الحق بجانب أهل السنة والجماعة، الذين منهم الأشاعرة، فإن مذهب المرجئة الذي يقول لا يضر مع الإيمان شيء، يجعل الوعيد عبثا، ويؤول إلى التسوية الكاملة بين الأتقياء البررة الذين يعملون الصالحات، ويتقون الشبهات، وبين الذين يجترحون السيئات، والله يقول: (( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون)) ( سورة الجاثية الآية 21)، كما أن مذهب الذين يجعلون مرتكبي الكبيرة كفارا، ويوجبون لهم الخلود في النار، ويمنعون غفران الغفار، الواحد القهار لمن شاء من عباده، ممن شملته رحمته، أو يمنعون خروج المذنبين من النار بعد عقابهم على العصيان، ودخولهم الجنة، كما دلت عليه نصوص واضحة من الشريعة، كل ذلك يصادم هذه النصوص، ويردها. بينما مذهب أهل السنة والجماعة يحمل كل النصوص ويؤولها بما يجمع بينها، ومن آيات الله التي يرد بها مذهب من يحكم بخلود العصاة في النار أو عدم غفران زلاتهم، قوله تعالى : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) ( النساء 48)، وهي تدل على أن ذنبا واحدا لا يقبل الغفران وهو الإشراك بالله والكفر به، وما دونه قابل للغفران. كما أن أحاديث كثيرة دلت على عدم خلود المؤمن في النار، وأن من مات وفي قلبه مثقال ذرة من الإيمان دخل الجنة . فمذهب أهل السنة والجماعة لا يكفر أهل الكبائر بما ارتكبوا، قال القاضي بن رشد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد عند الكلام على الصلاة على الميت:
" ومن العلماء من لم يجز الصلاة على أهل الكبائر، ولا على أهل البغي، والبدع" ثم قال : " وأما اختلافهم في أهل الكبائر فليس يمكن أن يكون له سبب إلا من جهة اختلافهم في القول بالتكفير بالذنوب. ولكن ليس هذا مذهب أهل السنة، فلذلك ليس ينبغي أن يمنع الفقهاء الصلاة على أهل الكبائر".
العقاب الرهيب لمانع الزكاة
على أنه ورد الوعيد الشديد بالعقاب الرهيب لمانع الزكاة، قال الله سبحانه : (( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتـم تكنزون)) ( التوبة الآية 34)، والكنز في اللغة الضم والجمع ولا يختص بالذهب والفضة، بل هو كل شيء مجموع بعضه إلى بعض، في بطن الأرض كان أو على ظهرها، والمال الذي أديت زكاته ليس بكنز، وهذا مذهب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وابن عباس، وجابر، وأبي هريرة، وعمر بن عبد العزيز، وقال أبو ذر: هو كنز إذا فضل عن الحاجة، والمسلمون أغلبهم على مذهب عمر : إن المال إذا زكي جاز ادخاره وإن كان الأفضل إنفاقه. والعذاب الأليم : الشديد الموجع ؛ وخصت الجباه، والجنوب، والظهور بالذكر ليكون العذاب في الجهات الأربع: من قدام، وخلف، وعن يمين، وعن يسار. وهذه الآية الكريمة نزلت في مانعي الزكاة كما روي عن ابن عباس: " كل مال لا تؤدى زكاته كان على ظهر الأرض، أو بطنها فهو كنز، وكل مال أديت زكاته فليس بكنز، كان على الأرض أو في بطنها؟.. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما، عن أبي هريرة، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " ما من صاحب ذهب ، ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيلـه، إما إلى الجنة وإما إلى النار".
وفي هذا الحديث نص على أن في هؤلاء المعذبين من ينتهي عذابه بانتهاء القضاء بين العباد، ويـرى سبيلـه إلى الجنة، مع أنه كان من العصاة، ولكنه عذاب رهيب في يوم مقداره خمسون ألف سنة.
الاستهزاء بفرضية الزكاة
وقد جاء في سؤالكم : " مانع الزكاة عمدا، أو مستهزئا بفرضيته"، وليس من شأن المسلم أن يتهزئ بالدين، أو بأحد من المسلمين . فالهزؤ بالناس شأن الجاهلين، كما جاء في قوله تعالى : (( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، قالوا أتتخذنا هزؤا؟ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين)) ( البقرة الآية 67)؛ أو من شأن المستكبرين المجرمين : (( إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون، وإذا مروا بهم يتغامزون، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين )) ( المطففين الآية 29). أما الاستهزاء بالدين والاستخفاف بالإيمان والمبادئ، فإنه من شأن المشركين والمنافقين: (( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون)) ( البقرة 13، 14) وقال سبحانه : (( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر..)) ( الحج 94، 95، 96).
والاستهزاء هو السخرية واللعب، وإنما يفعل ذلك أهل الجهل والبطالة، لأنه نوع من العبث. ولاشك أن السخرية بالدين والاستهزاء به كفر وإلحاد وزندقـة، ولا يفعـل ذلك مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيم الصلاة.
ولعلكم تقصدون بالاستهزاء – هنا – التواكل، والتكاسل، عن إعطاء الزكاة، والشح بها والبخل، فهذا من العصيان، وليس من الكفر والارتداد.
------------------------------------------
1-أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر بلفظ، بين الرجل، وبين الشرك والكفر وترك الصلاة.