الصوم وفوائده من الناحية العلمية والصحية والنفسية والعضوية

 الخطبة الأولى:الحمد لله الذي أسعد من هداه للإسلام وجعل من أعظم أركان الدين فريضة الصيام، وخص الصائمين بمزيد من البر والإكرام، أحمده على هدايته، ( و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خص رمضان بالصيام وتنزيل القرآن فقال : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس  وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أطاع ربه وقام على قدم الاستقامة، وأتحفه بلواء الحمد في عرصات القيامة   أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون:

- إن للصوم مكانة علمية وفوائد صحية وعضوية ونفسية لقد ثبت علميا أن الطب الحديث يؤكد أن للصوم فوائد عظيمة، ويعتبر من أهم الفوائد الفعالة، والوسائل المساعدة في وقاية الإنسان، في كثير من الأمراض التي يشعر بها وقد لا يعرف لها دواء، مع العلم أن الصوم يعالج الأمراض العضوية والنفسية، كما أنه ينظم اضطرابات المعدة، وينظم ضغط الدم، ويحد من التهابات الكلى، ويخفف من أمراض القلب، بالإضافة إلى ذلك أنه عندما تخفف نسبة الماء في الدم تتحسن معظم الأمراض الجلدية وتزداد مقاومة الجند لها – أما من الناحية النفسية، فالصوم هو أفضل طريق إيجابي، لبعث الأمن والأمان في نفوس الأمة المسلمة، إذ لا رقيب على الصيام إلا الصائم وضميره أي يعلم أنه لا رقيب على صومه إلا هو والله الذي يعلم ما تخفي الصدور وبما أن المسلم يعلم ذلك فيترك كل ملذات الحياة مختارا طائعا، حبا في الله وخوفا من عقابه ولا يمنعه عن ذلك إلا إيمانه بالله سبحانه وتعالى.

- فالصوم إذا يكون في الإنسان فضائل حميدة كثيرة ومتعددة، لا توجد في غيره من العبادات الأخرى، زيادة عن الجزاء من الله الذي لا قيمة له إلا الجنة، كما جاء في الحديث القدسي، عن الرسول  الذي قال الله، " فالصوم لي وأنا أجزي به" وهذا ما يدل على قيمة الصيام عند الله، فالعبادات الأخرى لم يقل الله هي لي إلا الصوم لأن العبادات الأخرى يروتها الناس، أما الصوم لا يعلم صحته إلا هو يمكن أن يكون الإنسان صائم لا يعلم صومه إلا الله وحده، والإنسان مع ضميره وتصرفاته.

- فالصوم هو مجال تقرير الإرادة العارمة، ومجال اتصال الإنسان بربه، اتصال الطاعة والانقياد كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها، وهو عنصر من عناصر إعداد النفوس لكي تتحمل مشقات الطريق الطويل والصعب، والمفروش بالعقبات والأشواك، لا يمكن المرور منه بالسهولة ولا حتى في الحسبان – لأن الإنسان لا يعلم ما ينتظره في ذلك الطريق، وإلى جانب ذلك ما يكشف عنه على مدار الزمان، من آثار نافعة لوظائف الأبدان الحسية التي يشعر بها الإنسان وهل يمكن له تجاوزها.

- ما هي الحكمة الأصلية في الصوم، أهمها: إعداد هذا الكائن البشري لأخذ دوره الكامل الذي أعد له في هذه الأرض، ثم تهيئة للدرجة والمكانة المقدرة له في الحياة الأخرى، ثم بالإضافة إلى ذلك القيام بما يفرض عليه وما يوجه إليه من أوامر إلاهية، وما فيها من فوائد نافعة.

