اللعب بالنرد

 03-04-2004 
سائل - الجزائر 
المفـتي:الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف 
 
السؤال:
هل اللعب بالنرد ينقض الوضوء ؟
 
الجـواب:
جاء في الحديث الشريف التشديد على لاعب النرد منصوصا عليه، فمن ذلك ما رواه ابن ماجه وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم:"من لعب بالنردشير فقد عصى الله ورسوله"(1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يلعب النرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم ويصلي"(2). على أن هذا التشبيه إنما هو للتغليظ والزجر عن تعاطي هذا النوع من اللعب، وليس معناه أن اللاعب به ينتقض وضوؤه به، إذ لم ينص عليه أحد من أئمة الفقهاء ولم يرد في نواقض الوضوء لأي فقيه كان. ولعل تشديد النبي صلى الله عليه وسلم فيه لعلة خفية فيه خاصة كانت مراده صلى الله عليه وسلم فيه، بدليل أن هناك ما يضاهيه وهو الشطرنج فلم يرد عنه صلى الله عليه وسلم مثل هذا التغليظ، ومما ورد فيه عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن الشطرنج فقال: "هو شر من النرد" (3). قال الفقهاء: واللعب بالنرد حرام فكذلك الشطرنج، فظاهر التشبيه هو في الحرمة، ويدفع هذا الظاهر ما ثبت عن جماعة من الصحابة والتابعين من اللعب به ـ الشطرنج ـ وتجويزه، فقد روى الصعلوكي تجويزه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأبي اليسر وأبي هريرة والحسن البصري والقاسم بن محمد وابن قلابة وأبي مجلز وعطاء والزهري وربيعة بن عبد الرحمن وأبي الزناد رحمهم الله تعالى، والمروي عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب الفقه. وقد روى الصولي في جزء جمعه في الشطرنج أن أبا هريرة وعليَّ بن الحسن زين العابدين وسعيد بن المسيِّب ومحمد بن المنكدر والأعمش وخارجة ـ أحد القضاة ـ وعكرمة وأبا إسحاق السبيعي وإبراهيم بن سعد بن طلحة بن عبد الله بن معمر، كان هؤلاء يلعبون بالشطرنج. قال الكمال الدميري (4): قال أصحابنا(5) في علة اللعب به: لأن الشطرنج فيه تدبير الحروب، فأشبهت اللعب بالحراب، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي صحيح عن اللعب به. وأقوى ما يستدل به القائلون بتحريمه رواية ابن عمر السابقة(6)، وقد عارضها ما سبق من العمل على تركها، فأفاد ذلك ضعف الأثر المروي، وهناك أثر آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بالأزلام(7) فلا تسلموا عليهم"(8). وهذا حديث ضعيف لأن في سنده سليمان اليماني، وقد قال ابن معين فيه: إنه ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، فلا تحل الرواية عنه، وقال ابن أبي حاتم: سمعتُ أبي يقول: هذا منكر الحديث لا أعلم له حديثا صحيحا(9). وفيها يظهر حتى الأحاديث الواردة في النرد أنها ليست بصحيحة، بدليل أن بعض العلماء السابقين كابن دقيق العيد كان يلعب بها مع بعض زملائه، وقد ساق الكمال الدميري قصة لعبهما به، فانظرها في المادة المذكورة، والله أعلم بالصواب. --------------------- (1) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (2/958) [كتاب الرؤيا/باب ما جاء في النرد]، رقم 6. وأبو داود (4/285) [كتاب الأدب/باب النهي عن اللعب بالنرد]، رقم 4938. وابن ماجه (2/1237 ـ 1238) [كتاب الأدب/باب اللعب بالنرد]، رقم 3762. والحاكم [كتاب الإيمان] (1/50). (2) أخرجه ابن ماجه (2/1238) [كتاب الأدب/باب اللعب بالنرد]، رقم 37363، بلفظ: "من لعب بالنرد شير، فأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه". (3) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى] (10/212) (4) وهو الذي نقلت النص عنه من كتاب حياة الحيوان الكبرى [الشيخ محمد شارف]. (5)ـ يقصد الشافعية لأنه كان شافعيا. [الشيخ محمد شارف]. (6) وهي قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عنه: "هو شر من النرد". (7) أي الشطرنج والنرد. [الشيخ محمد شارف] (8) انظر كنز العمال للتقي الهندي (15/216)، رقم 40644. ورواه الديلمي عن أبي هريرة في فردوس الأخبار بمأثور الخطاب، وبهامشه تسديد القوس على مسند الفردوس لابن حجر العسقلاني (1/160) رقم 1051. وقال ابن حجر: أسنده عن ابي هريرة وفيه سليمان بن داود اليماني. ولفظ الحديث كما ورد عند الديلمي: "إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام والشطرنج والنرد وما كان من هذه، فلا تسلموا عليهم، فإن سلموا عليكم فلا تردوا عليهم". (9) انتهى نص الكمال الدميري في كتابه حياة الحيوان الكبرى (6/120)، بهامش كتاب عجائب المخلوقات للقزويني في مادة "العقرب". [الشيخ محمد شارف]
 

الصنف