خيركم خيركم لأهله

الخطبة الأولى:

الحمد لله الواحد الأحد؛ الفرد الصمد؛ تفرد بصفات الكمال.وتنزه عن النقائص والأشباه والأمثال. وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال، وأشهد ان نبينا محمدا عبده ورسوله كرم المرأة وأعلى شأنها بفعله وحسن المقال.

صل اللهم عليه وعلى آله وصحبه الذين اتصفوا بالرحمة والرفق وكريم الخصال.أما بعد :

فاتقوا الله بفعل أوامره وترك نواهيه؛ وتحببوا إليه بفعل مايحبه ويرضيه، قال تعالى: ((ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا)) [النساء:1].

عباد الله؛ قضية باتت في هذه الأيام مثار حديث الناس ومحل نزاع بينهم يتناولها المتكلمون والإعلاميون؛ أقيمت لها المؤتمرات والندوات واللقاءات واعتنت بها منظمة الأمم المتحدة؛ هذه القضية: هي مايسمى بالعنف ضد المرأة؛ أو العنف الأسري والذي يصادف 25 من شهر نوفمبر من كل سنة. فيا ترى ما هو هذا العنف؟ وماحقيقتــه؟ ومادور الإسلام في درئه؟ وماهي المستويات التي وصلت إليها الدول المتحضرة بهذا الخصوص.

ومما لاشك فيه - عباد الله - أن الإسلام دين الرحمة والسماحة، دين نهى عن التعدي لا على المرأة فحسب؛ بل حتى على الجماد وبهيمة الأنعام، وكل ناظر في الشريعة الإسلامية بإنصاف يجد من النصوص الكثير مما ينهى عن كل صور العنف ضد المرأة زوجة كانت أو بنتا، أو أختا أو غيرها. ومن تلك النصوص، أمر الله عز وجل بحسن عشرة الأزواج لزوجاتهم حيث يقول الله تعالى : ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً)). [ النساء:19].

كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال بالنساء خيرا، فقال في خطبة الوداع  كما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إستوصوا بالنساء خيرا فإنكم أخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ...". وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل البشوش الخلوق مع الناس عموما ومع أهله ونسائه خصوصا من أكمل الناس إيمانا فقال صلى الله عليه وسلم: "أكمل الناس إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم" رواه الترمذي من حديث أبى هريرة.

وقال في حديث آخر: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" أخرجه بن حبان وبن ماجه عن بن عباس.

وتدبروا قول الله تعالى بعد الأمر بالمعاشرة بالمعروف حيث يقول : ((... فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)) [ النساء:19]. بل وما أثمنها من نصيحة غالية يهمسها النبي صلى الله عليه وسلم في اذن كل زوج مسلم حيث قال :

"لايفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة .

والأدلة على ذلك كثيرة.

عباد الله إن دين الإسلام حرم الظلم عموما. وهو في حق القرابات أشد وطئا ومضضا. كما قال المتنبئ

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة        على النفس من وقع الحسام المهند

وحين يمارس العنف على المرأة؛ فهو أشد وأسوا. ولم يزل العلماء والدعاة والمصلحون يبينون حرمة العنف اتجاهها؛ ايا كانت صورته؛ ويذوذون عن المرأة لا من قبل أفكارهم وتوجهاتهم، بل من معين شريعة الإسلام الكاملة. ومن باب التنبيه فحسب سأعرج على بعض صور العنف المحرم ضد المرأة ومن ذلك القسوة عليها في المعاملة بالضرب تارة؛ وبالتفوه بألفاظ مشينة والتحريف والإذلال تارة أخرى، وإنى لأعجب أشد العجب من رجل تمتد يده على زوجه أو إبنته لغير ما بأس تباهيا بقوته أمام امرأة أقل منه فزيولوجيا. وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من مد يده على امرأة فقال "ليس أولئك بخياركم" . فليس بكريم من أكرمه أناس بابنتهم ثم استغل ضعفها فتطاول عليها وذلكم عنف وظلم لايرضاه مسلم أبدا، ومن صوره أيضا :

عضل البنت بتأخيرها عن الزواج أو منعها منه جملة وتفصيلا، إما طمعا في مالها إن كانت عاملة أو مسكنها إن كانت مستفيدة في أطر الاستفادة . أو نزولا عند رغبة بعض الدخلاء على الدين الذين يحرمون ويحللون بحسب ما تقتضيه شهواتهم وأهوائهم. وكم من فتاة تئن وتشكو ظلم الأقربين حين أغلق الأب الأبواب في وجه الخطاب ؛ وبعدما كانت تلك الفتاة مطلب الرجال تقدمت بها السنين فتضاءلت في الزواج الآمال.

