السيد وزير الشؤون الدينية والأوقاف الدكتور يوسف بلمهدي في حوار بجريدة الخبر

"لم يفصل بعد في تعليق الحج"

اسلاميات

9 ابريل 2020 () - حاوره: عبد الحكيم ڤماز

أكد وزير الشؤون الدينية والأوقاف، الدكتور يوسف بلمهدي، أن الحديث عن تعليق الحج هذا الموسم بسبب تفشي فيروس كورونا "سابق لأوانه"، مشيرًا إلى أن المملكة العربية السعودية طلبت التريث إلى حين النظر في مستجدات هذا الوباء. وصرح في حوار خص به "الخبر" أن الوزارة على استعداد للدخول في شراكة مع المؤسسات الناشئة من خلال الوعاء العقاري التابع للأوقاف، مشيرًا إلى أنها تعمل على تطوير المشاريع الوقفية لتنمية البلد وفتح مجالات للعمل واليد العاملة. كما تطرق إلى مشروع وقف القدس الذي أطلقته الوزارة، الأربعاء الماضي، وإلى لجنة الإفتاء الوزارية ومساعيها لتنظيم الإفتاء في الجزائر وغيرها.

 

نصبتم مؤخرًا لجنة الإفتاء الوزارية، كيف تم ذلك، وما هي معايير اختياركم لأعضائها؟

 

لجنة الفتوى أسست منذ زمن على مستوى الوزارة، ومشكلة بقرار وزاري، لكننا أضفنا أعضاء جددا بحسب التخصصات التي يتبعونها، وقد اجتمعوا في اللقاءات الأخيرة للبت في الكثير من المسائل المهمة، وأنا أرى بأن بريق اللجنة قد عاد. ولجنة الإفتاء الوطنية منبثقة من المجتمع الجزائري وتشكل رصيدًا علميًا نبت من المجالس العلمية الولائية التي يظن بعض الناس أن فيها أئمة مستواهم بسيط، وهم مخطئون، لأن في المجالس الولائية أساتذة جامعيون وشيوخ وعلماء أقحاح من الذين درسوا الدراسة الأهلية عندنا في مساجدنا، وأن الكثير من العلماء في عالمنا الإسلامي لم تكن لهم شهادات، ولكنهم علماء وهم مراجع في بلدانهم، ولأن المسجد كان ولا يزال مؤسسة دينية وتعليمية، وقد تخرج من الأزهر قبل أن يكون مؤسسة علماء كُثر من محاضر إسلامية كبيرة، سواء أكان في المسجد النبوي الشريف أو الحرم المكي الشريف أو المسجد الأموي بدمشق. وقد تخرج في مساجدنا كمساجد تلمسان أو بجاية الناصرية أو توات، علماء كبار. ونحن نتحدث عن علماء كُثر لم يدرسوا في الجامعات، ولكنهم علماء، فهؤلاء يُشكلون المجالس العلمية، تستشيرهم المجالس العلمية، وهم بدورهم يُمِدون اللجنة الوطنية للإفتاء بتجاربهم وأفكارهم وفتاواهم.

واللجنة الوطنية للفتوى تعاملت، وخاصة في هذا الظرف، مع كل هؤلاء العلماء وأخذت منهم الرأي وسمعت إلى فتاواهم وإلى مقترحاتهم، وأيدوا ما صدر في الفترة الأخيرة الكثير من الفتاوى، وحتى إخواننا في المذهب الإباضي في منطقة ميزاب من خلال مجالسهم العلمية الثلاثة، شاركوا كذلك برأيهم وتطابقت الآراء، مذهبان بحمد الله في هذه المنطقة، المذهب المالكي بعمومه والإباضي كذلك في هذه المنطقة العزيزة على الجزائريين، كلهم صدرت منهم هذه الفتاوى التي يعرفها الخاص والعام.

