التدخيـن … عادة شنيعــــة

{الخطبة الأولى}
الحمد لله رب العالمين، أحل كل طيب نافع، وحرم كل خبيث ضار، نحمده سبحانه وتعالى حمد الأصفياء من خلقه، ونشكره شكر الأولياء من عباده، ونشهد أن لا إله إلا الله خالق الإنس والجن، المحكم في تدبيره لشؤون ملكه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المبلغ عن الله، المفصح في بيانه ونطقه، القائل – كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريريرة رضي الله عنه " إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا" اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، ثم أما بعد:
أيها المسلمون، يقول المولى تبارك وتعالى في كتابه العزيز:" ولا تبذر تبذيرا إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا".
ومعلوم أنّ التبذير المنهى عنه – كما نص العلماء – "هو صرف الأموال والمنافع في غير ما وجه حق، من المعاصي والمنكرات، ولو كان هذا التصرف أو الإتلاف قليلا".
وسنتحدث أيها الإخوة الكرام – في هذا النطاق مما يتصل بالتبذير المحرم عن ظاهرة خطيرة، ووباء جسيم انتشر بين أوساط شبابنا حتى صار أمرا عاديا، بل هو من علامات الرجولة وشيم الكمال عند الكثير منهم، وأخطر من ذلك كله أنه تسرب إلى أوساط بعض النساء في بعض مناطقنا حتى اعتبرنه – وهن مخدوعات بذلك – مما يزيد في رشاقة وجمال المرأة وأنوثتها:" كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا".
فما هي هذه الظاهرة؟ وما مصدر انتشارها في بلادنا؟ ثم ما مدى خطرها وضررها على الفرد والجماعة؟
فبداية نقول – أيها المسلمون – إنّ الذي نعنيه هنا كما لا يخفى على الكثير منكم هو "داء التدخين" ، الذي فيه من المفاسد والمضار ما لا يخفى على عاقل متبصر، بل مالا يخفى على غيرهم من الصبيان والعميان، ونتائج هذه الظاهرة وخيمة وعظيمة لا يمكن لأحد حصرها في خطبة أو اثنتين، ولعله يكفينا هنا الإشارة إلى بعضها، واللبيب بالإشارة يفهم، ومن ثم يزداد بينا من إشارة، ويزداد بصيرة من تلميح.
وأما من زين شرب الدخان للمسلمين بعد الشيطان الرجيم فهو رجل من اليهود – عليه لعنة الله.
جاء في حاشية ابن حمدون على الميارة ما نصه:
( قال اللقاني – رحمه الله :" لا أعلم من تكلم على الدخان من أطباء الإسلام ولا غيرهم ممن يعول عليه، وإنما أحدث القول فيه يهودي بالمغرب الأقصى، وأبرز فيه نظاما زاد السفهاء فيه ونقصوا، ولعبوا به فصفقوا ورقصوا." اهـ
وأما فيما يتعلق بمضاره فكثيرة جدا، أعظمها أنه سم قاتل يفتك بصاحبه ببطء.
ورد في مقال عنوانه : ( التدخين نقمة، والصحة نعمة، والاختيار لك)! في عدد من أعداد مجلة منظمة الصحة العالمية ما يأتي: (( لقد اتضحت العلاقة بين تدخين السجائر وطائفة من الأمراض المزعجة ! كما اتضح أن نسبة عدد الوفيات بين المدخنين أزيد بكثير من نسبتها بين رافضي التدخين ! ولعل أكثر الأمراض ارتباطا بتدخين السجائر سرطان الرئة، والتهاب الشعب، وانتفاخ الرئة، وأمراض القلب الإسكيمية، وأمراض الأوعية الدموية! وترجع 80 % من الوفيات المتزايدة إلى هذه العلل…".
أيها المسلمون، اعلموا أنه لو لم يكن في التدخين إلا هذا لكفى به تحريما وتجريما، وذلك أن ديننا يحرم قتل نفس بغير نفس أو بغير حق: ((من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)).
والإسلام أيضا يحرم الانتحار – وهو قتل الإنسان لنفسه كما يفعل المدخن – بل ويعتبره كبيرة من كبائر الذنوب والآثام قال تعالى: ((ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيما)) وقال: ((ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته يتوجأ بها في نار جهنم خالدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم فسمه يتحساه في بطنه إلى يوم القيامة مخلدا فيها أبـدا، ومـن تردى من شاهـق فهو يهوي في قعر جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا" – أو كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان الإسلام – كما هو مقرر- قد رخّص في بعض العبادات، بل وجب الأخذ بالأيسر فيها؛ إذا كان الأخذ بالعزيمة يؤدي إلى الهلاك أو الضرر، مثال ذلك جواز التيمم لمن به جرح في رأسه وخاف على نفسه الهلاك، وكذا إباحة الميتة لمن أشرف على الهلاك بسبب الجوع فكيف لهذا الدين القويم أن يبيح للمسلم العاقل قتل نفسه بتناول مثل هذه السموم، والتي لا نفع يرجى من ورائها؟
