الإجهاض

بن أعمر - الجزائر 
هيئة تحرير الفتاوى بالموقع 
 
السؤال: 
بســــم الله الرحمــــن الرحيــــــم

نريد الاستفتاء في مشكلة مفادها كالآتي:
منذ ثلاث سنوات كانت زوجتي حاملا في الشهر الرابع حينما ذهبت إلى طبيب نساء مختص في الجراحة والتوليد ومعروف بكفاءته الطبية، وبعد إجراء فحص لها عن طريق الأشعة، قال هناك مشكلة في الجنين وللتأكد من ذلك سوف أرسلكم إلى مركز المصورة الطبية « Centre Imagerie Médicale » حيث تتوفر آلات متطورة ودقيقة للتأكد من نتائج الفحص.
وفعلا توجهت زوجتي إلى هناك وقامت بالفحوصات المطلوبة وعدنا بنتائج الفحص إلى الطبيب وكانت مطابقة لما كان يتوقع، فكانت أول كلمة نطق بها الطبيب هي "يجب إيقاف هذا الحمل" فدهشنا أنا وزوجتي وطلبنا تفسيرا لذلك فقال "الجنين يعاني من تشوه خطير لأن ليس له جمجمة ولن يعيش، حتى وان لم يمت في بطن أمه فأنه سيموت مباشرة بعد ولادته، ولذلك يجب إسقاطه، وهذه مشيئة الله" وبدا من كلامه أن إسقاطه أمر لا يمكن التردد فيه ولا مجال للنقاش مما جعلنا نشعر بخطورة المشكلة وبضرورة إسقاطه ثم كتب رسالة وكتب وراءها حالة مستعجلة وطلب منا التوجه بها إلى المستشفى من أجل إسقاطه، في هذه الأثناء طلبنا الاستفسار من أحد الأئمة فقال لنا ذلك لا يجوز لكن إذا طلب الطبيب ذلك فهو جائز لأنه أعلم بمدى خطورة الوضع، ولم نكن نعلم بمدى خطورة بقائه على الأم و لم نسأل الطبيب على ذلك لأننا لم نكن ندري علاقة ذلك بالتحريم و توجهنا فعلا إلى المستشفى، حيث قيل لنا انه لن نقوم بالإجهاض حتى يتم إجراء الفحوصات عن طريق المستشفى، وقبل إجراء فحوصات أخرى عن طريق المستشفى رأت زوجتي أن تعيد إجراء الفحوصات عند طبيب ثالث للتأكد من ذلك وكانت نفس النتائج وقال هذا الأخير لما سألته زوجتي، أن المشكل خطير ويجب إسقاطه.
أمام هذا الوضع قررنا التوجه إلى المستشفى دون أن يخطر في بالنا أن ذلك محرم ولم نكن ندري أن لعمر الجنين علاقة بالتحريم والجواز وعدنا إلى المستشفى حيث أجريت لزوجتى فحوصات رابعة ثم أعطى الطبيب المختص قرار الإجهاض وطلب من زوجتي إجراء تحاليل قبل عملية الإجهاض
وكان عمر الجنين عند إسقاطه أربعة أشهر وعشرين يوما.
في الأيام الأخيرة، بينما نحن نشاهد في التلفاز أحد برامج الفتاوى، طرحت مشكلة مشابهة لمشكلتنا ودهشنا للإجابة التي قيل فيها بالتحريم المطلق مهما كانت نسبة التشوه، وان ذلك جائز في حالة خطورة ذلك على الأم ومادام الجنين لم تنفخ فيه الروح ولم نكن نعلم هذه التفاصيل، فتوجهت فورا الى الطبيب وسألته عن ذلك فقال لم يكن لبقائه خطرا على الأم ولكن الجنين كان بدون رأس ثم غضب وقال اتق الله وانس الموضوع، هل سنتحمل ذنوبنا وذنوب الآخرين. 
 
الجـواب:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ كان من واجبك أيها السائل الكريم أن تبدأ بما انتهيت به، وهو أن تسأل عن حكم الشريعة الإسلامية في هذا الأمر قبل أن تقدم مع زوجتك على ما أقدمتما عليه، فإنه لا يجوز لمسلم أن يقدم على شيء حتى يعرف حكم الله فيه لتطمئن نفسه ويستريح ضميره، أما المتجرئ على ما لا يعرف حكمه فإنه يقع في الحرام، فبين الحلال والحرام كثير من المشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. وإجهاض الجنين جناية، اتفق على اعتباره كذلك قانون السماء وقوانين الأرض الوضعية، وذهب بعض العلماء إلى أن الجنين الذي يؤاخذ بإسقاطـه هو ما تم تخلقه كأن يبلغ في بطن أمه أربعة أشهر، وبعضهم لا يشترطون ذلك بل يؤاخذ بإسقاطه ولو كان علقة. والجنين كائن حي له الحق في الحياة، وفي حماية الشرع له من العدوان والآفات، لهذا أوجب الشارع الحكيم ديته على مـن جنى عليـه، وقد بلغ فقهاؤنا من التدقيق والاحتياط في حفظ الحقـوق ما لم يبلغه غيرهـم من حماة الإنسانية يدفعهم في ذلك خوف ربهم واحتياطهم لدينهم. وقد يظهر تطور العلم تفاصيل الجنين في بطن أمه كما يبين التشوهات التي قد يتعرض لها وهذا لا يسوغ الاعتداء عليه بإسقاطه ولا يجوز ذلك، إلاّ أن يكون بقاؤه يهدد حياة الأم تهديدًا مؤكدًا يخبر به أهل الخبرة والاختصاص من الأطبـاء الموثـوق بعلمهم وخبرتهم، ولو لم يكونوا مسلمين، فإن كانوا مسلمين فقد تم الاطمئنان إليهم مع المعرفة والخلق القويم وسواء كان الجنين في طوره الأول أو في طوره الأخير قد تكونت أعضاؤه حفظا لحياة الأم إذ هي الأصل، وتقديما لها على حياة الجنين وهو فرع منها، وقد جاء النهي عن قتل الولد ومنه إجهاض الجنين في عدة آيات من الكتـاب منهـا قول الله تعالى :" ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم" ونص العلماء والفقهاء على أن هذه الآية تشمل إجهاض الجنين بعد تخلقه، فإنه قتل له، ويزيد في شناعة الجريمة أن يباشرها الأبوان أو أحدهما والمفروض أن يكونا أحرص الناس على حماية ابنهما من الآفات، ومن لطف الله أن الجنين المصاب بتشوهات خطيرة لا يعيش بعد الولادة، في العادة كما هو مشاهد، وكما قرر أهل الاختصاص أنفسهم على أن الأطباء كثيرا ما يخطئون التشخيص. وعلى الجاني دية الجنين يدفعها لوليه وورثته إلاّ أن يعفو عنه ويتنازل عنها فتسقط عنه والعفو أقرب للتقوى، ودية الجنين تساوي عشـر دية أمه وهي ما تعادل 50 دينارًا ذهبيا أي ما يقارب 233.5 غرام من الذهب. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.