10-04-2004
سائل - الجزائر
الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف
السؤال:
تحديد عدد الرضعات
الجـواب:
اختلف الفقهاء في القدر المحرم من اللبن فذهب قوم إلى عدم التحديد فيه، وقالوا: إن أقل قدرمنه ولو مصة واحدة استقرت في الجوف تحرم فتعطى حكم الرضاع، وهذا القول مروي عن ابن مسعود وعلي وابن عمر وابن عباس، وهو مذهب مالك وأصحابه، وأبي حنيفة وأصحابه، والثوري والأوزاعي. وذهب آخرون إلى التحديد وقالوا: لا تحرم المصة ولا المصتان، ولو استقرت في الجوف، وإنما تحرم الثلاث فما فوقها، قال هذا أبو عبيد وأبو ثور، وذهب الشافعي إلى التحديد بخمس رضعات فما فوقها. وسبب هذا الاختلاف معارضة عموم الكتاب لأحاديث التحديد، مع معارضتها لبعضها بعضا، يقول الله سبحانه من سورة النساء: "وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم..." (1)، فلم يذكر في ذلك تحديدا، بل هو خبر يفيد العموم، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تحرم المصة ولا المصتان"(2)، ويقول صلى الله عليه وسلم:"لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان"(3). فهذان الخبران يعطي دليل الخطاب فيهما أن ما فوق المصتين يحرم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل في سالم مولى أبي حذيفة، وكانت حاضنته: "أرضعيه خمس رضعات يحرمن"(4)، مع ما كانت عائشة تحدث به قالت: ((كان مما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات ـ فتوفي رسول الله وهن مما يقرأ من القرآن))(5). فهذان خبران يفيد مفهومهما أن ما دون الخمس لا يحرم، فهذا وجه تعارض هذه الأحاديث بعضها بعضا. فمن رجح ظاهر القرآن المفيد العموم على هذه الأحاديث لم يَرَ حدًّا لذلك، ومن جعل هذه الأحاديث مقيدة لعموم الآية المذكورة اختلفوا كذلك، فمنهم من رجح دليل خطاب حديث: "لا تحرم المصة ولا المصتان"(6) على دليل خطاب حديث عائشة، فحرم ما فوق المصتين وهو الثلاث، ومنهم من رجح دليل خطاب حديث عائشة، فلم يحرم ما دون الخمس رضعات. وعليه فعند تعارض الترجيح كما هنا، فإنه يقدم الأقوى وهو عموم ظاهر القرآن الكريم، وعليه مالك وأبو حنيفة وأصحابهما، وذلك أن دليل خطاب الأحاديث تعارضت مع بعضها، مع عدم تمكن ترجيح أحدها على الآخر، فوجب المصير إلى الآية المقتضية عدم التحديد. اهـ من بداية المجتهد بتصرف(7). والله أعلم. ----------------------- (1) سورة النساء/23. (2) أخرجه مسلم (2/1073 ـ 1074) [كتاب الرضاع/باب في المصة والمصتان]، رقم 1450/17. (3) أخرجه مسلم (2/1074) [كتاب الرضاع/باب هل يحرم ما دون الخمس]، رقم 1451/18. (4) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (2/605 ـ 606) [كتاب الرضاع/باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر]، رقم 12. وابن حبان (10/27 ـ 29) [كتاب الرضاع/باب ذكر العلة التي من أجلها أرضعت سهلة سالما]، رقم 4215. (5) سبق تخريجه في الجواب عن السؤال "حكم الرضاعة". (6) سبق تخريجه في جواب هذا السؤال. (7) انظر: بداية المجتهد لابن رشد الحفيد (2/35 ـ 36).