أحمد - سويسرا
هيئة تحرير الفتاوى بالموقع
السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
منذ 4 سنوات و أنا أحظر رسالة دكتوراه بأحد أعرق مراكز البحث في أوروبا و لله الحمد، لكنني أبتليت في إيماني. فأنا أعمل مع أشخاص لا يؤمنون إلا بالمادة و فلسفتها، يعتبرون أن تطور البشر من القرود من المسلمات و أن وعينا مجرد صدفة. كل شيء يفسر بالسببية و لا مجال لخلاف ذلك مما يعتبرونه خرافات أو مجرد وسائل تحكم بالشعوب.
تأثرت كثيرا من هذا المنهاج في التفكير و مسني غباره حتى أثر على بصيرتي و يقيني. فقد كنت أعبد الله على طمأنينة و كأنني أراه، لكن الفلسفة المادية تسللت إلى عقلي و راودتني الشكوك، فأصبحت صلواتي بلا روح و لم تعد ذكرا للمولى عز و جل. و بعدها مرضت بالاكتئاب و أصبحت الدنيا لا معنى لها. شككت في ديني و في الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم حتى أنني كدت أن أكفر أو ربما كفرت لأنني أشركت بالله الأسباب، أصبحت السببية و العلم المادي ربا جديدا!
حاولت أن أستعيذ بالله من هذه الأفكار و محاربتها و تمكنت من التخلص من بعضها كنظرية التطور التي بدا لي بطلانها بعد دراستها لكونها مبنية على الظن فقط، و عرفت أن المسألة فيها جهل و مصلحة.
بقي سؤال يحيرني و يعيقني: كيف أننا مسئولون عن أفعالنا؟
الفلسفة المادية تقول أن أفعالنا تعتمد على عقولنا التي بدورها تعود إلى عوامل لا نختارها:
1. المورثات التي تخطط للأعصاب قبل الولادة
2. البيئة
3. التربية
فمن أين تأتي المسؤولية؟ أي أنه في وضع معين، ما الذي يجعلني أختار أمرا عوضا عن أمر آخر؟
فإذا كانت المورثات فأنا ورثتها، البيئة لم أخترها و التربية كذلك. حتى إن كانت الشخصية فهي تعود للأمور السابقة.
لا أظن أن الله سيحاسبنا على أمر يعتمد على السببية المادية البحتة و إلا لأصبح الأمر جبرا. الحل الوحيد الذي أتصوره هو أن تكون لنا قدرة على الاختيار لا تعود لأسباب مادية و إنما تعود لعالم الغيب. أتصور إختيارا لا يفسر بالمادة، إختيارا لا يعود إلى الأسباب السابقة (المورثات، البيئة و التربية) و إنما يقترن بها. عندها يحاسبنا الله حسب إختيارنا النابع من تلك الخاصية الغيبية و تبقى الأسباب الأخرى مجرد ظروف و معطيات.
فهل من إجابة مقنعة من العقيدة؟
و الله إني لأتألم و لا أجد من حولي عالما أثق به و يطمئن له قلبي، "و اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"
أرجوا من الله أن يجعل منكم أحد أسباب شفائي.
الجـواب:
نطمئنك أخانا الكريم أن الإسلام دين ينسجم مع العقل والعلم والفطرة البشرية السليمة، ولا يمكن أن يكون في الإسلام شئ يخالف الحقائق العلمية اليقينية، والإجابة عن أسئلتك أمر يطول شرحه وبيانه، ولكننا نوجهك إلى بعض الكتب التي اهتمت ببيان هذه الجوانـب التي تسأل عنها ومنها كتب الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، وخاصة: كتاب "نقض أوهام المادية الجدلية"، وكتاب "كبرى اليقينيات الكونية". فعليك بمطالعة هذين الكتابين فستجد فيهما جوابا على الأسئلة التي تحيرك، وننصحك أيضا بالحوار والمناقشة مع أحد العلماء المتخصصين في العقيدة الإسلامية المطلعين على الفلسفة المعاصرة، وهم كثيرا ما يحضرون إلى البلاد الأوروبية، فاستغل وجودهم وحضورهم لطرح أسئلتك وانشغالاتك. والله أعلم