قيمة المسؤولية و خطورتها

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أمرنا بتعهد الأمانة و حفظها فقال في كتابه المبين (( والذين هم لأمانتهم و عهدهم راعون)) [المعارج: 32]  و قال أيضا : (( ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون)) [الأنفال:27] .

و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمرنا برعاية الأمانة و حذرنا من الخيانة،

و أشهد أن سيدنا ونبينا و عظيمنا محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، جاءنا برسالة الهدى والدين، صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه و التابعين منهاجه إلى يوم الدين،

أما بعد أيها المؤمنون: يقول تعالى: ((إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال  فأبين أن يحملنها و أشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)) [الأحزاب: 72].

أيها الإخوة: إن كلمة الأمانة عظيمة جدًا، فهي واسعة المدلول، تتسع لجميع العبادات و الأعمال

والعلاقات المرتبطة بين الناس، و كل تفريط  في الأمانة أو المسؤولية التي هي على عاتق الإنسان فهي خيانة الأمانة  يقو ل تعالى في شأنها  ((و الذين هم لأمانتهم و عهدهم راعون)) و في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، و الخادم راع في مال سيده و مسؤول عن رعيته، و المرأة راعية في بيت زوجها و مسؤولة عن رعيتها"  رواه البخاري و غيره.

أيها الإخوة: ما إن يصل الإنسان سنّ التكليف ويبلغ مبلغ الرجال إلا وكان مسؤولا على نفسه و رعايتها فقط – و أن يحافظ على عقيدته و دينه- . وعندما يتزوج يصبح حينئذ مسؤولا على نفسه و زوجته وحقوقها وتعليمها وتوجيهها الوجهة الصحيحة باتباع الطريق المستقيم الذي رسمه الله لعباده. وإذا رزق الأولاد، في هذا الحال تتوسع المسؤولية وتكبر ، لأنه أضحى ربّ أسرة ،

وهنا يكون مسؤولا على نفسه  وعلى زوجته و على أولاده و على تعليمهم و تربيتهم.

وإذا قُلد منصبا حكوميا – بأن أصبح مسؤولا على شؤون المسلمين- في هذا الحال

تعظم خطورة المسؤولية وقيمتها عند الله – لأنها عبئا ثقيلا – فمن أداها على أكمل وجه، و أعطى الحقوق لأهلها فإنه يثاب بالأجر العظيم و الثواب الجزيل، أمَا من فرّط في حقها، وضيّع حقوق الناس، كان عليه الوزر و العقاب الشديد يوم القيامة.

ولقد طلب أبو ذرّ الغفاري رضي الله عنه الإمارة من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يجعله وليّا على إمارة المسلمين فضربه صلى الله عليه وسلم على منكبيه و قال له: "يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها" رواه مسلم.

وعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" أخرجه الشيخان.

و عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ستحرصون على الإمارة، و ستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئسـت الفاطمة" أخرجه النسائي

والبخاري في صحيحه.

وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن أمته ستحرص و تتنافس على المسؤولية مهما كلفها الأمر في ذلك لما فيها من عروض الدنيا و الجاه و الترفيه، وجل الناس يفكرون في نتائجها و منافعها المادية دون التفكير في عواقبها  لذلك شبه صلى الله عليه وسلم التلذذ والانتفاع بها، بالطفل الذي يرضع أمه حين قال: " فنعم المرضعة و بئست الفاطمة" فالإمارة نافعة و قاطعة للنفع وتسمى عند علماء البلاغة بالاستعارة التبعية ، فالمسؤولية تجلب المنافع و المصالح الدنيوية لصاحبها، و من جانب آخر : تجلب أمور سلبية  وهي المشاق و اللوم و العقاب.

وعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن البزار و الطبراني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أولها ملامة، و ثانيها  ندامة، و ثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل".

و عليه فإن المسؤولية فيها ما يمدح و ما يذمّ ، و لا تدل على عدم التحمل بها بتاتا، وإنما يجب النهوض بها، و الانضباط  معها  كما ينص الشرع و القانون .

