خطبة عيد النصر

الخـطبة الأولى:

بسم الله الرحمن الرحيم

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

الحمد لله ذي الكرم والمنة، عظيم العطاء والرحمة، أكرم هذه الأمة بنعم وآلاء جمَّة، فخصها ببعثة سيد الخلق وشفيع الأمة، وتفضَّل عليها بأكرم الأوقات وخير الأزمنة، فاختار لها من الشهور شوالا وذا القعدة وذا الحجة، وجعلها أشهرا للحج والعمرة، واختص من ذي الحجة عشرا أوائل جعلها للشهر درة وغرَّة، فأقسم بها في محكم التبيان قسما عظيما نأخذ منه العظة والعبرة، فقال عز من قائل: ((وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ))، ثم اصطفى من العشر آخره، فجعله تاجا ودرَّة، إنه يوم النحر والأضحية، سطع فجره المتلألئ بعد انقضاء يوم التوحيد والمغفرة، إنه يوم الوقفة، وقف فيه الحجاج بصعيد عرفة، وما أدراك ما عرفة؟، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ندخرها ليوم اللقاء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الرسل والشهداء، وغرة الأصفياء والأولياء، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم يقوم الناس للفصل والقضاء، ألا واتقوا الله عباد الله وراقبوه في الجهر والخفاء، واعتصموا بحبل الله في السراء والضراء، ((يَا أَيُهَا الذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))، ألا وإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، أما بعد:

فقد أكرمنا الله بالأوائل العشر من ذي الحجة، فأعظم علينا فيها المكرمة والمنة، وكان خاتمتَها وقوفُ الحجاج بصعيد عرفات، خاضعة رقابهم لرب الأرض والسماوات، ساكبين العبرات، راجين من الله العفو وتكفير السيئات، وصامه غير الحجاج احتسابا لمغفرة سنتين من الأوزار والموبقات، ثم لاح فجر يوم المكرمات، إنه عيد الأضحى، جمع في ثناياه أعظم الدلالات، وشاءت إرادة فاطر البريات أن يقترن بعيدٍ للجزائريين عظيمٍ، جعلوه رمزا للتضحيات والبطولات، إنه عيد أعظم الثورات.

يعود علينا عيد الأضحى المبارك، فتستبشر النفوس بمجيئه، وتطرب الأفئدة لقدومه، وتزدان البيوت فرحا بوفوده، وتتعظ النفوس الطيبة بمواعظه ودروسه.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

أمة الإسلام: إن الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، يَرجِع بذاكرة الأمة إلى تلك الملحمة العظيمة التي سطر بطولاتها في شعاب مكة الطاهرةِ خليلُ الرحمن وابنُه الذبيح عليهما الصلاة والسلام بأحرف من الذهب باقيةٍ على مرِّ التاريخ، وقد خلد فصولها الرائعةَ أعظمُ بيان وأبلغُ كلام، وأجملُ عنوان، فقال تعالى: ((فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ،فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ،كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )) الصافات: 102 - 210

ومما يتجلى في هذه الملحمة العظيمة: معاني التضحية في أبهى صورها: كيف يضحي الأب بفلذة كبده على كبر من العمر وعقم من الزوج؟، وكيف يقبل الابن التضحية بنفس مطمئنة راضية تنفيذا لأمر خالقه، وطاعة لوالده؟، فأين التضحية في حياتنا من أجل المبادئ والقيم والبناء والتعمير؟.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

كما تتجلى فيها كرامة النفس البشرية، وقيمة الحياة الإنسانية، فيَفدي الله إسماعيلَ عليه السلام بذبح من الجنة عظيمٍ، وفي ذلك إيذانٌ صريح بإبطال عادات الجاهلية وأعراف الوثنية: من تقديم قرابينَ بشريةٍ لآلهة مزعومة، أو لنهر أبى أن يُجرِي ماءه، أو لسماء امتنعت عن أن تنزل قطرها، أو بالإقدام على إزهاق الروح انتحارا لأي سبب من الأسباب، وفي أي ظرف من الظروف، ولأي دافع من الدوافع.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

إن الله تعالى هو الذي وهب الحياة للإنسان، (ونفخ فيه من روحه)، وأمره أن يحافظ عليها، ((يُرِيدُ اللَّهُ أَنيُخَفِّفَ عَنكُمْوَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ))، ((وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)) النساء:28- 29، وجعل إحياء نفس واحدة بمثابة إحياء الأمة جميعا، ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)) المائدة: ٣٢.

