عناية الإسلام بالطفولة

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العـالمين ، نحمده على جزيل نعمه  ، وواسع فضله ، أمر واجب على الآباء تنشئة أولادهم على الخير والفضيلة ، وواجب على الأولاد طـاعة أبـائهم في المعروف وبرهم والإحسـان إليهم في مقابل تلك التربية الحميدة  " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا "  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمـدا عبـده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين .

أما بعد فقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1954 بأنْ تُنظم جميع البلدان يوما عـالميا للطفل يحتفل به  بوصفه يوما للتآخي والتفاهم على النطاق العالمي ، وحدد يوم 05 نوفمبر يوما عالميا للطفل  ، وإلى يومنا هذا مازالت اليونيسف تعمل في 150 بلدا وإقليما من أجل مساعدة الأطفال على البقاء على قيد الحياة والنمو، من الطفولة المبكرة حتى نهاية فترة المراهقة ، واليونيسف بوصفها أكبر جهة في العالم تقدم الأمصال للبلدان النامية ، توفر الدعم في مجال صحة الأطفال وتغذيتهم والمياه النقية والصرف الصحي والتعليم الأساسي لجميع الأطفال من بنين وبنات وحماية الأطفال من العنف والاستغلال ، ومرض الأيدز وغيرها . ولكن ما هي الطفولة ؟ الطفولة بشكل عام كما جاء في فكر الإمام الغزالي رحمه الله هي تلك المرحلة من حياة الإنسان التي تبدأ مع بداية خلق الجنين في بطن أمه إلى أن يولد ويبلغ سن الرشد ، وهي ذلك النشوء الفطري الخالي الساذج ، القابل للتأثر بمن حوله مارا بأطوار النمو المختلفة .

والطفل يولد معتدلا صحيح الفطرة ، وإنما يشوهه من حوله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصـرانـه أو يمجسانه "ونجد القرآن اهتـم كثيرا بهذه المرحلة من حياة الإنسان .

 يقول الله تعالى " وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت " ويقول " ولاتقتلوا أولادكم خشية إملاق " وكما اهتم بحقهم في الحياة اهتم كثيرا بتربيتهم وحمايتهم وإصلاحهم ، وهذا ما نجده في اهتمام الأنبياء ، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يدعو الله أن يرزقه ولدا صالحا فيقول : " رب هب لي من الصالحين " ويقول " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام " ويقول زكريا عليه السلام : " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " هذا اهتمامهم بشأن الذرية قبل وجودها . أما بعد وجودها فكانت تتضاعف جهودهم ويعظم اهتمامهم بتربيتها وتوجيهها نحو الخير وإبعادها عن الشر ، وأول ما ينصب إلى اهتمامهم إلى صلاح عقائد أولادهم كما قال تعالى : " ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون  " حتى عند الوفاة نجد يعقوب عليه السلام يريد الاطمئنان على عقيدة أبنائه بعد وفاته " أم كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون " وهذا لقمان عليه السلام يوجه إلى ابنه وصايا عظيمة كما سجلها القرآن الكريم الذي نجد فيه بيانا واضحا لمواقف الأنبياء مع أولادهم لنقتدي بهم وندرك المسؤولية نحو الطفولة ، فالطفل يولد على الفطرة السليمة القابلة للخير فإذا بودرت بالخير قبلته من غير صعوبة ولا تكلفة وتلاءمت معه وألفته لأن الله جعل فيها قابلية له ولأنه يوافق أصلها الذي فطرت عليه وإنما تمرق هذه الفطرة وتتغير عن خلقتها بسوء التربية والقدوة ، وعدم الاهتمام بها مثل مانراه في كثير من بلدان العالم وخاصة في البلدان الفقيرة زيادة على الفقر والأمية هناك استغلال الأطفال في الأعمال الشاقة و الاختطاف والاغتصاب ناهيك عن الأمراض النفسية من جراء الحروب التي لا ذنب لهم فيها إلا أنهم ولدوا هناك ، وهذا ما جعل منظمة الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر مما جعل الدولة الجزائرية تسطر برنامجا ثريا يهتم بالطفولة والأمومة والبيئة معا بما في ذلك إنشاء رياض الأطفال وإعادة فتح المطاعم المدرسية وخاصة في المناطق الريفية وكذا المدارس التحضيرية والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة ، ولا يزال الطفل في حاجة إلى رعاية أكثر تتطلب جهود الجميع " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " .

فحقوق الأطفال كثيرة كما جاءت في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ، حق الطفل في الحياة وفي اختيار الأم الصالحة والاسم الحسن وحقه في العيش الكريم باعتباره إنسانا كرمه الله فلذا كان لابد من الاهتمام بهذه الشريحة التي هي عدة المستقبل فإذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع ، لذا كانت المسؤولية مشتركـة بين الجميـع من الأسـرة إلى المـدرسـة إلى المسجـد إلى المجتمـع ، نسـأل الله التوفيق لنا ولأبنائنا والحمد لله رب العالمين .

   الخطبة الثانية :

          الحمد لله ، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويغفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له شهادة عبد قال ربي الله ثم استقام  ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابته إلى يوم الدين .

 أيها المسلمون ، من المشاعر النبيلة التي أودعها الله في قلبي الأبوين ، شعور التربية والرأفة بالأولاد والعطف عليهم ، وهو شعور كريم يتجلى في توجيهاتهم وفي إعدادهم وتكوينهم حتى يكونوا خير خلف لخير سلف، وأن شريعتنا الإسلامية الغراء قد رسخت هذه المعاني في القلوب وخصت الكبار من آباء ومعلمين ومسؤولين على التحلي بها والتخلق بأخلاقها ، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى أحدا من أصحابه لا يهتم بتربية أطفاله يزجره بحزم ، ويوجهه إلى ما فيه صلاح البيت والأسرة والمجتمع ، فمسؤوليتكم أيها الآباء والأمهات والمربون أمام هذه الأجيال الصاعدة هي مسؤولية كبرى لها من أهميتها ونتائجها في بناء مجتمع سليم ، قال الشاعر العربي :            

                      وإنمـا أولادنــا بيننــا            أكبادنا تمشي على الأرض

                           إن هبت الريح على بعضهم             تمتنع العيـن من الغمـض

فاتقوا الله يا مسلمون في أطفالكم وفلذة أكبادكم وتوبوا إلى الله قبل أن تموتوا ولاتغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، اللهم وفقنا في تربية أبنائنا تربية صالحة واجعلهم اللهم خير خلف لخير سلف وأهدنا وإياهم إلى الطريق المستقيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام

على المرسلين والحمد لله رب العالمين

  من إعداد الإماممين : - بلحاج مجبر إمام مدرس- تيارت

 

                                                                                 - ملاح أحمد إمام مدرس- تيارت

 .