 

هل يمكن دسترة هيئة إفتاء وطنية لها السلطة القانونية والأخلاقية والاستقلالية، وليس بالضرورة منصب المفتي؟

 

أنتَ تحدثت عن شيء تنظيمي، والتنظيمي موجود الآن، والصبغة القانونية لهذه اللجنة موجودة، لأنها تحت قبة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وأعضاؤها محددون، إضافة إلى إمكانية توسيعها، مع أنه في كل مجلس علمي موجود في العالم هناك ما يسمى الاستعانة بالخبراء، يمكن أن يُستعان بأي شخص أو هيئة في التعاون، كما استعنا بهيئة المجلس الإسلامي الأعلى، وهو هيئة دستورية، لأن فيه أعضاء وأنا واحد منهم، نعرف كفاءتهم والجزائريون يعرفون صدقهم في الفقه وتضلعهم في الكثير من المواد الشرعية، مددنا جسر التعاون بيننا وبينهم وكانت الفتوى متطابقة في هذا الشأن.

وأما أن يكون مؤسسة مستقلة لها خصوصياتها، فيظهر لي سابق لأوانه، فلو كانت هذه الهيئة غير عملية وغير مجدية، سنبحث لها عن آليات لكي تطورها. لكني أظن أن اللجنة تحتاج إلى فعالية، من خلال متابعة الشأن العام، ومتابعة المشاكل المستجدة لدى الناس في مجال الطب والفلك والصحة، خاصة في هذه الفترة، وبالتالي لا أظن أن هذا الأمر يتوقف عند هذا الحد، لأننا نسعى إلى تطويرها وإلى خلق ديناميكية لهذه المؤسسة التي تعتبر مؤسسة موجودة ضمن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.

بعض الناس يتحدث عن الاستقلالية، الاستقلالية عمن؟ هل تمارس السلطة أو المسؤول ضغوطًا على هؤلاء العلماء؟ قطعًا لا يمارس ضغوطًا على أي مفت، وهي تقول رأيها في المجلس الواحد بهذه القاعة التي نجلس فيها، ربما كانت آراء، لكننا خرجنا برأي موحد. ليس هناك مَن يفرض على اللجنة أن تقول أو أن تصير إلى أي مصير، فهذا شأن المفتين وحدهم وهم الذين يقدرون الأمر.

 

ما هي الإجراءات المتخذة مستقبلًا ضد الذين يفتون في النوازل، مخالفين لفتاوى اللجنة؟

 

أولًا، ندعوهم إلى ضابط العلم وإلى أدب وفقه الخلاف، هم يعلمون أن الفتوى إذا صدرت من جهة رسمية وأصبحت حكمًا من الأحكام التي تنظم حياة الناس، لا يصح مخالفتها وضربها عرض الحائط، لكن ينبغي أن تُحترم هذه الجهة المتخصصة، وكما أنه لا يُسمح الآن للطبيب أن يُصرح خارج اللجنة الصحية والطبية المكلفة بمتابعة انتشار فيروس كورونا التي هي رسمية وأُعلن عنها والناس تعرفها، وفيها كبار المتخصصين، فلا يأتي أحد ويتحدث عن أشياء تختلف تمامًا عن قراراتها أو يصف أدوية وغير ذلك، فتصبح فوضى.

نريد من الناس أن ينتظموا ضمن هذا، هناك أطر للبحث في الفقه نستطيع أن نصل إليها، وأن نتبع ما كان يفعله سادتنا من السلف الصالح، وانظر إلى سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه حين كان حاكمًا وفعل فعلًا يخالف ما عليه الصحابة، لكنهم اتبعوه ولم يلتفتوا إلى آرائهم. وهذه المسألة موجودة عند الفقهاء، نترك للناس تخصصهم، ولا نتدخل في تخصصات غيرنا، نريدهم أن يحتكموا إلى ضميرهم العلمي، لأنهم فقهاء أو أساتذة أو لديهم شهادات ودرسوا عند علماء. أظن أنهم لو رجعوا إلى واقعهم لِمَا كانت عليه الفتوى، لرجعوا إلى الذي أذكره الآن.

 

أثارت قائمة المتدخلين في القنوات والإعلام حفيظة البعض، هل ترون هذه الطريقة ناجعة؟

 

هذا البعض لا يتعدى أصابع اليد، لأن الذين رضوا بذلك عشرات الآلاف، بل هم الملايين من المواطنين الجزائريين، وهو ما تحدثت عنه كل وسائل الإعلام بأنه لا يوجد أحيانًا ضابط لمَن يكون في البلاطوهات أو بالصحف، ومن يقول إننا ضيقنا فهذا كذب، وفي الحقيقة أننا وسعنا.

