12-07-2004
سائل - الجزائر
المفـتي:الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف
السؤال:
امرأة عاقر اطلعت ذات يوم على الدفتر العائلي فوجدت ولدا سجل فيه على أنه ابنها، فذهبت إلى الجهة المختصة بذلك وتبرأت من ذلك الابن، ووقعت على ذلك، وكان لهذه الأم ولدان حقيقيان لا يزالان على قيد الحياة، وعندما توفيت المدعى عليها بنوة الولد المذكور جاء هذا الابن المزيف يطلب إرثه من المرأة المدعى عليها بنوته لها..
فهل يحق لهذا الولد الإرث منها ؟
الجـواب:
بعد الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله. بما أن هذه المرأة ثبت عقدها وأنها عندما اطلعت على دفتر الزوجية وجدت الولد منسوبا إليها زورا وبهتانا، فأسرعت بنفسها إلى الجهة المختصة وتبرأت منه ووقعت على ذلك باسمها، وبما أن والد الطفل حي، ولم يعترض عليها حتى توفيت فإن القول قولها، وليس للولد المدعي عليها بنوة المرأة المنكرة ولادته حق في أخذ شيء من مالها بدعوى أمومتها له مع سبق الإنكار والتوقيع منها على ذلك. هذا وإن نصيب الأم من الشفقة والرحمة معروف لا يختلف فيه عاقلان، فلو كان ابنها حقيقة لما أنكرت ذلك، خصوصا وقد ثبت عقدها وأنه لم يسبق لها ولادة فيما مضى، ولنعتبر ذلك. بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الصحيح "أنه صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة من السبي تفحص عن ولد لها ضاع لها، فلما عثرت عليه ضمته إلى صدرها وألقمته ثديها والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينظرون، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فوا للهِ للهُ أرحم بعبده المؤمن من هذه بولدها" (1)، ولنعتبر أيضا بقصة المرأتين اللتين تنازعتا في ولد أمام سليمان بن داود عليهما السلام واشتد خصامهما، كلتاهما تريد أن يكون لها على أنها أمه، فلما رأى سليمان ذلك ولم يمكنه الفصل بينهما.. أخذ الولد ثم قال لأحد الحرس إيتني بالسكين حتى أقسمه نصفين فأعطِيَ نصفه لأحدهما ونصفه للأخرى، وأظهر الجد في ذلك، فأما إحداهما فسكتت، وأما أمه الحقيقية فبادرت بالقول لسليمان: لا يا نبي الله.. اتركه لا تقسمه هو لها. وهنا فهم سليمان أن التي أشفقت على قتله هي أمه الحقيقية، فأعطاه لها وطرد الأخرى. هذا، وإن الله سبحانه جعل ميراث الميت لمحقق النسب، ومنع منه المشكوك فيه فضلا عن صاحب هذه القضية، إذ الإرث يناله محقَّقٌ النسب الثابت بالبينة لا بالدعوى المجردة عن البيان، فقد ورد في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءَهم، ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" (2)، والله الملهم للصواب. ------------------ (1) أخرجه البخاري (10/440) [كتاب الأدب/باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته]، رقم 5999. ومسلم (4/2109) [كتاب التوبة/باب في سعة رحمة الله تعالى]، رقم 2754/22 (2) سبق تخريجه في الجواب عن السؤال "حكم النيابة في اليمين".