الخطبةالأولى:
الحمد لله الذي أبان للعباد منهج التربية القويمة في قرآنه المجيد وأوضح للعالمين مبادىء الخير والهدى والإصلاح في أحكام شرعه الحنيف والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بعثه الله للانسانية مؤدباً ومربيا وأنزل عليه تشريعاً يحقق للبشرية أسمى آيات عزها ومجدها وأعظم غايات سؤددها ومكانتها ورفعتها واستقرارها وعلى آله وأصحابه الطبيين الأطهار ومن اقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
أيها المسلمون إنّ الله تعالى فرض على العباد الاكتساب لطلب المعاش ليستعينوا به على طاعة الله تعالى والله تعالى يقول : ﴿وابتغـوا مـن فضـل اللـّه واذكـروا اللـّه كثيـراً ﴾ (الجمعة/10)
فجعل الاكتساب سبباً للعبادة
وقال تعالى :﴿انفقـوا مـن طيبــات ماكسبتـم ﴾(البقرة/207).
وطلب الكسب فريضة على كل مسلم قادر عليه وفي حديث آخر للطبراني في الأوسط ((من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له)) .
وقدكان عمر بن الخطاب –رضي – يقدم درجة الكسب على درجة الجهاد فيقول :(( لأن أموت بين شعبتي رحْلي أضرب في الأرض ابتغي من فضل الله أحبُ إلي من أن أقتل مجاهداً في سبيل الله تعالى، قدم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين في قوله تعالى:﴿وآخـرون يضربـون في الأرض يبتغـون من فضل الله وأخرون يقاتلون في سبيل الله ﴾ (المزمل /20) وفي حديث أنّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صافح سعد بن معاذ رضي الله عنه يوماً فإذا يداه قد أمجَلتَا
فسأله النبي – صلى الله عليه وسلم- عن ذلكفقال: ((أضربُ بالمرّ والمسحاة في نخيلي لأتفق على عيالي)).
فقبَّل رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يده وقال :((كفَّان يحبهما الله تعالى))
فأيها المسلمون إنكم مطالبون باكتساب ما لابد منه ، تنالوا به من الدرجات أعلاها ، ثم إنّ الكسب طريقة المرسلين صلوات الله عليه اجمعين والله تعالى يقول في كتابه :﴿فبهـُداهـم إفتـده﴾ (الأنعام/90).
فقد كان نوحٌ -عليه السلام- نجاراً وادريس -عليه السلام-خياطاً وابراهيم -عليه السلام-بزازا ً أي بائع البز وهي متاع البيت من الثياب خاصة .
فعن المقدام بن معدي كرب – رضي الله عنه – عن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: ماأكل أحدُ طعاماً قطُ خيراً من أن يأكل من عمل يده ، وإنّ نبي الله داود –عليه السلام- كان يأكل من عمل يده ،وداود –عليه السلام- كان يضع الدروع ويلين الحديد لقوله تعالى :﴿وألنــا لـه الحديـد﴾ (نبــأ/10).
وقوله تعالى ﴿وعلمنـاه صنعـة لبــوس لكــم ﴾ (النبياء/80).
وسليمان كان يضع المكاتل(الزنبيل) من الخوص (ورق النخيل) .
وزكريا-عليه سلام- كان نجاراً وعيسى-عليه سلام- كان[ يأكل من غزل أمة ]ونبيّينا محمد – صلى الله عليه وسلم- كان يرعى الغنم. والكسب لا ينفي التوكل على الله (( اعقلها وتوّكل ))وقد جاء في الحديث ((وتوكلتم على الله حق التوكل ، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً )).
وقوله تعالى : ﴿وفي السمـــاء رزقكــم وما توعــدون ﴾(الذريات/22) . ليس حثا على ترك الانشغال بالكسب فاتخاذ الأسباب لاينافي التوكل وقد أمر الله تعالى مريم– عليها السلام – بهزجذع النخلة ﴿وهـزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً ﴾(مريم/25).وهو قادر على رزقها دون هز وعناء منها ونظير ذلك الدعاء فقد أمرنا به تعالى في قوله: ﴿واسألوا الله من فضله﴾ (النساء/32) ومعلوم أنّ ماقدر لكل أحد فهو يأتيه لامحال .
أيها المسلمون : أمرنا الله بالانفاق على الزوجات والعيال ولايتمكن هذا الانفاق عليهم [إلابتحصيل المال بالكسب وما يتوصل به إلى أداء الواجب يكون واجبا] قال تعالى : ﴿وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لاتكلف نفسٌ إلا وسعها﴾ (البقرة/233) وقوله تعالى : ﴿ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله﴾(الطلاق/07) .
