شكر نعمة الأمن وسبيل المحافظة عليها

   

لخطبة الأولى:

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، رب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،خلق ورزق وعلّم وألهم وهدى للتي هي أقوم،  وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه خير نبي أرسل، أرسله ربه للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الهداة المهتدين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

ثم أما بعد : فيا أيها الإخوة المؤمنون، أيها الأولياء أيها الآباء والأمهات، لقد أقبل علينا فصل الصيف، وكما هو المألوف والمعروف تتعطل الدراسة في أشهر الصيف، تنتهي الاختبارات والامتحانات، ويبدأ موسم العطل والإجازات ويمسي الشباب الفتية منهم والفتيات يمسون في فراغ طويل عريض بعد طول الدروس والمراجعة والاستذكار الذي دام سنة من الزمن أو قريبا منها يغدو الشباب في فراغ لم يكونوا تعودوه قبل، فيتحتم علينا أن لا نترك الفراغ للفراغ بل نرتب وقتنا لاستثماره في الأشغال والنشاطات ما يتناسب مع طبيعة العطلة وتعاليم العقيدة لنحمي الناشئة من مزالق الانحراف المتشعبة المتنوعة والتي تتضاعف بؤرها الموبوءة في مواسم العطل.

فالشباب- أيها المؤمنون- هم معقد آمال الوطن وعمودها الفقري الذي عليه تقوم، ومن دونه تسقط وتهوى، ومن ثم يتعين علينا أن نولي هذه الفئة من المجتمع مزيدا من العناية، وأن نرعى الشباب حق الرعاية وأن نصونهم حق الصيانة، فلا نغفل عنهم طرفة عين، ولا نشرد عن أعمالهم ونشاطاتهم لمحة بصر، وإنّ في أوقات العطل والإجازات، - فكما قيل (الشباب قطعة من جنون) -إن لم نوجههم ونرشدهم إلى ما فيه صلاحهم تنكَّبوا – ولا شك- سواء الصراط، فلا بد من المراقبة المستمرة للأبناء الذكور والإناث وإِنْ في مواسم الراحة، لكن المشاهد والملاحظ لدى الأولياء أو على الأقل لدى الكثير منهم في عصرنا هذا أنهم يتسامحون مع أبنائهم وذراريهم في العطل بما لا يتفق مع حسن تنشئتهم الأخلاقية، فنجد الأولياء يتمالأون على توفير حظوظ أبنائهم الحسية والبدينة مغفلين ما وراء ذلك بالكلية، مع أن للشباب عقولا يحب أن تنمى ونفوسا يجب أن تزكى وعقيدة يجب أن تصان وتحمى، حتى لا تضحى الشبيبة ضربا من ضروب الجنون والفتون، فلا بد من المتابعة والمراقبة للأبناء إن في أوقات الدراسة وإن في أوقات العطل والإجازة.

والبيان الإلهي حينما تحدث عن فئة من خيار الشباب – أيهـا الإخوة المؤمنون – لم يَبْنِ مدحه لهم على وسامة الوجه، ورشاقة القد، وضخامة العضلات، بل صب مدحه لهم على الإيمان والتقوى فقال عز من قائل: ( إنهم فتيةآمنوا بربهم وزدناهم هدى) (الكهف/13).

فمدار التربية الصالحة والتنشئة الواعدة تقوم على إيمان راسخ وخلق فاضل ولقد أوصانا مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن تنشئة الشباب فقال عليه الصلاة والسلام : "أوصيكم بالشباب خيرا، فإنهم أرق أفئدة، إن الله بعثني بشيرا ونذيرا فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ" ثم تلا قول الله عز وجل : ( فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) (الحديد/16).

ومن الآفات الكاسحة الجارفة التي تضرب بلدنا بالخصوص في زمن العطل والتي تدور مع الشباب حيثما دار منذرة مستقبله بالويل والثبور آفة المخدرات، فكم من الآلاف في مجتمعنا، كم من آلاف النساء والرجال الذين يدمنون على تعاطي الحشيش والكيف يهلكون أنفسهم بأيديهم بتعاطي هذه المواد السامة القاتلة، فهؤلاء المدمنون المستهترون بنعمة الصحة المستخفون بقيمة العافية، لم يكتفوا بتناول السيجارة وهي من الخبائث المهلكة والمحرمة شرعا – ولا ريب – لم يقفوا عندها بل تعدوها إلى تعاطي المخدرات وهم بذلك يعملون على إرهاق أرواحهم، ينتحرون ببطء يحفرون قبورهم بأيديهم، لقد آثروا التهلكة على السلامة والعافية فأضحوا -وهم على هذه الحال– موتى في صورة أحياء لا نشاط لهم في حياة الناس، أضحوا أشباحا بلا أرواح ضعافا هزالا لا يقدرون على عمل ولا يعزمون عليه وهم في عنفوان شبابهم وزهرة أعمارهم، فأي بوار وأي خسار يعدل هذه الخسارة، أيها الجمع الكربم، مع أن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا أيما تحذير من كل ما من شأنه أن يخدش بصحة الإنسان أو يهدم بنيانه، فقال حضرته: " الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه" فأنت أيها المؤمن لست كغيرك من الناس يسرح ويمرح دونما معقب، يهيم على وجهه تقوده الشهوات وتحذره النزوات، لا يفكر في عاقبة ولا يأبه ليوم مصير بل أنت من منطلق عقيدة راع ومسؤول عن كل النعم التي استُودِعْتَها فأنت أمين على جسدك مُستَأمِن على بدنك مسؤول عنه يوم القيامة، ويا ويح من أتى يوم القيامة وقد تسبب في إتلاف جسده أو جسد غيره بوجه من الوجوه.

