حقوق الأبناء على الآباء

 

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي فرض على الآباء و الأمهات حسن تربية البنين والبنات، و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، أرسل رسوله بالهدى و دين الحق، فدلّ الناس إلى الطريق القويم و أرشدهم إلى الطريق المستقيم، و أشهد أن سيدنا محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه وعلى آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ثم بعد :

إخوة الإيمان : إنّ الإسلام ينظر إلى الأطفال نظرة تقدير و إجلال، لأنّ أطفال اليوم هم رجال

الغد و أبطال المستقبل، بهم تبنى الأمجاد، و بسواعدهم تشاد الحضارات.

لهذا يحوطهم الإسلام الحنيف بالعناية و الرعاية، منذ نعومة أظافرهم إلى أن يصيروا شبابا. ونحن إذا تأمّلنا ما جاء به هدي النبي صلى الله عليه و سلم في تربية الأطفال و تنشئتهم، لوجدنا النبي صلى الله عليه و سلم قد وضع أحسن مبادئ التربية و أقوم أساليبها، التي تفوق أساليب التربية الحديثة.

عباد الله : اعلموا أنّ كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه  وهذا المولود الجديد تلزمه مرتكزات أساسية، و مبادئ و قيم و مفاهيم معينة حتى ينمو النمو المتكامل السليم، فلا يعقل أن يحرص الآباء على تأمين حاجيات الابن من أكل و شرب و ملبس و علاج، ويتناسون الجانب الديني، والاجتماعي المهم في حياة الطفل فضلا عن التربية العقلية السليمة و طرق تنميتها.

فهؤلاء الأبناء أمانة في أعناقنا يقول النبي صلى الله عليه و سلم : " كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته، الأمير راع و الرجل راع على أهل بيته، و المرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلّكم راع و كلّكم مسؤول عن رعيّته " متفق عليه.

فالمسؤولية اتّجاه الأبناء جد كبيرة و العبء ثقيل، و هذا كله من باب التنبيه و التذكير قال تعالى: { و ذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين } والتبشير بما أعدّ الله للمتقين في صبرهم على حسن تربية أبنائهم، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت : جاءتني امرأة و معها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إيّاها، فأخذتها فقسمَتها بين ابنتيها و لم تأكل منها شيئا، ثم قامت فخرجت و ابنتيها، فدخل عليّ النبي صلى الله عليه و سلم فحدّثه حديثها فقال النبي صلى الله عليه و سلم " من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له سترا من النّار" متفق عليه.

معشر المسلمين، إنّ كثيرا من الآباء لا يراعون حقوق أبنائهم في العدل بينهم في العطاء والمنع فيفضّلون بعض الأبناء على بعض ممّا يؤدي إلى ظهور التحاسد بين الأبناء وقد يؤدي إلى كراهية الأبناء بعضهم لبعض، أو كراهية الأبناء لآبائهم، قال صلى الله عليه و سلم " اتقوا الله في أولادكم " متفق عليه. كان الناس في الجاهلية يفضّلون الذكور على الإناث، و ربما كان الفراق بين الزوجين بسبب إنجاب البنات وكأن المرأة هي التي تتحكم.

في ذلك قال تعالى " للّه ملك السموات و الأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء الذكور أو يزوّجهم ذكرانا و إناثا و يجعل من يشاء عقيما إنّه عليم قدير" [الشورى 49].

و روى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر أن رجلا كان عنده بنات، فتمنى موتهن فغضب ابن عمر فقال : أنت ترزقهن ؟

عباد الله : إنّ للأبناء حقوقا علينا، بيّنتها شريعة الإسلام و سنّة النبي المختار، و من حقوق الأبناء على الآباء.

أوّلا : أن يختار له أما صالحة، لقول النبي صلى الله عليه و سلم " تخيروا لنطفكم " رواه ابن ماجة و الحاكم. و لقوله صلى الله عليه و سلم " تنكح المرأة لاربع لمالها و لحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه.

ثانيا : التعوّذ بالله من الشيطان الرجيم، إذا أتى أحدكم أهله حتى لا يشارك الشيطان في نطفة الولد، و هذا عملا بقول النبي صلى اله عليه و سلم " لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله اللهم جنّبنا الشيطان و جنّب الشيطان ما رزقتنا، فإن قضى الله بينهما ولدا لم يضرّه الشيطان أبدا ".

ثالثا : أن يؤذّن في أذنه اليمنى و يقيم الصلاة في أذنه اليسرى لقوله صلى الله عليه وسلم " من ولد له مولود فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تَضُره أم الصبيان" رواه أبو داود والترمذي.

رابعا: أن يتخير لابنه اسما حسنا.

يقول سبحانه وتعالى : "رب إنّي وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكرُ كالأنثى وإني سيمتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم"  [آل عمران: 35].

