ذكرى 08 ماي واليوم العالمي للشغل1945

الخطبة الأولى:

الحمد لله ولي المؤمنين وفق الصادقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر بالعمل فقال في كتابه : " وقل اعملوا فسير الله عملكم ورسوله والمؤمنون" وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام العالمين وقائد المجاهدين ونبي الغر المحجلين فاللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فياأيها المؤمنون الأفاضل الأكارم: ما أحسن وأجمل أن يتزامن في كل سنة ذكرى أول ماي اليوم العالمي للشغل بالذكرى التاريخية 08 ماي 1945 التي ذاق فيها أبناء هذه الأمة آنذاك مآسي يعجز اللسان عن وصفها والقلم عن رسمها.

يقول من شهد الوقيعة كانت مصفحات الاستعمار تسير صفا صفا فتدمر القرى والمداشر والمساكن ;فيها من رجال ونساء وشيوخ وأطفال.

يقول أحد المؤرخين الفرنسيين لقد أبيد حوالي 45000 ما بين رجل وامرأة وطفل وأحرق البعض منهم بعد رشهم بالبنزين وألقي البعض في أفران الجبس.

رحم الله الشيخ محمد العيد آل خليفة حيث يصور هذه النكبة الأليمة  في أحد أبياته فيقول:

أأكتم وجدي أو أهدي إحساسي ** والثامن ماي جرحه ما له آسى

فضائع ماي كذيت كل مزعم لهم... ورمت ما روجوه بإفــلاس

ديار من السكان تخلـي نكايـة .... وعسفا وأحياء تساق لإرماس

وشيب وشبـاب يسامون ذلـة .... بأنـواع مكـر لا تحد بمقياس

أيها الإخوة المؤمنون: إن هذه الذكرى التاريخية وهي تتزامن بذكرى اليوم العالمي للعمل كأنها تهيب بنا أن نشمر على سواعدنا وأن نعمر الأرض بالزراعة والفلاحة وأنواع الصناعات، لأن الأمة الراقية هي التي تلبس ما تنسج وتأكل ما تزرع وتركب ما تصنع.

ولقد ثمن ديننا الحنيف العمل وجعله عبادة وعمارة للأرض فقال سبحانه : "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا.." [الروم: 09]، فالعمل حق وواجب ونعمة وعبادة ووسيلة من وسائل التحرير الإنساني وهو في مرتبة الجهاد في سبيل الله أو أكثر كما قال عليه الصلاة والسلام: (..إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن خرج يسعى على نفسه يعقها فهو في سبيل الله..). رواه الطبراني بسند صحيح.

ولنا في رسل الله عليهم الصلاة والسلام أسوة حسنة، كانوا أصحاب حرف وأعمال وصناعات. فإدريس عليه السلام كان خياطا ونوح عليه السلام كان نجارا فقد قال سبحانه وتعالى في شأنه: " وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا " [هود: 37].

وداود كان مختصا في صناعة الحديد قال تعالى: " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ" [سبأ: 10].

فعلى شبابنا أن يجتهد في تعلم مختلف العلوم، وأن يتعلم ما ينفعه في حياته من الحرف المهنية المختلفة في معاهد التكوين المنتشرة في أرجاء الوطن (ميكانيكي- طلاء- بناء- حداد- لحام- نجار- كهربائي، وحتى الصناعات التقليدية (نساج – خياط- دراز )، وأن يتعلم الفلاحة والزراعة...

فالحرفة يحبها الله ورسوله لقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله يحب المحترف) وكل ساعة أو لحظة تمر من حياة الشباب سيندم عليها إن لم يستغلها وسيقول يا ليتني لو تعلمت كذا أو فعلت كذا.

وقد قيل: ليس الفتى من يقول كان أبي ** وإنما الفتى من يقول ها أناذا.

وإليكم هذه القصة الرائعة التي أرجو أن تكون عبرة لمن يعتبر ، فعند أبي داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال:" أما في بيتك شيء؟"  قال : بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: "ائتني بهما"، قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: "من يشتري هذين؟ " قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: "من يزيد على درهم؟"  مرتين أو ثلاثا قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال: "اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به" ، فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له:" اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما"  فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة.. "،  فاللهم اجعلنا من عبادك العالمين آمين.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ................

أوصيكم ونفسي بتقوى الله أن نعمل ونتقن العمل الموظف في مكتبه فهو في عبادة، والفلاح في مزرعته فهو في عبادته، ومربي الأنعام فهو في عبادة، والطبيب في عيادته فهو في عبادة، والتاجر في تجارته، والصانع في مصنعه والشاب في حرفته فهو في عبادة.

وهكذا فالمسلم منتج معطاء عامل لا يدع العمل إلى أخر رمق في حياته لأنع يتعبد له بالعمل، فالعمل عبادة بل هو جزء من رسالة الإسلام.

وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ"
[العصر: 1-3].

اللهم أجعلنا من عبادك العالمين، اللهم وفق ولاة أمورنا اللهم أرحم بفضلك شهداء 08 ماي 1945 وأسكنهم فسيح جنات الخلد يستلذون بأنواع النعيم آمين...

بقلم الأستاذ: الغنتري لندري