ومن صور العنف ضد المرأة ايضا إجبارها على الزواج بعربيد سكير لايعرف للفضيلة مطلبا؛ ولامن الرذيلة مهربا؛ إما طمعا في ماله؛ أو لقرابته. وربما كان  ذلك سببا في طلاقها أو انحرافها عن جادة الصواب .

عباد الله: وصور العنف ضد المراة أكثر من هذا؛ فالتضييق على الزوجة والأولاد في النفقة؛ حتى يتكففوا الناس. وإيذائها بالألفاظ السيئة والإبقاء على البنت بلا تعليم وتربية شرعية؛ وهجران الزوجة الأولى بالولع والتعلق بالزوجة الثانية الأجمل والأصغر منها سنا. هي أمور لا يرضاها الإسلام؛ وتنفر منها أخلاق الكرام، فلا يقع فيها إلا من نقصت ديانته؛ وانطمست نخوته ورجولته. فالله الله في النساء؛ ارحموا ضعفهن وأقيلوا عثرتهن وصونوا أنوثتهن؛ واتقوا الله لعلكم ترحمون وتوبوا إلى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون.

أقول قولي هذا وأستغفر الله الحليم الكريم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه تجدوه غفوراً رحمياً وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.

الــــــخطـــــبة الثـــــــانيــــــــة:

الحمد لله الواحد القهار؛ الرحيم الغفار؛ أحمده تعالى على فضله المدرار؛ وأشكره على نعمه الغزار؛ واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الجبار؛ وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار؛ صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.

أما بعد: اتقوا الله عباد الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى؛ واعلموا أن أجسامكم على النار لا تقوى مصداقا

لقول المولى تبارك وتعالى: ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))

[آل عمران: 102] واعلموا رحمكم الله أن العنف ضد المرأة مهما كان نوعه يعتبر انحرافا بالجانب الإنساني؛ وهي ظاهرة لاتعرف بلدا دون آخر. بل هي بلاء ووباء غمر اوارها جميع البقاع والأقطار والأرجاء فعياذا بالله بارئ الأرض والسماء؛ لكن هذا الوباء - معاشر المسلمين - على نسب متفاوتة.

ولعل أقــل النسب فيها البلدان الإسلامية، واكثر البلدان تعرضا لهذه الظاهرة هي الدول الغربية، فعلى سبيل المثال لا الحصر تشير دراسة امريكية حديثة  أن 79 %  من الرجال يضربون نساءهم، وأن 17 % هن النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعاف من ضحايا ضرب الرجال، أما في أوربا فتشير كذلك إحصائيات حديثة أن العنف الزوجي و العائلي يشكل النسب الأولى في الوفيات والإصابات الجسدية، أكثر من مرضى السرطان وحوادث السير، ويؤدي هذا الإجرام السنوي إلى مقتل ستمائة (600) امرأة سنويا.

صـور ما سرحت بالعين فيها           وبفكري إلا خشيـت الذهـــولا

فيأمة الإسلام؛ هكذا تعامل المرأة عندهم فحري بهم أن يقيموا لها المؤتمرات العالمية والندوات الدولية، للخروج من مأزقهم أما نحن - معاشر المسلمين - فإن هذا الوضع لا يبعث على القلق، لأن ديننا قد وضع لنا منهج شامل عند حدوث النزاع بين الطرفين. ووضع لذلك وسائل علاجية ناجعة، لا تخفق أبدا إن حسنت النية، وفهمت النصوص الشرعية فهما صحيحا. قال تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)) [النساء:35] .

فيا أختي المسلمة: إنك لن تبلغي كمالك المنشود، وتعيدي مجدك المفقود، و تحققي مكانتك السامية، إلا بإتباع تعاليم الإسلام، والوقوف عند حدود الشريعة، فذلك كفيل أن يطبع في قلبك محبة الفضيلة، والتنزه عن الرذيلة.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار  .

اللهم اجعل ولايتنا في من خافك واتقاك ووفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه وأرزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

هذا واعلموا  - رحمكم الله  - إن الله أمركم بأمر  بادئكم فيه بنفسه  وثنى فيه بملائكة قدسه وثلث بجن الأرض وإنسه  فقال تعالى:((إِ نَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [الأحزاب: 56] اللهم صل على سيدنا محمد  وعلى أل سيدنا محمد كما صليت ورحمت وباركت على سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

عباد الله إن الله يامر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم  تذكرون  أذكرو الله الحليم الكريم يذكركم وشكروه على نعمه يزدكم وأستغفروه من جميع ذنوبكم يغفر لكم هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين .

الحمد لله رب العالمين

من إعداد: مبروك بخوتي إمام مدرس بولاية ايليزي

الصنف