العمـل في الإسـلام.

 

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الفضل في الدنيا لمن عمل ، والثواب في الآخرة لمن آمن وعمل صالحًا ، ووعد العاملين المخلصين بالحياة الطيبة والجزاء الحسن في الحياة الدنيا والآخرة ،ومن أصدق من الله قيلا ، ومن أصدق من الله حديثا ومن أوفى بعهده من الله ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله أرسله ربي هاديا ومبشرًا ونذيرًا ، دعا إلى العمل فجعله حقا وواجبا وشرفا على كل إنسان. يبني به شرفه ، ويرفع به نسبه ويقرر به مصيره ، اللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم وعلى آله وأصحابه وعلى كل من اهتدى بهديه وسار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرًا.

أما بعد:

فياأيها النـاس: أوصيكم ونفسـي بتقـوى الله عزوجـل ، فإنها النجـاة في الأولى والآخرى، قال تعالى: ((واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)) البقرة الآية :282.

أيها المؤمنون الأفاضل: إن الإسلام هو الدين الوحيد والمنهج الفريد الذي دعا إلى العمل واعتبره حقا وواجبا وشرفا، والعمل هو القانون الذي وضعه الله عزوجل لعمارة الأرض وتحقيق الحياة الفاضلة في الدنيا والآخرة على السواء ، وجعله الوسيلة الطبيعية لكسب الـرزق واستحاق الأجـر واستثمـار الثروات ، قال الله تعالى (( وهو الذي خلـق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ...)) هود الآية (7). وقال تعالى(( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيئ قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا..)) الملك الآية (2).

والعمل في الشريعة الإسلامية نوع من أنواع العبادة به يتقرب إلى الله عز وجل وبه تكفر السيئات وبه تغفر الذنوب ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في سنته العملية الفعلية أن العمل عبادة ، كالصلاة تمامًا يتقرب بها إلى الله تعالى ، فعندما انتهى من بناء مسجده بالمدينة المنورة، شرع في تأسيس السوق وتنظيم الحياة التجارية من بيع وشراء وتحريرها من كل غش واحتكار ، فإذا كان المسجد يرمز إلى العبادة الروحية ، فإن السوق أيضا يرمز إلى عبادة الكسب والارتزاق وتجارة وصناعة وزراعة ويعلن أن ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه ، ولكن خيركم من يأخذ من هذه وهذه ، والله سبحانه بين هذه الفكرة بالذات وأكدها بقوله : (( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون )) الجمعة الآية :(10).

فبالعمل تغفر الذنوب وتكفر السيئات : يقول : المصطفى صلى الله عليه وسلم : « من أمسى كالاً من عمله أمسى مغفورًا له ». وقال أيضا : فيما رواه ابن عساكر وابن نعيم عن أبي هريرة : « إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة ، يكفرها الهموم في طلب المعيشة » أي السعي في الكسب الحلال قصد التعفف ، وقال صلى الله عليه وسلم :لذلك الزاهد الذي رآه لازم المسجد، حين سأله قائلا : من يقوم بشؤون معيشتك قال : أخي ، فقال صلى الله عليه وسلم : « أخوك أعبد منك ».

ـ والعمل ضمان لكرامة الإنسان وحفظا وصيانة له « لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ..». وقال صلى الله عليه وسلم : « ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ».

ـ ولله درعلي بن أبي طالب : كرم الله وجهه حين قال :

لحمل الصخر من قمم الجبال ٭ أحب إلي من منن الرجال

يقول الناس لي في الكسب عار٭ فقلت العار في ذل السؤال .

أيها المؤمنون : لقد تضمن الله للعاملين أن يجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون، وتعهد أن يضاعف لهم الثواب من ضعف إلى عشرة إلى سبعمائة ضعف .. قال تعالى :(( ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون..)). وقال تعالى: « إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا..» (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها..).