كان من قبل حوالي خمسة أو ستة أو عشرة أو عشرين شخصية في وسائل الإعلام، واليوم قائمتنا بها خمسة وثمانين شخصًا، فهل هذا تضييق أو وسع؟ كما أرسلنا للمجالس العلمية في الولايات بضرورة التعاون مع كل مراسلي الصحف وهم بالعشرات في ثمانية وأربعين ولاية، ولدينا في كل ولاية مجلس علمي فيه أساتذة وكفاءات وعلماء، دعوناهم للمشاركة بالدروس في الإذاعات المحلية، وكذلك في الجرائد عبر مراسليها، وقد سميناها بالقائمة الأولية، وهناك قائمة أخرى ستتبع لاحقًا إن شاء الله.

لماذا؟ لأننا أولًا وجدنا بعض الناس يتدخلون وكأنهم أوصياء على الجزائريين، فمَن كلفك بذلك. ثانيًا، أن يتحدث شخص ما عن أمر لا يعرفه، ويتحدث في الشأن الطبي باسم الدين، ما دخلك في هذا الأمر، حيث تجد في بعض البلاطوهات طبيب مختص يتحدث مشرقًا ومعه إمام لديه تكوين شرعي عادي (ليس بعالم) يتحدث مغربًا، فشتان بين مشرق ومغرب. أقول له من منبر "الخبر": احترم تخصصك، وما دخلك في شأن لا تعرفه. واليوم، والأغرب من ذلك، تجد على فيسبوك إمامًا متطوعًا يسمي نفسه إماما أو داعية، ويظن أن العالم كله تحت قدميه ويتحدث للناس.

انظر، ما أجمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس سِنون خداعات، يُصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، يُؤتمن فيها الخائن، ويُخون فيها الأمين، والأمر يومئذ للرُوَيْبِضَة، قالوا ما الروبيضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتحدث في شأن العامة"، لذا قلنا لهم كُفوا أيديكم. ويجب على الإعلامي أن يختار الكفاءة. وعند ذِكرِنا هؤلاء في هذه القائمة، ليس معناه لا يوجد غيرهم، ففيه شيوخ في المجلس الإسلامي الأعلى لم نتحدث عنهم، وهم شيوخ كبار ولستُ مَن يقترح شيوخا مثل هؤلاء، وفيه شيوخ في جمعية العلماء المسلمين غير مذكورين، ولكنهم شيوخ كبار. لكن على الإنسان الالتزام بالإطار العام، خاصة عندما تتعلق المسألة بالشأن العام. وينبغي أن نحترم فيه أهل التخصص كما تحترم كافة التخصصات. ولذلك أشكر كل الأئمة والمفتشين وكل القطاع، خاصة الذين انسجموا مع هذا الأمر.

 

ألا يضر هذا الحصر في حرية الرأي والتفكير المحمية دستوريًا؟

 

أبدًا، لقد وَسعنا القائمة، كانوا من قبل حوالي عشرة أشخاص يغطون كل الفضائيات وكل الجرائد، واليوم لدينا خمسة وثمانين شخصية علمية، وهي قائمة أولية، إلى جانب المئات في المجالس العلمية بالولايات.

 أما إذا أتى شخص وقال لماذا لم تضعني في القائمة؟ فلأنك لا تُحسِن الحديث، ولأن كلامك يثير الفتنة، وكلامك خارج السرب، ولا ينسجم مع النظرة الوطنية لمعالجة مثل هذه المسائل.

 

وهل الحديث في الدين فتوى؟

 

طبعًا، عندما يأتي إنسان ويقدم أمورًا دينية شبيهة بالدجل. فهل يمكن أن نأتي بشخص بين قوسين راقي ليتحدث في شؤون الأطباء الكبار ونتركه يُفسِد عقول الناس، وآخر يتحدث في أمر خاص بالأطباء ويقول أنا أعطيكم دواء مخالف تمامًا لوصفة الأطباء، ينبغي أن يُمنَع.

وإن الرأي في الدين هو عندما نتحدث عن بعض المسائل الشرعية بغير استيعاب، وهذا أمر غير مقبول، كمَن يقول إن غلق المساجد معناه أن الله طردنا منها؛ لأننا لا نخاف الله بغلقها. هذا كلام مدمر، لا يستطيع أي شخص أن يقول إن الله طردنا، مَن أنت حتى تعرِف أن الله طرد الناس، وهل عندما كانت المساجد مفتوحة معناه أن الله راض عنا. نعم، فيه من كان يصلي، غشاش وقاطع طريق وسارق وخائن للبلد. هذا الخطاب لا نقبله، وإنما نحتاج إلى خطاب علمي قوي وفعال، حتى تكون اللجنة مضبوطة بمتدخلين لديهم خطاب واحد، وهذا ليس معناه أننا نقول للناس عليكم السير في الخط نفسه.