فلنأخذ العبر والدروس من قصة الذبيح إسماعيل وخليل الرحمن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

قال الله تعالى: ((من الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)) الأحزاب: 23

أمة التضحية والشهادة:

إن ذكرى الجهاد المبارك الممثلِ في ثورة نوفمبر المجيدةِ، لتُذكِّرنا بالتضحيات الجسام التي قدمها شهداء الجزائر الأبرار، ومجاهدوها المخلصون الأحرار.

إن الله تعالى قد أخبرنا خَبَرَ الصدق عن مكانة الشهداء، وعن زكاوة ما سالت منهم من دماء، فحُقَّ لهم أن يكونوا مع الرسل والصديقين والأنبياء، ومن خَبَرِ الصدق والحق: أن الشهداء يستبشرون بمن خلَّفوا بعدهم من المؤمنين إذا حافظوا على أمانتهم الغالية، ونهجوا نهج من ضحَّوا من غير تبديل ولا تحويل ولا تغيير، قال تعالى: ((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ،فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ،يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)) آل عمران: 169-171.

إن الشهيد عند الله ليستبشر بالخلَف الصالحين، ويفرح بمن حافظ على أمانة من استشهد في سبيل الوطن والدين.

بالله لا تندبوا قتلي ولا تهنوا      بعدي ولا تغرقوا في النوح والحزن

إن الشهيد لحي عند خالقه       وإنما الميت حقا خائن الوطن

إنها بشارة الشهيد، إنه فرح الشهيد، فما هي شروط الاستبشار؟، وما هي مقومات هذا الفخار؟.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

عباد الله: إن استبشار الشهيد يكون بتنفيذ وصيته، والحفاظ على أمانته، والسير على خطى دربه، وتنمية مكتسبات بلدٍ ضحى لأجله ، ((وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)) المؤمنون: 8.

إن الشهيد يفرح إذا استبدلنا بسياسية القرى المحروقة للاستدمار، سياسة البناء والإعمار، ((هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا))هود: 61.

وعقدنا العزم أن تبنى الجزائر.

إن الشهيد ليستبشر بنا إذا عوَّضنا التهميش والتمييز العنصري والظلم والطغيان في الحقبة الاستدمارية المظلمة، بإرساء قوانين العدل والمساواة والحرية، والعمل على استمراريتها وديمومتها، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْـرَبِينَ..)) النساء: 135.

إن الشهيد ليستبشر بنا إذا انتقلنا من حقبة التجهيل والظلامية طيلة قرن وثلث القرن، إلى مرحلة النور والعلم والضياء، ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)) العلق:1.

وعقدنا العزم أن تستنير الجزائر.

إن الشهيد ليفخر بنا إذا تظافرت جهودنا لأجل البناء، وطلقنا خلافاتنا ونعراتنا في سبيل الوحدة، بعدما عمل الفرنسيون على إذكاء الخلافات والصراعات والجهويات دهرا من الزمن، ((إن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون)) الأنبياء: 92.

إن الشهيد ليُسَرُّ بنا إذا عملنا على الإصلاح المستمر بمفهومه الشامل: سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، بعدما أمعنت أيادي الهمجية الاستدمارية في التخريب الشامل لكل مقومات الأمة الجزائرية، ((إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْت، وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإَلَيْهِ أُنِيبُ)) هود: 88.

وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.