ويقول تعالى : " لم نجعل له من قبل شيئا" [ مريم:06].

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم" (رواه أبو داوود).

وخير الأسماء ما عُبد وحُمد، عن أبي عمر رضي الله عنهما قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنّ أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" رواه مسلم.

ومن السنة أن يسمّى المولود يوم ولادته أو في اليوم السابع من ولادته.

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم" (رواه مسلم).

ويسمّى في اليوم السابع من ولادته، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه والعَقْ" رواه الترمذي.

خامسا: ومن حقوق الأبناء على أمهاتهم، الرضاعة الطبيعية يقول سبحانه وتعالى : " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" [البقرة:232].

قال كثير من علماء المسلمين أنه يجب على الأم المستطيعة أن ترضع ولدها من لبنها لأن الولد لا يقوى وتشتد بنيته إلا به، فهو بحق الغذاء الأفضل والأنسب للابن.

ففي الأيام الثلاثة الأولى يفرز ثدي الأم اللبأ وهو سائل خفيف أصفر يحتوي على كميات مركزة من البروتينات السهلة الهضم والمواد المحتوية على مضادات الجراثيم والميكروبات فالرضاعة تقلّل من احتمال إصابة الأم بسرطان الثدي، فهي المناعة الطبيعية للطفل وهي الحنان والعاطفة والاستقرار النفسي والعقلي، والرضاعة الصناعية هي إهدار للمال والصحة والوقت.

سادسا: أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر يقول سبحانه وتعالى : "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها النّاس والحجارة..."[ التحريم:06].

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" (رواه أبو داوود).

سابعا: حسن تربيتهم وتأديبهم وتعليمهم وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة لأن الأخلاق من الإيمان في ديننا الحنيف : والمتمسكون بالأخلاق الحميدة هم عند الله من خيار الناس . عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا وكان يقول  " إن خياركم أحسنكم أخلاقا".

فالتمسك بالأخلاق وقاية للأبناء والبنات من مهاوي الشياطين والانحرافات المهلكة التي تؤدي بأصحابها إلى الهاوية وتدعوهم إلى التمسك بالفضيلة والقيم النبيلة، يقول تعالى : ((ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم)) [آل عمران : 101].

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت         فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فعلينا أن نرشد أبناءنا إلى الصدق والأمانة والحلم والصفح والتواضع والشجاعة ومجالسة أهل العلم وأن ننهاهم عن الكذب ومجالسة أهل البطالة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن" رواه الترمذي. النحلة : العطيّة والهبة.

ثامنا: حقهم في اللعب يقول تعالى (( أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب وإنّا له لحافظون))[يوسف: 12].

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم  قوله :" الهوا والعبوا، فإني أكره أن يرى في دينكم غلظة" (شعب الإيمان للإمام البيهقي).

وقد كانت عائشة رضي الله عنها تلعب مع البنات عندما كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب أبناء المسلمين.

روى الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يديه أو في حجره فقلت يا رسول الله أتحبهما؟ فقال : "وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمها".

فاتقوا الله عباد الله: وأدوا حقوق أبنائكم، لأنك إذا أديت حقهم وربيتهم أحسن تربية ينعكس ذلك عليكم من بر وطاعة والأبناء ورثة آبائهم طباعا وآثارا، كما تحبُ أن يكون أولادك كن أنت كما تريد.

ينشأ الصغير على ما كان والده   إن العروق عليها ينبت الشجر

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه تجدوه غفورا رحميا.

الخطبة الثانية:

الحمد الذي أمرنا بالبر والإحسان وجعل الإحسان إلى البنين والبنات من أحّب الواجبات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد الفرد الصمد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله السابق إلى كل خير وإحسان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا ثم أما بعد:

عباد الله : إن المساجد لها دور فعال في تربية الأولاد ففيها يتعلم الطفل أسلوب الحوار والنقاش والسؤال والجواب، والسكينة والوقار، والذّكر وتلاوة القرآن، والتعاون والتراحم والتكافل بين أفراد المجتمع، كما أن تنمية الوازع الديني والمواطنة، ودعم الروح الإيمانية والأخوية تتم في بيوت الله يقول تعالى : " إنّما المؤمنون إخوة" [الحجرات: 9].

عباد الله : قيل لرجل: أي ولدك أحب إليك؟

قال : " صغيرهم حتى يكبر... ومريضهم حتى يبرأ... وغائبهم حتى يحضر".

فاتقوا الله في أولادكم فإن من الأبناء من يأتي برّه وخيره بعد ممات الوالد ويكون في هذه الحالة أحوج ما يكون إلى البر والخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم وغيره.

وصلوا على النبي المختار، كما أمر بذلك العزيز الجبار حين قال في كتابه : " إنّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" فأكثروا عليه من الصلاة يعظم لكم أجرا.

إعداد بلقاسم بن زيان – إمام مدرس

الصنف