 

ـ ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته ولأمته جميعا ، أن مباشرة العمل بجد ونشاط لا يقل شأنا عن الجهاد في سبيل الله ، إذا كانت النية هي التعفف عن المسألة ، والسعي على العيال فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : جالسا مع أصحابه ذات يوم فنظروا إلى شاب قوي قد بكر يسعى ،

فقالوا : ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل الله ، فقال صلى الله عليه وسلم " لا تقولوا هذا فإنه إن كان يسعى على أبوين ضعفين أو ذرية ضعافا ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله ، وإن كان يسعى تفاخرا وتكاثرًا فهو في سبيل الشيطان).

و كان كثيرا ما يقول : « من طلب الدنيا حلالا وتعففا عن المسألة وسعيا على عياله وتعطفا على جاره لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر».

أيها المؤمنون : ولأهمية العمل ودوره في الحياة نجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : يضرب القاعدين والمتكاسلين عن العمل ويقول : لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول : اللهم أرزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، والله تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض ، ويحب الله العبد المؤمن النقي التقي المحترف، هذه هي نظرة الإسلام إلى العمل، فما أجدرنا ونحن في هذا الزمن المعقد والصعب أن نصحح تصورنا تجاه فلسفة العمل فنعتبره عبادة ترفع ذكرنا في الدنيا ودرجاتنا في الآخرة ، ولذلكم أعطى الإسلام العمل قدرًا عظيما وقرنه في العديد من آيات القرآن الكريم بالإيمان: قال تعالى :(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً خالدين فيها ...) وقال تعالى : « والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات...» .اللهـم وفقنا إلى الأعمال الصالحة ، وألهمنا رشدنا واجعلنا متعاونين على البر والتقوى ، وبارك لنا في أعمالنا واجعلها خالصة لوجهك الكريم آمين ـ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وهو الغفور الرحيم.

ـ الخطبـة الثانيـة :

الحمد رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وحبيبه من دون خلقه أجمعين ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ـ أما بعد:

فياأيها المؤمنون: يقول الله تعالى : ((وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير)) الحـديـد الآيــة: 4 إن الإسلام يأمر العامل بآداء واجباته والقيام بمهامه على الوجه الذي يرضي الله ويريح ضميره فهو يؤدي عمله بكفـاءة ومهارة وأمانة وإخلاص واتقان ومداومة ،روى أبو بعلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ».

ومن هنا فالعامل في المصنع والفلاح في المزرعة والإداري في الإدارة والمعلم في المدرسة والإمام في المسجد والتاجر في المتجر، كل حسب وظيفة مطالبون بآداء أعمالهم وإصلاحها وإتقانها والإسلام يأمرنا بمكافأة العامل والإحسان إليه، وتقديم المساعدة وتحقيق مطالبه وحقوقه من تأمين، وتقاعد ، وأجر ، وهذا كله يهدف إلى تحقيق العدالة الإجتماعية ورفاهية المواطن قال صلى الله عليه وسلم : « أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه » ، وقال صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل : " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ـ رجل أعطى بي ثم غدرـ ورجل باع حرًا فأكل ثمنه ـ ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره " (مسلم)

وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل : " ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"

أيها المؤمنـون: إن تطور الأمة في جميع الميادين (الصناعية ، الزراعية..) وازدهارها ورفاهيتها متوقف على تفانينا في أعمالنا وقيامنا بواجباتنا وأدائنا لأماناتنا وتمسكنا بمبادئ ديننا فلنعمل بجد وإخلاص وإتقان وانضباط .

واعلموا أن قيمة وجودنا في الحياة الدنيا مرتبطة بقيمة عملنا وقوته ونوعيته، وعلى أساسه أيضا يتجدد مصيرنا في الحياة الآخرة قال تعالى:(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) التوبة ،الآية (105).

 

الدعـــاء : اللهـم إن نسألك علمًا نافعا ورزقا واسعًا وعملا صالحا متقبلا وشفاءً من كل سقم، اللهـم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا وأجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، وأجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهـم إنا نسألك أن تعز الإسلام في قلوبنا وعقولنا وتعلي بفضلك كلمة الحق والدين في مجتمعنا، اللهـم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.

عبـاد الله " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكرالله أكبر والله يعلم ما تصنعون.."

من إعـداد : بوزيدي حسين إمام مسجد الرحمة

أرافـو ـ أقبـو ـ بجاية

 

 

الصنف