إن الشهيد ليرضى عنا حق الرضى إذا كان إعلامنا هادفا وصادقا ومربِّيا وبانيا، وداعيا إلى الأخوة ونبذ الخلافات، وحاثًّا على المسارعة إلى الخيرات، يشعر بمسؤولية الكلمة، ويراقب الله فيها حق المراقبة، حتى لا يكون أداةً لإشاعة الفاحشة والرذيلة والمنكر والفتنة في المجتمع، ))إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَالْفَاحِشَةُ فِيالَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِوَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(( النور:19.

إن الشهيد ليفرح بالأمة إذا استثمرت طاقاتِها وثرواتِها وخيراتِها في خدمة الصالح العام، حيث يفيدُ منها الأفراد والجماعات إفادةً ظاهرةً، بصور شتى: تعليمٌ مربٍّ وهادف، وتداوٍ مجاني في المستوى المطلوب، وتعبيد للطرقات، وبناءٌ للمساكن، وتمويل للمشاريع التنموية، وتدعيم لضروريات الحياة، وغيرها مما يحتاجه المواطنون، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم)-متفق عليه-.

وعقدنا العزم أن تعلو الجزائر.

إن استبشار الشهيد منوط بتنفيذ وصيته، والوفاء بعهده، ورعاية أمانته.

وإن مسيري في البلاد ومنزلي       لبالمنزل الأقصى إذا لم أقرَّب

ولست وإن قربت يوما ببائع      بلادي ولا ديني ابتغاء التحبب

ويعتده قوم كثيــر تجارة      ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

أمة الشهادة: إنه من اليقين أننا سنموت، ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ))، وسنلتقي بشهدائنا الأخيار، وبواسلنا الأحرار، يوم تبلى السرائر، ويلتقي الأوائل بالأواخر، ومن المؤكد أنهم سيسألوننا عن أمانتهم التي خلفوها لنا، فما جوابنا يومئذ؟، ولنسأل أنفسنا اليوم: هل سيستبشرون بلقيانا؟، قائلين: مرحبا بالمؤمنين الصادقين، وأهلاً بالإخوة الأمناء المخلصين، أم سيُشِيحُون بوجوههم عنا؟، قائلين بلسان حالهم ومقالهم: سحقا وبعدا، لقد غيَّرتم بعدنا، وخنتم عهدنا، وضيَّعتُم أمانتنا، وكأنَّنا أمام مشهد مماثل لرسول الله صلى الله عليه وسلموهو يقول لبعضٍ من أمته يوم القيامة بدَّلت وغيَّرت وابتدعت: سحقا وبعدا، بعدما تحرك فؤاده رحمة بهم قائلا: أمتي، أمتي، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

إن اللقاء يومئذ لعصيب، وإن السؤال لخطير، وإن الموقف لشديد، وإن المصير جنة أو نار.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله الحليم العظيم لي ولكم، ويا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

 

الخطبة الثانية:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الحمد لله وكفى، والصلاة على النبي المصطفى، ومن بآثاره اقتفى، وبعهد الله وفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

أمة الحضارة والعزة: لقد سجلت الحضارات والأمم والدول انتصاراتها وإنجازاتها بتشييد بيوت الله، والتفنن في بنائها وإعلاء صرحها، إعلانا لرفعة الأمة وشموخها بإعلاء كلمة الله، ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ )) النور: 36، إذ كل من عمل على إعلاء كلمة الله برفع بيوت الله، فسترفعه هذه البيوت رفعة لا سقوط بعدها.

فهذه دولة المرابطين وقَّعت إنجازاتها، وخلَّدت بطولاتِها ببناء الجوامع، وعلى رأسها الجامعان الكبيران بالعاصمة الجزائرية، وعاصمة الثقافة الإسلامية تلمسان.

وهذه دولة العثمانيين خلدت انتصاراتها بطرد الغزاة من الإسبانيين وغيرهم ببناء المساجد، وفي مقدَّمتها الجامع الجديد بالعاصمة.