والقضية أننا قلنا لأهل الاختصاص من الصحافيين أن يتحدثوا لأهل الاختصاص، فمثلاً بعض الأسماء التي نشرتم لهم في جريدة "الخبر" محترمون، والأمر كذلك في جرائد أخرى، رغم عدم ورود أسمائهم في القائمة، ولم نقل لهم لماذا لم تلتزموا بالقائمة؟.

 

هل نسقتم هذا الأمر مع المجلس الإسلامي الأعلى؟

 

طبعًا، نحن ننسق معه، هناك فتاوى صدرت بالتشاور، لأن بعض أعضاء الفتوى موجودون في المجلس الإسلامي الأعلى، ونحن شركاء معه.

 

كيف تُفعل مشروعي الأوقاف والزكاة؟

 

منذ مجيئنا إلى الوزارة أدركنا أهمية الأوقاف، والأوقاف نصف مسمى الوزارة، وأوقاف الجزائريين كثيرة والحمد لله. والوزارة خطت خطوات كبيرة في إنشاء مديرية الأوقاف، وهياكلها في كافة التخصصات، سواء أكانت لإحصاء الأوقاف، المنازعات والدفاع عنها، والاتصال ببعض المؤسسات التي تعمل على مسح الأراضي وتقييمها وحصرها، وهذا تطور لا بأس به. كما عملنا في الفترة السابقة على ما يسمى باستثمار الأوقاف، وأصبحت هناك مديرية لاستثمار الأوقاف.

وقدمنا اليوم رؤيتنا في مخطط برنامج الحكومة الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه، وهي أن الأوقاف والزكاة من المجدي اليوم أن يُطور أداؤها وتفعليها، ولذلك صادقوا عليها، ونعتبر هذه الخطوة جبارة لأنها تساهم في الشأن الاجتماعي وفي خلق مؤسسات صغيرة.

عندنا اليوم وزارتا المؤسسات الصغيرة والحاضنات، وقلنا يمكن أن نستغل الأوقاف في هذه المجالات، ونبعث الكثير من المشاريع الوقفية التي تذر على أمتنا الخير وتشغل الشباب ويكون هناك ازدهار، مثلما كان في العهد الإسلامي في حضارتنا التاريخية الإسلامية التي كانت جُل نشاطاتها على الأوقاف، واليوم جامعات كبرى في العالم تعتمد روافدها ومداخلها على الأوقاف.

ولدينا اليوم خبراء دوليون في مجال الوقف بغية تطويره، وفيه مشروع نقترح أن يُطور هذا الأداء لكي يُؤَسس ديوان خاص بالأوقاف والزكاة، سنقدمه في وقته إن شاء الله، وهو الآن كمشروع موجود وكامل الرؤية، يبقى أن يُطرح في الحكومة للدراسة والمصادقة عليه. وإذا تشرفنا بأن نال الرضا، سيكون هناك واقع جديد في موضوع الأوقاف، والسيد رئيس الجمهورية يؤكد مشكورًا على موضوع الوقف، لأن لديه رؤية واطلاعا حول هذا الموضوع. لاشك أنه شيء مشرف للجزائر بأن تحيي هذا القطاع الذي نسميه اليوم القطاع الثالث بعد قطاعي العام والخاص، ولدينا آفاق كثيرة، نأمل إن شاء الله أن يكون هناك بصمة في هذا الجانب في البلد.

 

هل ستدعمون المؤسسات الناشئة بالوقف كدعم (تبرع) أم قروض؟

 

لا ليست قروضا، هناك وزارة تُعنى بإنشاء المؤسسات وتحتاج الوعاء العقاري، ونحن لدينا الوعاء العقاري الذي هو الوقف، والوقف الآن يدخل معهم كشريك، سواء أكان في هذا المجال أو في مجالات أخرى. ففي مجال السياحة، للمؤسسات التي تريد أن تُنشئ فضاءات للترفيه أو فضاءات الفندقة على شكل شاليهات للعوائل.

