10-04-2004
سائل - الجزائر
المفـتي: الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف
السؤال:
ما حكم تفضيل بعض الأولاد في الهبة ؟
الجـواب:
قال ابن رشد في كتابه "بداية المجتهد":((واتفقوا على أن للإنسان أن يهب جميع ماله لأجنبي، واختلفوا في تفضيل بعض الأولاد على بعض في الهبة، أو في هبة جميع ماله لبعضهم دون بعض.. فقال فقهاء الأمصار بكراهية ذلك، ولكن إذا وقع عندهم صح. وقال أهل الظاهر: لا يجوز التفضيل، فضلا على أن يهب لبعضهم جميع ماله دون البعض، وقال مالك: يجوز التفضيل، ولا يجوز أن يهب لبعضهم جميع المال دون البعض)) (1)اهـ. والخلاصة أن هناك ثلاثة مذاهب: الأول ـ مذهب الجمهور الذي يكره ذلك ابتداء، فإذا وقع مضى وصار ملكا للموهوب له، وإلى ولده من بعده إرثا. وعمدة الجمهور أن الإجماع منعقد على أن للرجل أن يهب في صحته جميع ماله للأجانب، فإذا كان ذلك للأجنبي فهو للولد أحرى، واحتجوا بحديث أبي بكر في الصحيح أنه نحل عائشة جذاذ عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال:((والله يا بنية.. ما من الناس أحد أحب إلى غنى منك ولا أعز بعدي فقراء منك، وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا، فلو كنت جذذته واحترزته كان ذلك لك، وإنما هو اليوم مال وارث))(2)، فلم يشرط أبو بكر على ابنته إلا الاحتياز، ليصير ملكا لها بعد وفاته، ما لم يمرض الواهب ويتوف ولم يَحُزْهُ الموهوب له. الثاني ـ مذهب أهل الظاهر ودليلهم حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، "أن أباه بشيرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَكُلُّ ولدك نحلته مثل هذا ؟ فقال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: فارتجعه"، وفي بعض الروايات: "هذا جور"، وفي بعضها: "ألست تريد أن يكونوا لك في البر واللطف سواء ؟ قال: بلى. قال: فأشهد على هذا غيري"(3). الثالث ـ مذهب مالك، وهو يرى أن النهي عن أن يهب الرجل جميع ماله لواحد من ولده، هو أحرى أن يحمل على المنع، فأوجب عنده مفهوم هذا الحديث النهي على أن يخص الرجل بعض أولاده بجميع ماله. فهذا ما للمذاهب من الفقه في هذه المسألة، فقد اتفق مالك وأهل الظاهر على عدم جواز هبة الرجل جميع ماله لبعض أولاده دون بعض، ودليلهم النهي الوارد عنه صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير، وقد قال أهل الظاهر في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: "ارتجعه"، أنه يقتضي البطلان، وبه قال مالك. أما جمهور فقهاء الأمصار، فكرهوا ذلك ابتداء، فإذا وقع مضى. والأشبه الأخذ بمذهب مالك وأهل الظاهر عملا بقاعدة سد الذرائع (4)، فهذا ما ظهر لي سجلته حول هذه المسألة، وبالله التوفيق. --------------------- (1) انظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد (2/327 ـ 329). (2) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (2/752) [كتاب الأقضية/باب ما لا يجوز من النحل]، رقم 40. (3) أخرجه البخاري (5/250) [كتاب الهبة/باب الهبة للولد]، رقم 2586 ومسلم (3/1241 ـ 1244) [كتاب الهبات/باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة]، رقم 1623. (4) لما قد يقع في المستقبل من العداوة بين الأولاد بسبب رفع نصيبهم من الإرث [الشيخ محمد شارف].