وهذه دولة الاستقلال والحرية أسهمت في بناء المساجد منذ فجر الاستقلال عبر ربوع الوطن، فلا يكاد يمر يوم إلا ويُفتتَح مسجد يذكر فيه اسم الله، وها هي دولة الاستقلال تُتَوِّج انتصاراتها وإنجازاتها الخالدة ببناء جامع الجزائر، الذي وضع له فخامة رئيس الجمهورية بالأمس القريب حجر الأساس غداة الاحتفال بالذكرى السابعة والخمسين لاندلاع ثورة الجهاد المباركة: وفاء لتضحيات شهداء الجزائر الأبية، وتخليدا لعهد الاستقلال والحرية، واسترجاع الدولة الجزائرية، وعنوانا لاسترداد السيادة الوطنية، وعقدا لعزمٍ صادق على تشييد ما دمرته الآلة الاستدمارية، وإعلاء لهوية إسلامية عربية وطنية، أرادت طمسها والعبث بها أيادي الهمجية والعنصرية على مدى قرن واثنتين وثلاثين سنة ميلادية.

وعقدنا العزم أن تبنى الجزائر.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

أمة الإسلام: إن العيد فرصةٌ سانحة لتجديد العهد الوثيق مع الله، إعلانا ببدء صفحة جديدة مشرقة، ومناسبةٌ قيمة لإصلاح ذات البين التي أفسدتها شياطين الإنس والجن، إذ إن من معاني العيد الآكدة صفاءَ السرائر ونقاءَ البواطن من الغل والحقد والبغضاء والحسد.

فجددوا العهد الصادق مع الله، وطلقوا خلافاتكم ونعراتكم، وصلوا جسور ما قُطع من علاقات مع رحمكم وجيرانكم وإخوانكم، لأنه لا عيد لقلب أسود ظلوم، ولا فرحة لنفس حقودة حسودة.

ومن مقاصد العيد أيضا: مواساة إخواننا المكروبين في شتى بقاع العالم: نقاسمهم أحزانهم وأتراحهم، ونقدم لهم يد العون ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ونضرع إلى الله أن يفرج همهم، وعلى رأس قضايا المحزونين قضية فلسطين العادلة، فهي قضية كل المسلمين، فكان لزاما على كل الشرفاء أن يقفوا وقفة الداعم لها دون شرط أو قيد، وهنيئا لفلسطين الأبية انضمامُها لمنظمة اليونسكو، ومزيدا من الإنجازات المدوية إلى غاية تحرير بيت المقدس، وعودته إلى رحاب أمته مرفوع الشأن، موفور الكرامة.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

عباد الله: إن أعظم شعيرة يقيمها المسلمون في هذا اليوم الأغر الفضيل: تأدية صلاة العيد ثم التقرب إلى الله بالأضحية تأسيا بخليل الرحمن، واقتداء بحبيب الواحد الديان، قال تعالى: ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ، إِنَّشَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)) الكوثر: 1-3 ، فتقربوا إلى الله بنسيكة العيد من خالص أموالكم، ولا تنسوا إخوانكم الفقراء ممن لا طول لهم: أن تصلوهم بنصيب من أضحياتكم، وأن تتذكروهم بنوافل صدقاتكم، وأن تبشوا في وجوه المغبونين من بني جلدتكم: كفكفوا دموع البائسين، وارحموا ذل المنكسرين، واحنوا على الأرامل واليتامى والمساكين، إذ المؤمن للمؤمن كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

عباد الله إني داع فأمنوا: اللهم لا تدع لنا في هذا المقام ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا عدوا إلا أخذته وقصمته، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، اللهم إنا نسألك الإصلاح في الولد، والعافية في الجسد، والأمن في البلد، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم فك أسر بيت المقدس، ورده إلى رحاب أمتنا ردا جميلا، يا رب العالمين، اللهم احفظ مقدسات المسلمين من العابثين المفسدين، يا أرحم الراحمين، اللهم وفق إمامنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم احفظ حاكم البلاد بحفظك، واكلأه بكلاءتك، وأيده بتأييدك، ووفقه لما تحب وترضى، اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، تقبل اللهم منا ومنكم، وغفر الله لنا ولكم، وعيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بخير

الدكتور عماد بن عامر: أستاذ علوم القرآن والحديث

بجامعة البليدة، وخطيب الجامع الكبير بالمحروسة.

.