ضف إلى مافي الكسب من معنى المعاونة على القرب والطاعات وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم – ((المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)) ثم أيها المسلم إذا لم تكتسب لم يبق لك إلاّ السؤال وإنّ في السؤال ذل وعلى المؤمن أن يصون نفسه عن الذل فعن علي رضي الله عنه قال :
لنقل الصخر من قلل (رأس الجبـل) الجبال♦♦♦ أحبُ إليّ من منن الرجال
يقول النـاس لي في الكسـب عـارٌ♦♦♦ فقلت : العارً في ذل السؤال. وقد تسأل أخي المسلم فزمنا تعطي وربما تمنع وإذا لم تسأل دخلت باب الحرام ولم تبال من حيث اكتسبت فلم يبال بك الله وودعك لنفسك.
فيأيها المسلمون أين نحن من هذه التعاليم الاسلامية ؟ وأين نحن من هذا الهدي النبوي ؟ نجيب عن ذلك فيما سيأتي إن شاء الله ، استغفر الله ولكم فاستغفره تجدوه غفوراً رحيماً .
الخطبةالثانية:
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى
أما بعد :
فيأيها الشباب المسلم : هل أنتم ممن يكسب ؟ أم ممن ينام إلى الظهر ؟ ويتكأ الحيطان مانعاً الطريق حقه تشتغل بهذا وذاك .
هل أنتم كمن يشترط على من يأتيهم بعمل بسيط يكسب به لقمة عيشه ورزق أبنائه يشترط أن يكون العمل في مكان راقِ
ومناسب وأجر مثالي ......إلخ من الشروط هروبا من العمل ؟
هل وقوفك أخي المسلم بطالاً أفضل أم عملك بيدك لتكفي حاجتك ولاتسأل الناس إلحافاً؟ .هل معنى الرجولة عندك هي الذكورة ؟ أم الرجولة القوامة التي ذكرها الله في كتابه وبفضلها شرفك وفضلك على المرأة ، فكم من امرأة جدَّت وشقَّت وكدَّت لتدخل السرور على أبنائها و تسد جوعتهم وتكسو عاريهُم فكانت بذلك الرجل .
ألا تستحي أخي المسلم عندما تذهب لخطبة فتاة فيسألونك ماذا تعمل فلا تجد جواباً وتلقى الأعذار على الظروف وعلى الزمن وعلى......
ألاّ تستحي أيها الشاب المسلم لمـّا تـمد يدك لأمك أو أبيك أو أختك تطلب منهم مصروفك ؟
أين أنت أخي المسلم من الأنبياء والرسل والصحابة رضي الله عنهم ؟ أين أنت من أبي بكر –رضي الله عنه-
لما نزل السوق من ثاني يوم وُلي فيه الخلافة ليرتزق وبيت المال تحت تصرفه ؟.
ثم إنّ هناك شباب يكتسبون لكنهم لا يفرقون من أين يكتسبون حلا لاً أم حراماً ، رباً أم رشوة ، غشاً أم خيانة همه الوحيد إدخال المال فأنتبه أخي المسلم حتى تطيب مكسبك ولا تدخل بيتك ديناراً حراما فيمقت ويذهب ببركة الدينارالحلال ، فيضيع جميع المال،إسأل أخي المسلم أهل الذكر قبل الاقدام على أي عمل ؟ تحرى وأطلب .
أسألك أخي التاجر لما تعرض تجارتك على دُمى عارية تكشف العورات هل بذلك ساهمت في الحلال أم الحرام هل ساهم في انتشار الفضيلة أم الرذيلة ؟ .
أسألك أيها الموظف لما تسترق الساعات وتوقع في مكان صاحبك ويوقع في مكانك لتختلس أوقات العمل لإنجاز مشاويرك الخاصة ، هل بذلك حلّلت أجرتك أم أدخلت عليها السحت والربا،أسألك أخي الموظف هل إذا عطلت مصالح الناس متعمداً أوراجياً رشوة ً .هل ابتغيت الحلال أم الحرام ؟أيها الشاب المسلم المصْطف في البلديات لتشهد شهادة إقامة أو بطالة شهادة زور أو جهل لتأخذ دراهم معدودات هل سألك نفسك هل هذا حلال أم حرام ؟
في وقت انتشار العلموالقنوات الاعلامية ودعوة الأئمة على المنابر ليس لك أخي المسلم عذراً فيما تفعل . قف راجع نفسك فلا تظلمها فتكون من الخاسرين وآخر دعوانا أنّ الحمد لله رب العالمين .
~~~~~~~~~~~~~~~~ الدعـــاء~~~~~~~~~~~~~~~~~~
- رواه الخطيب عن أنس
- أخرجه البخاري في الصحيح [4/303] كتاب البيوع باب : كسب الرجل وعمله بيده
-خماصاً: الفارغ المعدة من الطعام
-بطناً : ممتليء الجوف
-اخرجه الترمدي في السنن [ 4/573] كتاب الهر باب في التوكل على الله من حديث عمر بن الخطاب وقال : حديث حسن صحيح.
- أخرجه مسلم [4/2054] كتاب القدر باب: في الأمر القوة وترك العجز والاستعانة بالله تفويض المقادير لله.