الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله تعالت أسماؤه وتمت كلماته صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته جعل النصر يتنزل من عنده على من يشاء من عباده، وجعل السلاح فرقانا بين الحق والباطل «واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» الأنفال 60.
وأشهد أن لا إله إلا الله فضل المجاهدين على القاعدين درجة وأجرا «وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما» التوبة 94.
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنـا ولا صلينا
فأنزلـن سكيـنة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينـا
صلى الله وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه المجاهدين الأخيار ونستنزل من رحمات الله الصيبة وصلواته الزاكية الطيبة لشهدائنا الأبرار ما يكون كفاء لبطولتهم في الدفاع عن شرف الحياة وحرمان الدين وعزة الإسلام وكرامة الإنسان وحقوق الوطن.
أما بعد:
أيها المؤمنون إن الجهاد في سبيل الله هو طريق النصر للمسلمين في تاريخهم الطويل ولا يزال إلى اليوم هو الطريق السوي لحريتهم وتثبيت استقلالهم.
قال تعالى : «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير» الحج 39.
إن هذه أول آية أذن فيها بالجهاد في السنة الثانية من الهجرة وكانت "غزوة بدر" أولى الغزوات وأولى المعارك والمحطة الأولى من محطات الجهاد ولقد عرف أسلافنا معنى هذه الآية فهبّوا مسرعين إلى الدفاع عن دينهم ووطنهم وحريتهم وكرامتهم فكانت الثورات المتعاقبة بدءا من ثورة الأمير التي دامت سبع عشرة سنة وثورة أحمد باي ثم توالت الثورات الشعبية هنا وهناك حتى سنة 1895، وفي هذه الحقبة الزمنية تعرض الشعب الجزائري للتعذيب والتنكيل كالإبادة الجماعية والتجويع والقهر والتجنيد الإجباري للجزائريين والزج بهم في الحروب والنفي والإبعاد إلى عشرات آلاف الكيلومترات في جزر المحيط الهادي.
وفي مطلع القرن العشرين وفي العقد الأول ظهرت المقاومة السياسية لتوعية الجماهير ولما نضجت الفكرة تحرك الشعب لكن الإبادة تلاحقه، ففي الثامن من ماي سنة 1945 قمعت الانتفاضة وسقط الشهداء بأعداد كبيرة، وتيقن المجاهدون أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
وتهيأت الظروف وبزغ فجر نوفمبر 1954 وطويت صفحة اللوم والعتاب
يا فرنسا قد مضى وقت العتاب… فاستعدي وخذي منا الجواب
ولعلع صوت الرصاص ونادى المجاهدون في الجبال والوهاد والصحاري والسهوب بصيحات الله أكبر وكانت كلمة السر آنئذ (عقبة – خالد).
فاندكت حصون المستعمر وارتعدت فراسيهم وتزلزلت أركانهم ولم تمض سنوات حتى طويت صفحة الشعارات (الجزائر فرنسية) واعترف الكيان الفرنسي بالوجود الجزائري في المحافل الدولية وبدأت المفاوضات.
وأطل علينا يوم التاسع عشر من مارس 1962 بقراره القاضي بتوقيف القتال ووضعت الحرب أوزارها وتوالت البشائر بالنصر المبين وحق لنا أن نسميه يوم النصر (وكفى الله المؤمنين القتال).
أيها المؤمنون:
هذا هو اليوم الأزهر الأنور الأغر المحجل، وهذا هو اليوم المشهود في تاريخ بلادنا وهذا اليوم الغرة اللائحة في وجه ثورتنا المباركة، وهذا هو التاج المتألق في مفرقها والصحيفة المذهبة الحواشي والطرر من كتابها.
أيّها المؤمنون لولا الجهاد والتضحيات لما كان نوفمبر ولما كان مارس ولما كان يوليو الذي كان شهرا للاحتلال فحوله نوفمبر شهر الاستقلال.
قل ليوليو هنا نوفمبر باق … خلد النصر مجده تخليدا
فالذي لا يجاهد ولا يحدث به نفسه منافقا روى مسلم وأبو داود والنسائي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :" من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من النفاق".
فلنتق الله أيها المؤمنون ولنجاهد أنفسنا تأسيا بأسلافنا فجهاد النفس أكبر الجهاد فالذي لا يجاهد نفسه لا يستطيع جهاد عدوه كما ورد في الأثر ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر).
فجهادنا يجب أن يكون تعاونا يثمر المنفعة وإخلاصا يهون العسير وتوفيقا ينير السبيل وتسديدا يقيم الرأي ويثبت الأقدام وحكمة مستمدة من تعاليم الإسلام.
وعزيمة تقطع دابر الاستعمار من النفوس، بعد أن قطعت دابره من الوطن «والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين» العنكبوت 69.
الخطبة الثانية:
الحمد لله يؤيد بنصره المخلصين ويحق الحق بكلماته ويقطع دابر المبطلين وأشهد أن لا إله إلا الله نصر عبده واعز جنده وهزم الأحزاب وحده «و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورن وإن جندنا لهم العالبون» الصافات171-173. وأشهد أن سيدنامحمدا عبده ورسوله جاهد في الله حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه جند الحق وحزب الإيمان.
أما بعد:
أيها المؤمنون، حرى بنا ونحن نحتفل بعيد النصر أن نستذكر مآثر المجاهدين ونتأسى بهم ونقتفـي آثارهـم في حب الوطن قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي – رحمه الله – (إن الاستعمار كالشيطـان الذي قال فيه نبينا – صلى الله عليه وسلم :" إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه رضي أن يطاع فيما دون ذلك".
أيها المؤمنون، إذا عدت الأيام ذوات السمات والغرر في تاريخ الجزائر فسيكون هذا اليوم أوضحها سمة وأطولها غرة وأثبتها تمجيدا، والفضل في ذلك يعود إلى الذين رفعوا راية الجهاد وصدقوا ما عهدوا الله عليه «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا» الأحزاب23.
فلنتق الله أيها المؤمنون ولنحي هذه الذكريات الخالدة بالوفاء للشهداء وبناء هذا الوطن كما أراده الشهداء.
وفق الله أولياء الأمور جميعا وأجرى الخير على أيديهم وجمع أيديهم على خدمة الوطن وقلوبهم على المحبة لأبناء الوطن وجعلهم متعاونين على البر والتقوى غير متعاونين على الإثم والعدوان. قال تعالى «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا يعبدوني لا يشركون بي شيئاو من كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون» النور55.
بقلم الشيخ/ عمر حديبي