العناية بتربية الأولاد

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين صاحب الفضل المحمود الرحيم الودود المالك المعبود المعروف بكمال الكرم والوجود والمحيط علمه بلا حد ولا محدود، يرى جريان الماء في خلال العود ويسمع ويرى دبيب النملة في ظلام الليالي السود، أحمده سبحانه وتعالى على فضله الممدود وأشكره وشاكره بالمزيد موعود وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود، اللهم صلي وسلم وبارك على هذا النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها الإخوة المسلمون: يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ((يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهلكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ))  ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم  ((ألزموا أولادكم وأحسنوا آدابهم)).

أيها الإخوة المؤمنون: يا من تؤمون بيوت الله للعبادة يا من تخشع قلوبكم بذكر الله وما نزل من الحق، ويا من إذا ذكرتم بالله نفعتكم الذكرى، يا أمة الحبيب الأعظم لأنكم تؤمنون بالله وما جاء من عند الله، يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، لأنكم تؤمنون بما بعد الموت وتوقنون بيوم الحساب عسى أن تكونوا من الفئة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)) ، وأنتم بالخصوص الآباء والأمهات ومربين وأولياء إن عليكم مسؤولية كبيرة تجاه من لهم عليكم حق الرعاية من بنين وبنات.

وقد قال الشاعر قديما:

                                                                                  وينشئ ناشئ الفتيان منا     على ما كان عوّده أبوه

المسؤولية الأولى ترسيخ فطرة التوحيد وعقيـدة الإيمان، قـال الله تعـالى : ((وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)) وقوله صلى الله عليه وسلم  (( يا غلام إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله)) ثم تمرينهم على الصلاة وهم أبناء سبع وتعويدهم على أدائها في أوقاتها والمحافظة عليها.

ثم أدّبوهم على  حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب آل بيته وتلاوة القرآن الكريم، علموهم لفتوهم آيات من كتاب الله لقوله صلى الله عليه وسلم ((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)) ولقوله صلى الله عليه وسلم (( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)) ، ثم نشّئوهم على الأخلاق الفاضلة من صدق وأمانة واستقامة، وتربيتهم على امتثال الأوامر واجتناب النواهي وتعريفهم بالحلال والحرام ومراقبتهم صباحا مساء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (( اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فتلك وقاية لهم...)) علموهم صحبة الأخيار لقوله صلى الله عليه وسلم (( المرء على دين خليله)).

أيها الآباء والأمهات إذا تهاونتم في حمل المسؤولية والأمانة فاعلموا أن الله سبحانه وتعالى سيسألكم عن تقصيركم وتفريطكم في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ولقوله صلى الله عليه وسلم (( إن الله سائل كل راعي عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى  يسأل الرجل عن أهل بيته)) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهمية جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم : ((فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) ، ألا واسألوا الله الجليل العظيم من فضله يعطيكم واستغفروه يغفر لكم واشكروه على نعمه يزدكم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وهو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، اللهم صلي عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

أما بعد أيها المؤمنون يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( من كانت له بنت فأدبها فأحسن تأديبها ورباها فأحسن تربيتها وغذّها فأحسن غذاءها كانت له وقاية من النار)).

فيا أيها الآباء والأمهات إن مسؤوليتكم عظيمة وضخمة وكبيرة، يا أيها الأب الغيور هل علمت بناتك الحشمة والحياء ولباس الحجاب حتى لا يُؤْذَين من قبل الذين في قلوبهم مرض، أيها الآباء والأمهات إني أحذركم وأعظكم أن لا تكونوا كالذين لا يرجون الله وقارا ولا يرعون للدين وللأخلاق حرمة ولا يقيمون لمبادئ المروءة والشرف وزنا، فاسمعوا ماذا قال سبحانه وتعالى فيهم وعن عاقبتهم ومصيرهم فقال : ((والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم)) وقال سبحانه وتعالى : ((ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون)) وقال سبحانه وتعالى: ((فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون)).

فالله الله في أبنائكم فالولد نسخة من أبيه وذخيرة من بعده، فترك الولد على الفضيلة خير له من الغنيمة، ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على خير الأنام محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، الله صلي وسلم على محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

اللهم أهدي أبنائنا وبناتنا وأحفظهم من كل مكروه الله أفتح عليهم فتح العارفين وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم أحفظ الراعي والرعية وهيئ لهم بطانة خير ورشد واجمعنا وإياهم على كلمة الحق والدين وأحفظ بلادنا من كل مكروه وجميع بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم أغفر لجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

                                                                                                         بقلم  الإمام: صالح ملكي

الصنف