ثم نوجه الحديث أيضا إلى أولئك الذين يتاجرون في المخدرات ويعملون على تهريبها من الحدود الغربية والشرقية لوطننا ثم يعملون على ترويجها بين مختلف فئات الشباب، فهؤلاء لا يقلون إثما ولا يقلون جرما عن الذين يستهلكونها، فهم شركاء في الجريمة.

وإن كان ثمة فرق بين البائع للمخدرات والمستهلك لها، فالبائع مع كونه عاص بفعله إلا أنه عاص معه ذكاء لأنه يرمي من وراء هذه المعصية إلى الكسب الكثير والربح الواسع السريع فهو بهذا يبيع دينه بدنياه، أما الآخر المستهلك للمخدرات فهذا عاص غلبه الغباء وغلّفته البلادة فهو يبيع دينه ودنياه معا بنفخات ينفخها في الهواء، لذا اللائمة تقع أكثر ما تقع على المستهلك للمخدرات الذي نقول له عجبا لك، بل العجب لا ينتهي من إنسان يعمل على هدم إنسانيته وتحطيم بدنه وإتلاف صحته في سبيل حشيشة ملعونة لا يكسب من ورائها إلى متعة آنية ثم تعقبها حسرات وندمات متوالية إن العجب لا ينتهي من ذلك الذي يسخر جميع النعم التي ساقها الله إليه من أموال وصحة وشباب وفراغ ومركز وجاه يسخر ذلك كله في سبيل إتلاف ماله وإهلاك صحته وتشويه مركزه ويعرض نفسه لمطاردة الشرطة وعقاب القانون وسخط الله وبغض الناس وازدراء المجتمع بل إن العجب يزداد إذا وجد أن هذا الذي يتعاطى المخدرات هو من الفقراء، من المعوزين بحيث تكون زوجته أو يكون أبناؤه وذووه في أمس الحاجة إلى تلك المبالغ التي ينفقها هدرًا لإسكان جوعة أو ستر عورة، لكن للأسف هذا المغلوب على شهواته يجعل الكيف فوق الجميع فوق الشريعة والقانون والقرابة ونفسه أيضا، لا تنافس ولا يعلو عليه شيء، ولكأنه لم يسمع قول الله تبارك وتعالى : (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) (القرة/195) ولكأنه لم يبلغه قول الله عز وجل : (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) (المؤمنون/51) ثم أيها الإخوة المؤمنون كيف نسمح لأبنائنا ونسمح لشبابنا بتعاطي المخدرات وركوب غمارها ونحن نرى الأمم المتحضرة تغوص في الأعماق وتحلق في الآفاق وتتوسع في الحضارات ويهيم شبابها في العلم والفن والأدب، ويهيم شبابنا في الكيف والحشيشة والمخدرات معاليل مساطيل غائبين عن ساحة الحياة وأحداثها لا ثقة لهم في يومهم ولا أمل لهم في مستقبل يأتيهم، أي خسار أكبر من هذا الخسار؟؟

فما السبيل أيها المؤمنون لتفادي هذا المنزلق المتردي؟؟

في نظري هذه تبعة لا يمكن أن تنهض بها جهة بمفردها، بل لا بد من تظافر جهود الجميع، فهي وظيفة الآباء والأولياء بحيث يجب عليهم العناية بأبنائهم في البيوت والأحياء؛ كما هي أيضا وظيفة المعلمين والأساتذة في المدارس والجامعات؛ والأئمة والواعظين في المساجد والجوامع؛ وهي أيضا مسؤولية الشرطة والدرك وأعوان الأمن الذين يجب أن يكثفوا الرقابة والحراسة في كل الأماكن العامة والمشبوهة؛ ومسؤولية رجال الجمارك وحراس الحدود الذين يتعين عليهم تضييق الخناق على حدودنا الوطنية للحد من نشاط التهريب الذي أتى على اقتصادنا وشبابنا. وهذا كله لا يجدي إن لم نُوَعِ الشباب بالدمار والخراب الذي سينزل بهم إن هم لم يستدركوا الموقف وعلى عجل لأن الأمر لا يتحمل التأخير.

فيا أيها الشباب أفق من غفوتك ولا تجعل من نفسك لقمة سائغة وعملة رائجة يتاجر بها سماسرة الأفيون يتاجرون بمالك وصحتك وشبابك وعرضك، فلقد خلقت أيها الشاب لما هو أعظم من هذا وقد صح عن نبيك محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله إمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد: أيها المؤمنون، اتقوا الله تعالى فيما أمر، وانتهوا عما نهى عنه وزجر، وأخرجوا حب الدنيا من قلوبكم فإنه مهما استولى أسر. ثم اعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ثم ثنىّ بملائكة قدسه فقال عز من قائل: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (الأحزاب/56) اللهم فصلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى  آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وآل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

 

                                                                                                                                                                                                                                   بقلم   الأستاذ: طارق طاهير

الصنف