حكم من مات وعليه صيام

سائل - الجزائر 
الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف 
 
السؤال: 
ما حكم من مات وعليه صيام ؟
 
الجـواب:
اختلفت المذاهب فيه، فمالك رحمه الله ذهب إلى أنه لا يصام عنه ولا يطعم عنه إلا أن يوصي بذلك. وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن وليه يطعم عنه ولا يصوم، وذهبت الحنفية إلى أن وليه يصوم عنه فإن لم يستطع انتقل إلى الإطعام. وفرق قوم بين صوم رمضان والنذر، فرأوا صوم وليه عنه في النذر دون رمضان. وسبب اختلافهم هذا تعارض القياس مع الآثار، وذلك أن الأثر ثبت فيه صوم الولي عن الميت، فمن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال:"من مات وعليه الصيام صام عنه وليه" [متفق عليه](1)، وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ أفقضيه عنها ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها ؟ قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق بالقضاء"(2)، وجاء أيضا "أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأصوم عنها ؟ قال صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضينه ؟ قالت: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق بالقضاء"(3). ونقل الشوكاني(4) عن البيهقي أنه قال: والجمهور على أن صوم الولي ليس بواجب، وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد إلى أنه لا يصام عن الميت مطلقا، وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: إنه لا يصام عن الميت إلا النذر، وتمسكوا بالمنع بما روي عن ابن عباس أنه قال: ((لا يصلي أحد عن أحد ولا يصم أحد عن أحد))(5). فهذا ما جاء في الآثار، وأما القياس فالصوم من الأصول التي لا ينوب فيها أحد عن أحد، فكما أنه لا يصلي أحد عن أحد، ولا يتوضأ أحد عن أحد، فكذلك لا يصوم أحد عن أحد، فمن رجّح القياس قال: لا صيام على الولي، ومن أخذ بالنص في ذلك قال بإيجاب الصيام عنه. ومنهم من صرف النص إلى صيام النذر حتى لا يصدم بالقياس، ومنهم من خير بين الصيام والإطعام محاولا التوفيق بين الآية وهي: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين"(6)، والأثر. أورده ابن رشد في بداية المجتهد(7). قلت(8): من المعلوم لدى الأصوليين أنه إذا تعارض النص والقياس قدم النص، إذ لا معدل عنه وخصوصا إذا كان صحيحا قد توفرت فيه شروط الصحة التي اشترطها الأصوليون، وعليه فالنص يقضي بالصيام ولم يخص نذرا من غيره، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن مطلق الصيام الفرض فقضى بأداء الولي عن ميته، وسئل عن صوم النذر فلم يختلف الحال عن الأول، فلم يدخل في باب المطلق والمقيد، والله أعلم. --------------------- (1) أخرجه البخاري (4/227) [كتاب الصوم/باب من مات وعليه صوم] رقم 1952. ومسلم (2/803) [كتاب الصيام/باب قضاء الصيام عن الميت]، رقم 1147/153. (2) أخرجه البخاري (4/227) [كتاب الصيام/باب من مات وعليه صوم]، رقم 1953. ومسلم (2/804) ]كتاب الصيام/باب قضاء الصيام عن الميت]، رقم 1147/155. (3) أخرجه مسلم [كتاب الصيام/باب قضاء الصيام عن الميت]، (2/804)، رقم 1148/154. (4) نيل الأوطار للشوكاني (4/320). (5) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (1/302) [كتاب الصيام/باب النذر في الصيام، والصيام عن الميت]، رقم 43 والنسائي في السنن الكبرى [كتاب الصيام/باب صوم الحي عن الميت]، رقم 2917/7. والبيهقي في السنن الكبرى (6/279 ـ 280). (6) سورة البقرة/184. (7) انظر بداية المجتهد لابن رشد الحفيد (1/299 ـ 300). (8) صاحب هذه الفتاوى.