- إن الله سبحانه وتعالى خلق الأنفس البشرية، وهو مدير أمرها ويعلم سرها ونجواها كما أنه يعلم أن التكاليف لا تستجيب لها بسهولة، أمر تحتاج فيه إلى عون ودفع وقوة الإرادة، لتنهض وتستجيب له، ومهما يكون فيه من حكمة ونفع لابد من دفعها ومساعدتها حتى تقع وترضى لتكون مستعدة الإجابة والقيام بما طلب منها وتلك هي الصعوبة التي يتلقاها الإنسان عندما يعرض عليه أمر فيه تكاليف واجب القيام بها فرضا، وغير مخير وهو يجعل الإنسان في حيرة من أمره، والله سبحانه وتعالى عطوف على عباده ويحبهم خاصة الذين آمنوا به وبرسوله، فتجد يمهد الطريق بكل الوسائل المساعدة على تقبل النفس ذلك الأمر، وتصبح طائعة راضية مرضية لأمر الله، بعدما عمرها وهداها إلى التقوى التي تنبعث من القلوب المؤمنة التي تحرسها من أن تفسد عليها صومها بالمعاصي وارتكاب الذنوب، مهما كان نوعها أو حجمها، فالصوم تتطلع به أرواح المؤمنين إلى حضرة الخالق في أعلى عليين، لتنال المرتبة العليا عند الله، وليحصل كل ذلك بواسطة الإيمان والتقوى، كما قال تعالى: ( لعلكم تتقون ) ولقوله : ( لعل، ) لأن الطريق صعب وبه منعرجات كثيرة، قد لا يضل إلى ما يريد ويرغب في الو صول إليه، بأمان وسلامة ولذلك يحذر الإنسان عن إفساد عمومه، عن كل صغير وكبيرة، و ذلك ما يضر الإنسان إلا نفسه لأن الله غني عن الصوم وعن كل ما يقوم به الإنسان من عبادات، ومع ذلك أن الله يحب الخير لعباده رحيم بهم خاصة المؤمنين منهم فهو يرفع عنهم الحرج، ويدفع عنهم الضرر لقوله تعالى : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، ).

- وبما أن الله لا يريد بنا العسر، وتلك هي محبة الله لعباده المؤمنين، ولما فرض عليهم الصوم، وسهله لهم وأعد أنفسهم له، قال لهم، أياما معدودات في السنة كلها، وليس هو الجوع والعطش، بل فيه الخير الكثير من المنافع في الدنيا، وقد تكلمنا عنها من الناحية الصحية والنفسية وغيرها، ثم الناحية الاجتماعية، وخير الصيام عند الله فهو أعم وأشمل ولا يمكن حصر أجره شريطة أن يكون سالما من كل الشوائب التي تفسده، لأنه ليس لكل من يقول إني صائم فهو صائم حقا فالمطلع على القلوب هو حده الذي يعلم صحة الصيام أو فساده ليكون الجزاء من صنف العمل.

أولا: الله يجازي العبد عن الاستجابة عن النداء وانضمام الإنسان إلى صف المؤمنين الذين استجابوا لله وللرسول.

ثانيا: جزاء عن الطاعة لأنه كان طائعا مرضيا.

ثالثا: الجزاء عن الصبر لكل الشهوات والملذات.

رابعا: الجزاء عن ترك المعاصي بكل طوعية نهيك عن الفوائد التي يتركها الصوم على الإنسان نفسه وعلى المجتمع الذي يعيش فيه.

-      إن الله سبحانه وتعالى استبعد الخلق الذي خلقهم بثلاث أشياء وهم:

1-           الحياة أن وهبهم الحياة في هذه الدنيا.

2-           أعطاهم العقل والإدراك ليعرفوا ما يفعلون بكل إدراك وإحساس.

3-           القوة بما يستطيع القيام بكل تتطلبه الحياة منه لكل الأشياء وفي كل الحالات فإن خاف العبد على ضياع واحدة منها، أو اثنين وخاصة الحياة والعقل عليه بالصوم، فإنه يصلح حاله ويقوي إرادته ويثبت عقله، ويصبح متزن.

إذا فالصوم لمدة شهر كامل فهو لا شك أنه يدرب الإنسان على التعود على مقاومة شهوات النفس والسيطرة عليها، والله سبحانه وتعالى هو أرفق بعباده الذين خلقهم من أنفسهم، وهو أعلم بهم وبما توسوس به أنفسهم، وهو الذي فرض عليهم الصيام لفائدتهم، وليس عقوبة لهم ولما كان للصوم فوائد كبيرة لمخلوقاته، الذين يجهلون تلك الفوائد، ولما كان الله أعلم بمصلحتهم فرضه على كل الأمم الغابرة والسابقة على مر الأزمنة والعصور ولم يحض به أمة دون غيرها، لأنه اختبار للعبودية الكاملة له، و ذلك لقوله تعالى : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ).

أيها الإخوة المؤمنون: هذه أبواب رمضان ستفتح فلنتهيأ للدخول في رحاب الله بتوبة نصوح، وإنابة خالصة، واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على أعدائكم فاتقوا الله عباد الله، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون.

1- إن الصوم يترك في الإنسان صفاء القلب، وإيقاظ البصيرة كما يقولون، إن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب.

2- إن الصوم يورث رقة القلب، وهو الذي به يتهيأ لإدراك المثابر، والتأثير بالذكر والخشوع، الذكر الذي يجري على اللسان مع حضور القلب، وإذا كان القلب غائبا لا يتأثر ويكون بنية حجاب من القساوة.

