التوبة من الكبائر

 

سائل - الجزائر
الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف
 
السؤال: 
حكم المسلم الذي يموت بدون توبة من الكبائر
 
الجـواب:
حكمه أن أمره مفوض لربه، فإن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه، وذلك فيما عدا الشرك بالله والإضرار بالناس، هذا ما اتفق عليه العلماء، ودليلهم على ذلك نص الكتاب العزيز في قوله سبحانه: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"(1)، ونص سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كما جاء في الصحيحين ـ عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عصابةٌ على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا الله في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا (2) فعوقب عليه في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه. قال: فبايعناه على ذلك"(3). ودليلهم على أن الشرك لا يغفره الله، وكذلك الإضرار بالناس قوله سبحانه وتعالى: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن، ولا الذين يموتون وهم كفار، أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما" (4). فالتوبة من الشرك تكون قبل الغرغرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"(5)، وكذلك سائر الكبائر يغلق باب التوبة فيها عند الغرغرة، غير أن الشرك كفر لا يغفره الله في الآخرة، وأما سائر المعاصي غير الشرك فهي تحت المشيئة، كما تقدم في الآية 116 من سورة النساء. ثم إن التوبة من التعدي على الناس لا تقبل إلا بشرط طلب العفو ممن ظلمهم ورد الحقوق المغتصبة لذويها، لأن ذلك فيما بين الناس، ولابد من تبرئة الذمة مما علق من ذلك. ومن الأدلة على هذا ما جاء في جامع الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" (6)، قال الترمذي:((وهو حديث حسن)). قال العراقي في شرح هذا الحديث: ((أي أمرها موقوف لا يحكم لها بنجاة ولا هلاك حتى تنظر.. هل يقضى ما عليها من دين أو لا؟))(7). فهذا في الدين الحلال، فما بالك بالحرام كالغصب والسرقة والنهب والغش والرشوة وغيرها؟ نسأل الله التوبة والسلامة مما في أيدي الناس. --------------- (1) سورة الإسراء/116. (2) فيما عدا الشرك [الشيخ محمد شارف]. (3) أخرجه البخاري (1/81) [كتاب الإيمان/باب علامة الإيمان حب الأنصار] رقم 18. ومسلم (3/1333) [كتاب الحدود/باب الحدود كفارات لأهلها]، رقم 1704/41. (4) سورة النساء/18. (5) سبق تخريجه في الجواب عن السؤال "أشراط الساعة ومدى قبول توبة التائب". (6) الحديث مروي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه الترمذي (3/389 ـ 390) [كتاب الجنائز/باب ما جاء عن النبي رضي الله عنه: "نفس المؤمن..."]، رقم 1078 ـ 1079، وقال في الحديث الثاني: حسن، وهو أصح من الأول. وابن ماجة (2/806) [ كتاب) الصدقات / باب التشديد في الدين]، حديث(2413). وأحمد في المسند (2/440)، رقم (9677)، و(2/475) 10159). والحاكم (2/26 ـ 27) [ كتاب البيوع] حديث(2219 ـ 2220)، قال صحيح ووافقه الذهبي. (7) انظر: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري(4/193).
 

الصنف