هناك وزارات تحتاج العقار، ونحن لدينا العقار، هناك أراض بيضاء وأراض يمكن أن تستصلح يمكن أن نطورها، سواء أكان مع الفلاحة أو وزارات أخرى. لذلك الموضوع الآن كفكرة مقبولة تحتاج إلى تجسيد، وإننا سنمر إلى تفعيلها في الأيام القادمة إن شاء الله.

 

مسألة منح الشباب قروضا عوض التبرعات من زكاة الحول لإنشاء مؤسسات مصغرة قسمت علماء الجزائر بين مجيز ومانع، كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟

 

كنتُ سابقا في لجنة الزكاة، وأول ما أنشئ الصندوق الوطني للزكاة قبل أن آتي إلى الوزارة كنتُ في جامعة المسيلة، وكنا فيما يسمى خلية التفكير الأولى في مشروع صندوق الزكاة، وبُعث هذا الصندوق، وعندما وصلنا إلى موضوع الاستثمار، قمنا بتجربته في ولايتين كتجربة أولى، ثم في كل الولايات. واليوم أصبح مؤسسة بحمد الله، يساهم في الحد من هذا الوباء. وطُرِح أمامنا آنذاك في موضوع الاستثمار ثلاثة أقوال من العلماء في المجامع الفقهية، قول يمنع منعًا تامًا الاستثمار في الزكاة، وقول يجيز إجازة تامة دون شروط، وقول يجيز بشروط، واخترنا نحن القول الذي يُجيزها بشروط. فهل في هذا عيب؟ لقد سبقنا إليه دول. وسرنا وفق هذا القول، واستطعنا أن ننشئ حوالي ثمانين ألف مؤسسة مصغرة، في كل مؤسسة ثلاثة إلى خمسة مواطنين، وبدأت تشتغل، والكثير من هذه المؤسسات سددت ديْنها، إلا أن المشروع جُمد.

 

متى سيُرفَع عنه التجميد؟

 

ولأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، ربما في فترة رأى بعض أعضاء لجنة الفتوى أن جواز عمله مشروع وأتى بثمرته، ورأى البعض أنه ينبغي أن يُجمد ونبعث استثمارات الأوقاف وهو رأي جيد كذلك، وباب الاجتهاد مفتوح وموسع في هذه المسألة.

نفكر اليوم في رفع التجميد عنه وتفعيله، ولا يبقى الحال على حاله، لكننا نفكر في الآليات التي يمكن أن تُطور بها عمليتا الزكاة والأوقاف. وإذا كنا وجدنا مندوحة في موضوع الأوقاف وذهبنا إلى استثمارها، فهذا سيغطي الكثير من الحاجات للمجتمع.

 

ألا ترون أنه من الضروري بناء مستشفى كبير بأموال الزكاة والأوقاف؟

 

تحدث بعض الأعضاء في آخر جلسة باللجنة الوطنية للزكاة عن بعث مشاريع الوقف الإسلامي، وأنا عندي رؤية أن الوقف الإسلامي ما وُضِع إلا لخدمة الصالح العام، مع مراعاة نية الواقف. لدينا أوقاف، وسنعمل على تطويرها إن شاء الله، وإلى الوصول بهذا القطاع الثالث إلى تقديم خدمات نفعية، وإلى تطوير وتنمية البلد، وفتح مجالات للعمل واليد العاملة، وستكون الآفاق واسعة وواعدة إن شاء الله تعالى.

 

هل سيُعلق الحج هذه السنة أم لا؟

 

هذا الموضوع سابق لأوانه، وأقول كما سائر الدول إنه وصلتنا إشارة من إخواننا في المملكة العربية السعودية وتحديدًا من زميلي وزير الحج في المملكة العربية السعودية، أنه ينبغي أن نتريث في الإجراءات المتممة لعملية الحج لهذا الموسم، وقال تريثوا قليلًا لنرى إلى أين سيصل وباء كورونا. وهذا أمر منطقي.

 

وإذا عُلق، كيف ستتعامل الوزارة مستقبلا في حج 2021 من الناحية التحضيرية والتنظيمية؟

 

إذا تأخر حج هذا الموسم، فكل العملية ستؤخر إلى سنة 2021م، ولن نقوم بقرعة جديدة، لأن هؤلاء الناس ظهرت في القرعة والناس باركت لهم وفرحت بهم.