3- إن النفس لا تذل ولا تفسر بشيء، كما تذل بالجوع، ولذلك كاد الصوم هو دواؤها، ويجعلها تمسكن لربها وتخشع له.

4- يقولون إن البطن والفرج أبواب من أبواب النار، إذا للنفس رغبته، وإذا المعدة أمليتها ابتعدت عن الله وإذا أعكستها وخالفتهما، وجعلت دواءهما هو الصوم فقد نجحت، ويكون ذلك هو أزكى وأطهر.

5- إن الصائم لا ينسى عقاب الله وعذابه ثم إن الشبعان لا يفكر في الجوع، ولا في الجائع ومثال ذلك قيل ليوسف عليه السلام لم تجوع وفي يدك خزائن مصر، فقال : "أخاف الله فإن شبعت أنسى الجائع".

6- إن الصوم يتسبب في كسر شهوات المعاصي كلها والاستعلاء على النفس الأمارة بالسوء لأن منشأها المعاصي وحب الشهوات وإتباع النفس وتقويتها ومادة لقوة الشهوات والصوم يضعف كل ذلك وسعادة الإنسان هو أن يملك نفسه عن شهواتنا والتقلب عليها.

7- قالت السيدة/ عائشة رضي الله عنها إن أول بدعة حدثت بعد الرسول   rهي الشيع والترف، إن القوم، إذا شيعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى الدنيا.

8- إن الصوم يدفع النوم، إن من كثر أكله وشرابه، كثر نومه، وفي كثرة النوم مضيعة للعمر، والغفلة عن العبادة والعمر هو رأس مال الإنسان، وبسبب كثرة  النوم تضيع الكثير من المصالح للدين والدنيا.

9- إن كثرة الأكل واختلاط الأطعمة في المعدة يسبب لها الأمراض، قد تكون أمراض حادة يصعب على الإنسان التخلص منها.

10- الصوم محمود والأكل الكثير مذموم، وقال أحد العلماء: الأكل الكثير مذموم في ثلاث أحوال إن كان من أهل العبادة فيكسله ويؤخره عن عبادته، وإن كان مكتسبا أي عاملا فلا يسلم من الآفات وإن كان من أهل الحكم والعدل فلا ينصف في حكمه.

11- إن الصوم يدفع الإنسان إلى الإيثارة والتصدق بما أنعم الله عليه، ويتذكر أنه سيكون يوم القيامة في ظل صداقاته، وذلك مصداقا لما ورد في الخبر عن الرسول قال رسول الله  صل الله عليه وسلم  :" كل أمرئ يوم القيامة في ظل صداقاته يوم لا ظل إلا ظله".

الخطبة الثانية:

الحمد لله تفضل على الصائمين بتوفيه الأجور، وجعل الصيام جنة من سهام الفجور فقال تعالى: ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ) أحمده تعالى على أن هيأ لنا أسباب النجاة يوم النشور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، فقال تعالى : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله r  ، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون الكرام.

- تأملوا قول الله سبحانه وتعالى إذ يقول : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) أي تتقون عن جميع المعاصي، وابتعاد النفس عن الشهوات، ويصبح الصوم وقاية للنفس والروح والجسم، وهذا مصداقا للحديث النبوي الشريف، الذي رواه أبو داود البخاري في مسنده الذي قال : " الصيام جنة" أي وقاية من كل الذنوب، كل ما يقع فيه الإنسان من محرمات تفسد علاقاته مع الله ومع الناس، والاستمرار في الصيام لمدة شهر كامل يكون الامتنان قد تعود على السلوك الحسن والخصال الحميدة، ومن غير توجيه من أحد، ويقوي في الإنسان الإرادة العزيمة في التغلب عل كل مصاعب الحياة.

إن من علامات الإخفاق في الامتحان، ما يظهر من مشاكسات، وتشنج أعصاب ونزعات، وسب وبذاءة لسان، في عمليات البيع والشراء وفي تعامل الزوج مع زوجته، وفي علاقة الإداري بالمواطن إن ما يظهر من هذه التصرفات، هو تعبير عن عدم الاستعداد لتحمل المواقف الذاتية، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله r  قال الله عز وجل : ( الصيام جنة فإذا كان  يوم صوم أحدكم فلا يرفت ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم ) .  

فلنفتح عباد الله المجال للتوبة، وليتقبل على الجنة بيقين صادق، وثقة في الله، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله  صل الله عليه وسلم:" إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" فاتقوا عباد الله.

                                                                                                        بقلم   الأستاذ: يوسـف العجـري