و قد جاء في حديث أخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تسند المسؤولية لمن طلبها و حرص عليها".

و إذا ابتلي الإنسان بها يجب أن يحرص على تأدية ما فيها من الواجب و يجتهد في قمع الفساد والظلم الواقع الناس، والمسؤولية  في الحقيقة تحتاج إلى رجال أكفاء مخلصين أمناء ذو علم وتجربة ليحققوا و يوفوا مطالب الناس في هذه الحياة . وختاما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدّ الأمانة لمن أئتمنك و لا تخن من خانك" أخرجه أبو داوود.

اللهمأعننا على النهوض برسالتك و بأمانتك و حبك ، اللهمأعننا على ذكرك و شكرك وحسن عبادتك آمين.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله نحمده و هو المستحق للحمد و الثناء و العبادة دون سواه . و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنجي قائلها من عذابه وتدخله جنته.

و أشهد أن سيدنا محمد عبده و رسوله، الصادق الوعد الأمين صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه أجمعين.

أما بعد : أيها المؤمنون:

نعود إلى موضوعنا و العود أحمد، و أقول : إن منـزلة الأمانة عظيمة عند الله فهي تنشأ عن طهارة النفس ممن لديه إيمان قوي، وقد اتّصف بها الأنبياء و المرسلين، و العلماء المصلحون، وكما أسلفنا من قبل أن الأمانة ثقيلة عبئها، و الأمانة كلمة عامة تشمل كل ما أوكل إلى الإنسان. وأعظمها أمانة الوحي و أركان الدين ومنها : ما أوكل إلى الإنسان و أمر بحفظه وصيانته، و منه السّر المودع لدى الإنسان يجب أن يكتم و يحفظ، إذ ليس من الدّين ولا من شّيم المروءة أن يجلس الإنسان في مجلس محاط بالسرّ التامّ ثم يفشي أسرار ذلك المجلس في الشارع، و في هذا الصدد قال صلى الله عليه وسلم:"المجلس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس : مجلس سفك دم حرام ، أو فرج حرام، ..." أخرجه أبو داود عن جابر.

و في رواية: اقتطاع مال بغير حق فالناس سعداء إذا أدوّا الأمانة على أكمل وجه، وهم أشقياء إذا استخفوا بها و ضيعوها، جاء في كتب السيرة أنه لما قدم وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  قالوا: يامحمد ابعث إلينا من يأخذ لك الحق و يعطيناه، فقال صلى الله عليه وسلم: "و الذي بعثني بالحق لأرسلنّ معكم القويّ الأمين" رددها ثلاث . ثم قال: "قمّ يا أبا عبيدة" .

إنه وسام عظيم وضعه الرسول الكريم لبطل عظيم ألا وهو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، ولما أشرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الوفاة قال : "لوكان أبو عبيدة حيّا لا استخلفته لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبو عبيدة أمين هذه الأمة،

وهذا نبي الله يوسف عليه السلام قال لعزيز مصر: ((اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)) [يوسف: 55] .

أيها الإخــــوة : إذا ضيعت الأمانة اختل نظام الحياة وضاعت الحقوق وضاع كل شيء وحلّ محلها الفساد و الخيانة، و في هذا الجانب كان صلى الله عليه وسلم  يعلّم أصحابه الدعاء الصالح عند السفر وهو قوله: "استودع دينك و أمانتك و خواتيم عملك".

دعــــاء:

- اللهم اجعلنا من عبادك المؤمنين المتقين الأمناء الأوفياء في كل شيء

- اللهم اجعلنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، ونهجك وسنة نبيك

عباد الله / إنّ الله يأمر بالعدل و الإحسان....

 

(و الحمد لله رب العالمين)

من إعداد : الطاهر بن سالم إمام مدرس

مسجد سيدي سعادة بلدية ليشانة – بسكرة

الصنف