أيها المسلمون : نظفوا أفنيتكم

 الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يواف نعمه ويدفع نقمه ويكافي مريده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله  وصفيه من خلقه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله تعالى إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متـلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعد، فيا عباد الله إن تطهير العقيدة وتنقيتها من شوائب الشرك والبدع والمعاصي مقرونة بتطهير الظاهر في بدن الإنسان وثوبه ومحيطه ليجمع المسلم بين النظافتين، ويحافظ على الطهارتين، فحين يجمل الدين بواطن الناس بالهداية إلى الصراط المستقيم، فإنه يجمّل ظواهرهم في أحسن تقويم.
إذا كان الأمر كذلك – أيها المسلمون – فإن الأخذ بالزينة، والقصد إلى التجمل، والعناية بالمظهر والمحيط، والحرص على التنظف والتطهر من أصول الإصلاح الدينية والمدنية التي جاء بها ديننا وتميز بها أتباعه.
فيا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم لو أن إنسانا أجنبيا جاء بلدنا وسأل عن دين أهلها؟ وقال المجيبون : إن دين أهلها الإسلام، وسأل عن الإسلام وعما جاء به من قيم وفضائل، لقال المجيبون: إن الإسلام دين النظافة، دين الحضارة، دين الأخوة، دين العلاقة الطيبة، دين الإخاء، دين الجوار، دين الهناء، دين السعادة، دين الاطمئنان، دين الأمن والأمان، لكن هذا الذي يسمع سيكون مستغربا جدا، سيسمع أحاديث وآيات تحض على النظافة وتدعو إليها، لكنه لن يرى أثرا لها في الواقع، وما عليكم من أجل أن تصدقوا هذا الكلام إلا أن تمشوا في شوارعنا وفي أحيائنا وفي أسواقنا، فستجدون أن الإسلام لا يمكن أن يكون في كله أو في جزئه عنوانا لأسواقنا وأحيائنا وشوارعنا، وسياراتنا وأدواتنا ووسائل تنقلنا، فكل ذلك يجانب ويخالف الإسلام في تعليماته، ومن باب (فذكر) أذكركم اليوم بهذا الأمر الرباني حتى يتحول هذا التذكير بأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى واقع وسلوك، وإلا فبيننا وبين الإسلام مسافات.
أمة الإسلام: كيف وصلنا إلى هذه الحال ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه الترمذي بسند حسن قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "قصوا أظافركم، وادفنوا قُلاماتكم – أي أظافركم بعد أن تقصوها – ونقُّوا براجمكم – أي عقد الأصبع – ونظفوا لثاتكم – من الطعام – واستاكوا ولا تدخلوا عليَّ قُحراً – مصفرة أسناكم – بُخراً – منتنة أفواهكم".
إنها الفطرة وسنن المرسلين، اتفقت عليه الشرائع ودعت إلها الديانات وترك ذلك وإهماله مزر بالجسم، وتشبه بالوحوش والسباع، روى الخطيب بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن الإسلام نظيف، فنظفوا فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف".
أيها الناس : المسلمون هم الذين نشروا النظافة والتنظيف في أصقاع الدنيا حيثما حلّوا وأينما وجدوا مما لم تعرفه الأمم السابقة قبلهم، وإن من يقرأ تاريخ الأمم والملل يعلم أن أكثر البشر كانوا يعيشون كما تعيش الوحوش، فما دخل الإسلام بيئة ولا بيتا إلا وعلمهم اللباس، وجمال الستر، ونظافة البدن، وطهارة المسلك بالإيجاب تارة وبالاستحباب أخرى ونقلهم من الوحشية الفاحشة إلى الحضارة الراقية.
روى أبو داود والترمذي أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "عرضت عليّ أجور أمتي حتى القداة – القشة الصغيرة من الأوساخ – يخرجها الرجل من المسجد " هذه لك فيها أجر، وهذا الحديث لا يخص العصور الغابرة بل إنك وكل ثقة وأسى لا ترى أمكنة أو أزمنة انطمست فيه آثار النبوة إلا ويتجلى فيها صور الجهل والظلم، والكفر بالخالق، والشرك بالمخلوق، واستحسان القبائح، وفساد العقائد، وانحراف السلوك وما خليت ديار من هدي النبوة إلا وكان أهلها بعيدين عن الفطرة السليمة، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، ولا يتورعون عن قبيح، ولا يهتدون إلى سبيل، وشواهد ذلك في عصرنا هذا لا تُحصر ولا تُعد.