ومن الأضرار التي تصيب المدخن – أيها المسلمون – ما يسمى بسرطان الشفة واللسان والفم والحنجرة والبلعوم والمريء والمتانة ! ويتكرر حدوث قرحة الاثني عشر بين المدخنين أضعاف حدوثها بين غيرهم … إلى غير ذلك من الأضرار والأمراض.
أعادنا الله وإياكم من شر هذه الآفة ومخاطرها، ووقانا وإياكم جميع المهلكات والمصائب آمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
{الخطبة الثانية}
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن بآثارهم اقتفى وبهديهم اهتدى، وبعد:
أيها المسلمون، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما ورد عنه من أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :" لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجة والدارقطني ومالك.
وقال النووي: " حديث حسن وصححه جملة من العلماء" ومعنى هذا الحديث – أيها الاخوة الكرام – هو أن لا تلحق الضرر بنفسك ولا بغيرك : فهو قاعدة عامة عظيمة في نفي الضرر وتحريمه.
والتدخين أيها الإخوة الأفاضل فيه بالإضافة إلى الأضرار بالنفس – الأضرار بالغير، وخاصة أهل العشرة كالزوجة والأولاد والأصدقاء فكل شخص من هؤلاء يدفع ثمنا وتكلفة باهضة بسبب ما يستنشقون من غبار وروائح التدخين وسمومه.
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أباح لمن أكل ثوما أو بصلا التخلف عن جماعة المسلمين والصلاة في المساجد لما في ذلك من الإيذاء للمصلين والملائكة الأبرار بسبب روائحها الكريهة، مع أنهما – أي البصل والثوم – نبتتان مفيدتان صحيا، فلا شك أن الحكم في التدخين أشد لما فيه من الرائحة المقززة للنفوس السليمة والطبائع العادية.
أيها المسلمون – وإن مما يدل على خطورة هذه الآفة وسخفها ومتعاطيها، هو: كثرة ذم الشعراء والعلماء لها ولأصحابها، حتى قال بعضهم:
في الناس قوم سخاف لا عقول لهم
   استبدلوا عوض التسبيح دخانا
أنبوبة في فم والنار داخلهــا
   تجر للجوف دخانا ونيرانا
حر ونار وتسعؤ بصاحبه
   لكن من جهلهم قد كان ماكان
وقال آخر :
الزم طريق الهدى وامشي على السنن
   وخالف النفس وأنقذها من المحن
إياك من بدع تلقيك في عطب
   لا سيما ما فشيا في الناس من نتن
مفتر الجسم لا نفع به أبدا
   بل يورث الضر والأسقام بالبدن
أف لشاربه كيف المقام على
   ما ريحه يشب الشرجين في العطن
أفتى بحرمته جمع بلا شطط
   فاحذر مقالة من يرديك للوهن
فلا يغرنك من في الناس شاربه
   فالناس في غفلة عن واضح السنن
يقضي على المرء في أيام محنته
   حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
عباد الله، توبوا إلى الله من المعاصي والمنكرات واحذروا  ضياع أموالكم وأبدانكم فيما لا فائدة ولا طائل من ورائه.
يا مدمن الخمور أقلع عنها، ويا شارب الدخان دع ما يضرك إلى ما ينفعك، وأعلموا – أيها الناس – أنكم مقدمون على ربكم وواقفون بين يديه، ثم هو سائلكم عن كل صغيرة وكبيرة، "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".

الدعاء:
اللهم ردنا إلى الإسلام ردا جميلا، اللهم وفق شبابنا إلى كل خير، وارزقهم الصلاح والسداد، اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، وأرفع درجاتهم في علين. اللهم خلِّص الأقصى من أيدي المعتدين من الصهاينة ومن عانهم، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم شد أزرهم.
عباد الله إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.
فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 بقلم: بوحياوي بلقاسم – إمام أستاذ

 

الصنف