ومع ذلك أقول إن الأمر سابق لأوانه، وإن شاء الله يرفع هذا الوباء عن الأمة كلها وعن العالم. فبعض الناس تستنكر الدعاء إلى العالم. نعم، ندعو للعالم، لأن المشركين جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله استسقي لنا، لقد مسنا القحط، فسقى لهم ودعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل عليهم المطر. ونحن ندعو للناس ونقول إن شاء الله يرفع البلاء عن البشرية، نحن أمة رحمة، ولا نُحب الموت للناس، وفي قلوبنا الرحمة والعطف، لذلك ندعو الله أن يشفي الناس ويرفع عنهم هذا البلاء.

 

تم قبل أيام تنصيب الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصيرفة الإسلامية على مستوى المجلس الإسلامي الأعلى، هل تم التنسيق معكم؟

 

التنسيق بين وزارة الشؤون الدينية والأوقاف والمجلس الإسلامي الأعلى قائم في كثير من المسائل والقضايا التي تهُم المجتمع. وقد كنتُ مع إخواني في المجلس حين قدمنا مشروعًا للصيرفة الإسلامية وكيفية تجسيدها، من خلال إنشاء هيئة شرعية لدى بنك الجزائر، ثم ساهمتُ في تقديم هذا المقترح وأنا على رأس القطاع، وإن مشروع الصيرفة الإسلامية إنجاز كبير ومهم، حيث اعتمدته الحكومة لأول مرة في تاريخ الجزائر الجديدة استلهامًا من التزامات السيد رئيس الجمهورية الـ54، وهو البرنامج الذي حظي بتزكية نواب الشعب بالغرفتين.

 

وما هي رؤيتكم لنجاح الشبابيك الإسلامية في الجزائر؟

 

نظن أنه سيكون إضافة قوية لاقتصاد البلد، لأنه سيسمح لرؤوس أموال كثيرة جدا بالمساهمة في عجلة التنمية الوطنية، بعد أن كانت مكتنزة في البيوت، وقد أثبتت التجربة في عدد من البلدان التي تبنت هذا اللون من الصيرفة، بما فيها الغربية، حدوث حركية تنموية فاعلة، وهو الذي نستبشر بحدوثه في بلدنا.

 

ما سبب محدودية نشاط رابطة علماء ودعاة الساحل خلال الفترة الأخيرة؟

 

قبل كورونا كان نشاطها ثريا، وإخواني سواء أكان الأمين العام بالنيابة الأستاذ محمد ضيف، وممثل الجزائر، الأستاذ كمال شكاط، أحييهم وكل أعضاء رابطة دعاة الساحل، وكلهم مشكورون على نشاطاتهم وكانوا في عمل قريب جدا في موريتانيا، والآن انتهوا إلى ما يسمى بـ "دليل الأئمة" يحتوي على مصطلحات وبعض الأشياء التي تعالج بها التطرف، وهو عبارة عن دليل للخطباء والأئمة، وكتبتُ مقدمته، وسينشر ويطبع قريبًا، وستكون هناك دورة وندوة خاصة بهؤلاء المشايخ والعلماء للبلد الذي سيُختار لتنظيم هذه الندوة، وسيناقش وسيعتمد، ويمكن أن تستفيد منه حتى الدوائر الغربية في مراكزها لمكافحة التطرف، ويمكن أن تستفيد منه أيضًا منظمة الاتحاد الإفريقي، لأننا عملنا معهم هنا في الجزائر حول هذا الموضوع، ويمكن أن يكون الكتيب مرجعا من المراجع التي يستفيد منها مصالح كثيرة في التعاون مع هذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعاتنا.

واليوم في وقت كورونا، لا تستطيع الناس أن تتحرك، لأن المجال الجوي والبري مغلق، وهذه احتياطات واحترازات يتعامل كل الناس وفقها. لكن الرابطة تشتغل عبر شبكات التواصل، وأنها تشتغل في إعداد بعض المداخلات العلمية لدعوة الناس إلى الالتزام بالتدابير الصحية، وبالحجر الصحي وبعدم التساهل مع هذا الوباء، وهم مشكورون، وستبث في موقع الرابطة، كما أنهم سجلوا مادة إعلامية في نصف دقيقة أو تزيد، تحُظ الناس على التعاون والبر وتقديم يد العون وعلى الالتزام بالحجر الصحي والتعاون مع الأطباء.

