الشعوذة في رمضان

ن. س - جيجل 
لجنة الإفتاء 
 
السؤال: 
الشعوذة في رمضان: لماذا يتوقف بعض السحرة عن أداء أعمالهم الشيطانية في رمضان؟ هل التوبة عندهم في رمضان فقط؟ وهل يجوز صيامهم مع الإصرار على الذنب؟ وما مدى توعية المجتمع الدينية بهذا الأمر؟
 
الجـواب:
أنا لا أعلم إذا كان المشعوذون يتوقفون عن أعمال السحر والشعوذة والتنجيم في رمضان، ولئن فعلوا فإنهم مغلوبون على أمرهم لأن تصرف هؤلاء مع الشياطين، تأتيهم بالأخبار، وتوحي إليهم زخرف القول غرورا. قال الله تعالى: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، وإن أطعتموهم إنكم لمشركون[الأنعام/121]. غير أن هذه الشياطين تصفّد في رمضان فلا تقدر على إعانة هؤلاء السحرة، ولولا ذاك لتمادوا في غيّهم، وضلالهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم)). [أحمد، والنسائي، والبيهقي]. وقال صلى الله عليه وسلم في رمضان: ((تغلق أبواب النار، وتفتح أبواب الجنة، وتصفّد فيه الشياطين، وينادي فيه ملك: يا باغي الخير أبشر، ويا باغي الشر أقصر، حتى ينقضي رمضان)). [أحمد، النسائي]. وليس عملهم ذاك توبة، لأن من تمام التوبة أن يندموا على ما فعلوا، وأن يعزموا على عدم العودة إليه، بعد أن يقلعوا عن السحر فعلا ولا يتمادوا فيه، فضلا عن إرجاع المظالم إلى أهلها، وإصلاح ما أفسدوه، فمن تسبب في ضرر ضمنه، ومن تسبب في وفاة اقتص منه. واختلف العلماء في قبول توبة الساحر: قال الإمام القرطبي في تفسيره: »احتج أصحاب مالك بأنه لا تقبل توبته لأن السحر باطن لا يظهره صاحبه فلا تعرف توبته كالزنديق وإنما يستتاب من أظهر الكفر مرتدا قال مالك فإن جاء الساحر أو الزنديق تائبا قبل أن يشهد عليهما قبلت توبتهما«. [تفسير القرطبي: 2/49]. ويختلف العلماء في صحّة صيام الساحر المصرّ على سحره اختلافهم في حكم الساحر، فمن قال بكفره فلا ريب أنه يبطل صيامه، إذ الإسلام شرط صحة ووجوب الصيام. ومن قال بعدم كفره فإنه يصحح صومه على التفصيل الآتي: إن سحر بكلام كُفْرٍ كفرَ وهو قول جمهور العلماء ومنهم مالك رحمه الله، وإن كان الكلام الذي ذكر إنه سحر به ليس بكفر ولكن أحدث في المسحور جناية ضمنها وقال بعض العلماء إن قال أهل الصناعة أن السحر لا يتم إلا مع الكفر والاستكبار أو تعظيم الشيطان فالسحر إذا دال على الكفر على هذا التقدير. [راجع: تفسير القرطبي: 2/47-49]. جاء في الشرح الكبير: »والسحر يقع به تغيير أحوال وصفات وقلب حقائق فإن وقع ما ذكر بآيات قرآنية أو أسماء إلهية فظاهر أن ذلك ليس بكفر لكنه يحرم إن أدى إلى عداوة أو ضرر في نفس أو مال وفيه الأدب وإذا حكم بكفر الساحر فإن كان متجاهرا به قتل وماله فيء ما لم يتب وإن كان يسرّه قتل مطلقا كالزنديق«. [4/ 302]. وجاء في الفواكه الدواني: »وأما المرتد وكذلك الساحر المتجاهر فيقتل كفرا فلا يغسل ولا يصلى عليه وماله يكون فيئا يوضع في بيت المال لا لورثته«. [2/ 201]. وإن عبادته ومنها الصوم لملغاة بكفره، وإنها لحابطة بعصيانه، قال الله تعالى: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين. [المائدة/5]. وقال: ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الاخرة من خلاق، ولبيس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. [البقرة/102]. ويكفي هذا الساحر ذلاًّ وهواناً أن يختلف العلماء في إيمانه، وأن يختلفوا في قبول دفنه في مقبرة المسلمين، وأن يختلفوا في توريث أبنائه، وزوجته. فليتق هؤلاء ربهم وليبادروا إلى توبة نصوح قبل أن تدركهم الموت فيقول قائلهم: ربّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدّق وأكن من الصالحين. ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها. [المنافقون/10-11]. ويقع على عاتق علماء الأمة: فقهاء وأئمة، نفسانيين، واجتماعيين، كل في موقعه، ومن زاوية اختصاصه أن يعالجوا هذه الظواهر الغريبة التي شدت المجتمع إلى الخرافة، والشعوذة، واللجوء إلى الكهان، والعرافين، وتشجيع ضعاف العقول والإيمان السحرةَ والدجالين بصرف المال إليهم للإضرار بفلان وعلان من الناس. وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله. [البقرة/102]. ومجتمع هذا حاله، هو إلى الزوال أقرب، وعلى الإنهيار أوشك.