حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم

الخطبة الأولى:

        الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، فأرشد به عقول الحائرين وأحيا به قلوب الميتين ، وأنار به الطريق للسائرين . فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن اهتدى بهديهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين. أما بعد:

        أيها المؤمنون والمؤمنات: قال المولى عز وجل في محكم آياته: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلال مُبِينٍ)) [آل عمران: 164].وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: "والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم (أهل الكتاب) عن شيء فيخبروكم بحق فتكذّبوا به أو بباطل فتصدّقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى - عليه السلام- كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني" فعلى ضوء المنن الربانية والنفحات النبوية وتزامنا مع شهر المولد النبوي الشريف. نريد أن نتكلم عما ينبغي أن يدركه المسلم من حقوق وآداب وأخلاق مع النبي صلى الله عليه وسلم.

        أيها المؤمنون والمؤمنات: إن حقوق وآداب وأخلاق المسلم مع نبيه صلى اله عليه وسلم كثيرة متعددة إلا أننا نذكر ثلاثا منها لها أثر بالغ في صبغة شخصية المسلم.

فأول هذه الحقوق والآداب وجوب محبته صلى الله عليه وسلم فمحبته فرع من كمال محبة الله فلا تتم محبة الله إلا بمحبة رسوله وتقديمها على محبة النفس والأهل والولد، وقد تظافرت النصوص القرآنية والنبوية على تأكيد المقصد التشريعي قال تعالى في محكم تنزيله: ((قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)) [التوبة:24] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه فيما رواه الإمام البخاري "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر  كما يكره أن يقذف في النار" وفي رواية أنس "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" وقال عبد الله بن هشام: كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبّ إليك من نفسك" فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحبّ إليّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر". وجاء رجل من الأنصار يسأل عن الساعة فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أعددتَ لها" قال : ما أعددتُ لها من كثيرِ صلاةٍ ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: "أنت مع من أحببتَ".

        وجاء في سيرة ابن إسحاق أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما فعل رسول الله ؟ قالوا خيرا هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرينه حتى أنظر إليه ، فلمّا رأته قالت من شغف حبّها لرسول الله : كل مصيبة بعدك يا رسول الله تهون.

        ثم أيها المؤمنون والمؤمنات: إن مقتضى المحبة الصادقة الطاعة والامتثال لكل أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا كان حب المرء لرسول الله إنما هو مجرد كلمات تلوكها الألسن لا رصيد لها من الحقيقة والواقع. قال الحق جل وعلا على لسان نبيه: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللهُ غفورٌ رَحِيمٌ)) [آل عمران: 31] . وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْاعَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَاوَهُمْ لا يَسْمَعُونَ .
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّالْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) [الأنفال: 20-22ولله در الشاعر حيث قال:   

                       تعصي الإله وأنت تظهر حبه     هذا لعمري في القياس بديع

                         لو كان حبك صادقا لأطعته     إن المحـب لمن  يحب مطيع

 ثانيا: من الحقوق والآداب مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته أن يتحاكم الناس إلى منهجه وسنته فما كان منها ثابتا صحيحا في سنده، صريحا في لفظه وجب على المسلمين جميعا التسليم له والرضى به وإن خالف ما تهواه النفس وتميل إليه. قال تعالى في محكم آياته: ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)) [النساء: 65] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه بسنده "يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدّث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل ما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه ألا وإن ما حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرّم الله" . وقد جاء في سنن ابن ماجه عن محمد ابن شهاب شيخ الإمام مالك : عن عبد الله بن عمر( وكان أشد الناس حبا لرسول الله) حدث أبناءه أن رسول الله قال : " لا تمنعوا إماء الله أن يُصلينَ في المسجد" فقال ابن لَهُ إنا لَنمنعهن. فغضب غضباً شديداً وقال أُحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تقولُ إنا لنمنعهن؟. وزاد الإمام أحمد فما كلمه عبد الله حتى مات . وعن قبِيصة بن ذؤيب فيما رواه  ابن ماجه أن عبادة بن الصامت الأنصاري غزا مع معاوية أرض الروم  فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير وكسر الفضة بالدارهم فقال يا أيها الناس  إنكم تأكلون الربا  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: "لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مِثْلا بمِثْل لا زيادة بينهما ولا نَظِرة" فقال له معاوية يا أبا الوليد لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نَظِرة فقال عبادة: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن رأيك لئن أخرجني الله لا أساكنُك بأرض لك علي فيها إمرة فلما قفل لحق بالمدينة فقال له عمر بن الخطاب ما أقدمك يا أبا الوليد فقص عليه القصة وما قال من مُساكنتِه فقال أرجع يا أبا الوليد إلى أرضك فقبح الله أرضا لست فيها و أمثالك وكتب إلى معاوية لا إمرة لك عليه واحمل  الناس على ما قال فإنه هو الأمْر".هكذا كان السلف الصالح يعلمون الناس حب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الآداب الثالث وهو ما يستصغره ويغفل عن الكثير؛ وجوب  الصلاة عليه: فالصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم بالكيفيات الثابتة والوارد عنه ليس أيها الأحبة من نوافل العبادات بل هي من الواجبات ومع ذلك يتكاسل ويستهين عامة الناس بها . قال تعالى مؤكدا على هذا المعنى ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))[الأحزاب:56 ] فظاهر هذه الآية تفيد وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذاً هي عبادة مستقلة . قال الإمام الشوكاني : "واعلم أنه قد ورد في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة لو جمعت لجاءت في مصنف مستقل " . ولو لم يكن منها أيها المؤمنون إلا قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام الترمذي  في جامعه " من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا" لكفت من كان يبحث عن الفضل والخير،ومعنى صلى الله عليه وسلم، أي رحمه وضاعف أجره.

الخطبة الثانية:

        الحمد لله وكفى وصلاته وسلامه على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وسار على نهجه إلى يوم الدين ، أيها المؤمنون والمؤمنات: قال تعالى في محكم آياته: ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌمِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْبِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [التوبة:128] وقال: ((إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا)) [الأحزاب : 57 ].

أيها الأحبة: إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم في قلوبنا وطاعتنا له في حياتنا وتمسكنا بسنته ومنهجه لهو أفضل وسيلة للتعبير عن حبنا له وللدفاع عن أية إساءة يحاول أعداء الإسلام بها النيل من شخصه أو مقام النبوة.فكونوا في مستوى هذا الدين وهذا النبي الرؤوف الرحيم بأمته وعلموا أبناءكم سيرته وشمائله وأخلاقه و آدابه تسعدوا في الدنيا وتفوزوا في الآخرة.

        فاللهم ارزقنا حبك وحب نبيك صادقا خالصا لا سمعة فيه ولا رياء تبلغنا به جنتك وتسقينا به من حوض نبيك وتعيننا به على إصلاح أنفسنا وأهلينا ومجتمعنا.

بقلم  الإمام: مكداش بوجمعة ،خطيب بمسجد عبد الرحمن بن عوف بالعين الصفراء- النعامة

       

 

الصنف