 

نظمت الحكومة الموريتانية مؤخرًا ملتقى تشاوريا بين علماء دول الساحل، هل كان لديكم تنسيق معها؟

 

دعي أحد إخواننا في الوزارة وربما أساتذة آخرون من جامعات الجزائر، وحضر أحد إطاراتنا في هذا الملتقى وشارك بمحاضرة، وكان فيها تبادل آراء. وللجزائر ثقل كبير في دول الساحل، والجزائر من خلال رابطة علماء دول الساحل لها امتداد بحمد الله تعالى حتى من الناحية التاريخية، امتداد الجزائر من خلال التيجانية في كل إفريقيا، وسيدنا الشيخ الخليفة العام سيدي علي بالعربي في زيارته لدولة تشاد والعديد من الدول في هذا الإقليم، أسلم على يديه العشرات غير المسلمين في هذه المناطق، واحتفي به. هذا البُعد والوجود التاريخي لا يمكن أن يُنسى، وأيضًا للطريقة القادرية في الجزائر وفي عموم إفريقيا بُعد كبير، وقد ذهبتُ إلى تنزانيا ووجدتُ أتباعًا كثر للقادرية ويودون زيارة الخلافة العامة هنا في الجزائر.

وهذا البُعد الاستراتيجي والديني هو الذي يمكن أن يكون لبنة في حل الصراعات وفي حل النزاعات وفي جلسات الصلح الدينية، وقد بحثت هذا الأمر مع الكثير من إخواني الذين زرناهم في هذه المناطق، عندما كنتُ أمارس الأمانة العامة لرابطة علماء ودعاة الساحل. وما زالت هذه الأفكار موجودة، وسيكون هناك خيرٌ، وبالتالي أظن أن الجزائر رقم فاعل في الساحل الإفريقي وفي إفريقيا كلها، ولا يمكن أن تكون الجزائر بعيدة عن حل النزاعات والصراعات الموجودة في المنطقة.

 

أطلقتم الأربعاء الماضي مشروع "وقف القدس"، هل من تفاصيل حوله؟

 

* هو مشروع واعد، أُطلِق منذ عدة سنوات ثم جُمد، وكان من الأوقاف التي حرصت الجزائر على تقديمها دعمًا لإخواننا في فلسطين التي لن ننساها رغم الظروف الحالية التي نعيشها اليوم، وعندما نشاهد إصابة جديدة في فلسطين وكأنها أصيبت في بلدنا بكل صراحة، ولأن فلسطين تحتاج إلى دعم دائم، فلن ننساها.

وبمناسبة يوم الأرض، تذكرنا إخواننا في فلسطين وقلنا من الواجب علينا الدعاء لهم ومساعدتهم من خلال بعث المشروع من جديد، وكان للمشروع عثرات إدارية تتعلق بمصالح أملاك الدولة، من حيث تحديد المنطقة بالضبط ومساحتها، وستحل إن شاء الله، وقد راسلنا إدارة أملاك الدولة وستكون الإجابة قريبة إن شاء الله تعالى، وسنباشر في عملية إتمامه، وسيكون عمليًا حتى نوصل مداخيله لإخواننا في فلسطين.

 

ما هي هذه المشاريع تحديدًا؟

 

الاستثمار مفتوح على كل شيء، على التجارة والبيع وأشياء كثيرة، واليوم أضحت الخدمات من أكبر الموارد في العالم، وتُدخِل العملة الصعبة أكثر من الأشياء النفعية الأخرى. ولذلك مشاريع الخدمات ومشاريع الإيجار، كلها ستدخل في هذا المجال.

 

وهل الثلاثين مليارا التي تبرع بها الرئيس السابق مازالت في رصيد المشروع؟

 

الشيء الثابت يبقى في الرصيد، لكننا نطمح إن شاء الله لأن تزداد، لأن تقييم المبلغ السابق يختلف تمامًا عن تقييمه اليوم، خاصة في هذه الظروف الصعبة، مع الحصار الاقتصادي العالمي وهبوط العملات في الكثير من الدول، لا شك أن التقييم يختلف من سنة إلى أخرى.