روى ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نح الأذى عن طريق المسلمين" فما بالك بمن يضع الأذى في طريق المسلمين؟! انظروا إلى شوارعنا ما أكثر الأذى فيها، انظروا إلى أحيائنا ما أكثر الأذى فيها، صحيح إن الإسلام دين يحث على النظافة، لكننا بعيدون كل البعد عن هذه الصفة، ولا يمكن أن نتسمى بالمسلمين بمعنى الكلمة ما دامت حال شوارعنا وحال أحيائنا وحال أسواقنا وحال مقابرنا الحالة التي هي عليها، فليست هذه الحال بالحالة التي تدلل أنها حال قوم مسلمين.
إن المسلمين أختارهم الله تعالى ليكونوا نماذج رائعة للطهر والجمال في صورة أزكى وأتقى وأعلى وأنقى  "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " البقرة:138. روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك فأخره، فشكر الله له فغفر الله له".
فيا أحباب الرسول صلى الله عليه وسلم هيا نتحد من أجل تغيير محيط حينا ومسجدنا، هيا إلى حملة تشجير وتنظيف نشارك فيها جميعا حتى نكون ممن استجابوا لأمر ونداء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله عز وجل طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبّهوا باليهود".
أناشدكم يا أمة الطهر وأدعوكم إلى بيئة نظيفة، إلى هواء نقي، إلى حي طاهر نظيف آمن لا ضجة فيه ولا تلوث ولا أقذار.
فاللهم وفقنا لبيئة معنوية طاهرة وبيئة مادية نظيفة، اللهم حببنا للنظافة وحبب النظافة لنا، اللهم حببنا للطهارة وحبب الطهارة لنا، حببنا للطهر وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيـان والقذارة والأوساخ وأتباع الشيطان فأنت سبحانك القائل : " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد؛
إن عناية الإسلام بمظاهر النظافة في الأبدان وفي الأماكن تنطلق من عمق عقيدته، وأصل شريعته، تربية للنفوس على المنهج القويم، والانضواء تحت لواء قادة الصراط المستقيم، من الأنبياء والمرسلين، دعوة صريحة تربط الإيمان بالعمل، قال – صلى الله عليه وسلم-:" الإيمان بضع وستون(وسبعون) شعبةً أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"، أنظر إلى هذا الربط الهادف بين مراتب الإيمان ودرجاته، وكيف يكون لنظافة الطريق مكانة كهذه، وما أكرمها من مكانة، لا لشيء إلا لأن الله تعالى تعبدنا لهذا وذلك، وأن المسلم يؤجر على الإيمان كما يؤجر على نظافة الطريق، وغيره، وهذه معالم الإيجابية الفاعلة التي دعانا إليها ربنا في كتابه العزيز.
 قال تعالى : (( يابني ءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد)) (الأعراف) وقال : (( يأيها الذين ءامنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون))، فالإيمان دعوة للعمل الصـالح الرشيد، في الدنيا والآخرة.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم إلى الخير، ويجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واللهم أغفر لنا ولوالدينا ولسائر المسلمين، وجنبنا اللهم الفواحش والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأيد الهم بالحق ولي أمرنا، وأبسط عليه رداء سترك وعافيتك، وهيئ له من أمره رشدًا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لعلكم تذكرون. سبحان رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

                    بقلم  الأستاذ: ايدير عليم

الصنف