الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة الشؤون الدينية والأوقاف
اللجنة الوزارية للفتوى
الجمعة 4 ذي الحجة 1441هـ الموافق 24 جويلية 2020م
البـيـان رقم 21
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاَة والسلام على سيِّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
فما يزال العالم يعيش هذه الأوضاع الصعبة التي أفرزها التزايد في انتشار جائحة فيروس كورونا، بما خلّفته من خسائر بشرية ومادية، وآثار نفسية واجتماعية، وما كان للمجتمع الجزائري إلا أن يواجه هذا الوضع بقيم التضامن والتكافل والتعاون الأصيلة، مع الهبة المتميزة للأسرة الطبية التي أعلنت من أول لحظة استعدادها للوقوف في مواجهة هذا الوباء، فلها من الله الثواب والأجر، ولها من كل المواطنين الاعتراف والشكر.
واستمرارا من اللجنة الوزارية للفتوى في مرافقتها الفقهية لأفراد المجتمع، انطلاقا من نصوص الشريعة الإسلامية السمحة وقواعدها ومقاصدها، وبعد اجتماعاتها وتشاورها بمختلف الوسائل والوسائط المتاحة، تُبين ما يأتي:
أولا ـ بخصوص صلاة عيد الأضحى المبارك: تؤكّد اللجنة ما جاء في بيانها الرابع عشر (14) بخصوص صلاة عيد الفطر، وتفتي بما يأتي:
1 ـ تُؤَدَّى صلاةُ عيد الأضحى في البيوت، بدون خُطبَةٍ، جماعةً بينَ أفراد الأسرة الواحدةِ أو فُرَادَى، وذلك بعدَ نحوِ نصفِ ساعة من شروق الشّمس مع مراعاة الاختلاف في التوقيت بين مختلف مناطق الوطن، ويمكنُ أداؤها لأصحاب المداومات في أماكن العمل في حدود المتاح لهم، وذلك تعظيما لهذه الشعيرة وتحصيلا لثوابها وبركتها، فهي سنّة مؤكدَّة داوم عليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ركعتان، يُكبَّر في الأولى سبع تكبيرات بما فيها تكبيرة الإحرام، وفي الثانية ستُّ تكبيرات بما فيها تكبيرة القيام، ويُقرَأُ في كل ركعة بالفاتحة مع سورة جهرا. ولا تذبح الأُضحية إلا بعد أداء صلاة العيد، مع ضرورة التقيد بكل الإجراءات الوقائية المطلوبة.
2 ـ يُستحَب التّكبير والتسبيح والتّهليل في العيد إعلانا لذكر الله وشكره، وهو مشروع بشكل فردي وجماعي للنساء والرجال، وتدعو اللجنة إلى رفع التسبيح والتكبير والتهليل من مكبّرات الصوت في المساجد، وفي البيوت، لاستشعار معاني العيد وأجوائه، ولزرع الفرحة والبهجة بهذا اليوم السعيد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ». [أبو داود والترمذي والنسائي والإمام أحمد، وهو صحيح].
3 ـ يُندَبُ لكلِّ مُصلٍّ أن يكبِّر بعد صلاة الفريضةِ، سواء صَلَّى منفردا أو في جماعة مع أسرتِه، وذلكَ من صلاة الظهرِ من يومِ العيد إلى فجرِ اليوم الرّابع، لقوله تعالى: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ} [البقرة : 203]، وهو الذي جرَى عليه عملُ أهل المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، قال الإمام مالكرضي الله عنه في الموطأ: ((الأَمْرُ عِنْدَنَا: أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ. وَأَوَّلُ ذلِكَ... دُبُر صَلاَةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَآخِرُ ذلِكَ دُبُر صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)).
ثانيا ـ التنافس على العمل الصالح، وبذل المعروف، وفعل الخيرات والمبرات، فهي من أعظم الأعمال الصالحة في هذه الأيام الأولى من شهر ذي الحجة، ومن ذلك تجديد التوبة والاستغفار، والتسامح والتراحم والتعاون والتكافل، وقراءة القرآن والذكر والدعاء والتكبير، قال الله :{لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج : 28] ، مع الإكثار من نوافل الصلاة والصدقة والصيام وخصوصا يوم عرفة، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ» [مسلم]. وهي أفضل أيام الدنيا، يتضاعف فيها الأجر والثواب، ويتجلّى الله فيها على عباده بمزيد من فضله ورحمته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ» [الترمذي، وهو صحيح].
ثالثا ـ بخصوص الالتزام الصارم بالإجراءات الوقائية: تؤكد اللجنة الدعوة للالتزام بكل الإجراءات الوقائية التي أجمع عليها أهل الخبرة والاختصاص، لأنها وسيلتنا في حفظ الحياة، ومواجهة هذا الوباء. وسعيا إلى أن تجسيد شعار "مِنْ أَجلِ أُضْحيَةٍ بلاَ عَدْوَى"، فلابد من التذكير بأسباب الوقاية، ومن ذلك:
1 ـ الالتزام الصّارم بشروط الأمن والسّلامة والنّظافة في أجواء العيد.
2 ـ الحرص على تعقيم أدوات الذَّبح والسّلخ، واجتناب تبادلها، والتّقليل من عدد المشاركين في عملية الذبح، اتقاءً للمرض وأسباب العدوى.
3 ـ الالتزام باستعمال القناع الواقي في حياتنا اليومية، لاسيما في المراحل المتصلة بالأضحية، إلى أن يأذن الله برفع هذا الوباء، والعودة إلى الحياة العادية، ومن ذلك إعادة فتح المساجد، وذلك يستدعي منا اللجوء إلى الله بالضراعة والدعاء، مع الالتزام الكلي بالإجراءات الوقائية.
4 ـ الحرص على قواعد التباعد الاجتماعي، وتفادي التّجمُّعات، والزّيارات العائليّة، وكذا زيارة المقابر، واجتناب المصافحة والتقبيل، والاكتفاء بالسلام والإشارة.
اللهم اسلكْ بنا سبل الخير، ووفقنا لما تحبه وترضاه، وأنزل علينا تجليات رحمتك ومغفرتك وكرمِك في هذه الأيام المباركات، تصلح بها أحوالنا، وترفع بها هذا الوباء عنا، وتلبسنا فيها لباس السلام والأمن والعافية في ديننا وأوطاننا وأنفسنا وأهلينا.
وصلَّى الله وسلّم على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.