العمل واجب وشرف

 

 

 

 

الخطبة الأولى :

الحمد لله الذي جعل العمل عبادة يؤجر عليه صاحبه في الدنيا والآخرة ، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيئ قدير وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله ، بعثه الله هاديًا ورحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :

فيقول الله عز وجل في كتابه الكريم : ﴿  وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾ "التوبة 105 " . وقال صلى الله عليه وسلم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له » متفق عليه .

عبـاد الله : إن هدف الإسلام وغرضه في الحقيقة منصب على إصلاح هذه الحياة التي نحياها . وتوفير الأمن والإستقرار للمجتمع وأهم شيئ تقوم عليه هذه الحياة هو العمل.

فلا يمكن أن تقوم حياة بلا عمل.

لذلك فقد عظم الله من شأن العمل وأمر به وجعله بمنزلة العبادة التي يتعبد بها المؤمن ابتغاء مرضاة الله فالإنسان خلق في هذه الحياة ليعمل ، وعلى قدر عمل وكد الإنسان يكون جزاؤه و في هذا يقول الله عز وجل : ﴿ من عمل صالحًا من ذكرا وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ﴾ النحل 97

بل بلغ من إجلال الإسلام للعمل ما جاء في الأثر الذي رواه إبن عساكر عن أبي هريرة : " إن من الذنوب لا يكفرها إلا السعي في طلب الرزق.

فطلب الرزق بالعمل الحلال من القضايا الهامة في حياة الإنسان فإذا كان الرزق من عند الله ، فليس معنى هذا أن يتكاسل المؤمن بترك العمل أو يتواكل لأن الله عز وجل أمرنا بالعمل للحصول على هذا الرزق و السعي للحصول عليه فقال تعالى : ﴿ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ﴾ الملك 15 .

فالإسـلام أيها المؤمنون يمقت الكسل ويحارب التواكل ولا يريد أن يكون المؤمن ضعيفًـا فيستذل ، أو محتاجًا فيطمع ، أو متقاعدًا. فيتخلف ولقد وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية أمثلة تؤكد هذا المعنى .فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري :" ما أكل أحد طعاما قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده ". ولقد كان الأنبياء والرسل خير قدوة لنا في ذلك .

وعلى نهجهم سار الصحابة الكرام فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرى الرجل فيعجبني ، فإذا قيل لا صناعة له سقط من عيني " . وقال أيضا :" لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول اللهم أرزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فظة " وقال علي رضي الله عنه :" من مات تعبا من كسب الحلال مات والله عنه راض" وقد تعلم عمر وعلي رضي الله عنهما هذا من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم .

وكان سلمان الفارسي يحترف صنعة القفـاف ونحوها وهو أمير على المدائن فقد كان يعيش بها وكان يقول إذا سئل عن ذلك قال :" أحب أن أعيش من عمل يدي ".

فعلى هذا ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على حب العمل والتفاني في الكسب الحلال فعلمهم على أن " اليـد العليا خير من اليـد السفلى ".

عـباد الله : إن العمل وسيلة إلى استدامة النعمة وإشباع الحاجات وملء الفراغ  والقضاء على أفات الخوف والقلق والوحدة لأن هدف الإسلام في العمل ليس كسب المال والرزق فقط . تفضلا عن معاني العمل التعبدية ، فإن من غاياته تحقيق الأمن إلاجتماعي

 

 

 

 

 

بين الناس وتحقيق التوازن النفسي على مستوى الفرد والجماعة ، فكم من مجتمعات بلغت الغاية في الكسب المادي ، ولكن أفرادها ضلت حياتهم ملأى بالخوف والقلق والوحدة فالعمل يملأ هذا الفراغ الذي تملؤه هذه الهواجس في حالة البطالة وما دام هذا هو الهدف من العمل فإن الحرفة اليدوية أو العمل اليدوي لا يقل أهمية عن العمل الفكري والإداري ،لأن الهدف لدى المحترف والمفكر والعالم واحد . فخيرهم على المجتمع لا يتجزأ لذلك ، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما: "إن الله يحب المؤمن المحترف " وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفورًا له " رواه الطبراني.

ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يد تورمت من العمل فقبلها وقال : " هذه يد يحبها الله ورسوله ".

أيها المؤمنون : إن العمل واجب وشرف ، لذلك حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حين رغب أصحابه في أن يحترفوا بحرفة تغنيهم عن السؤال ويكون وسيلة لهم للعيش الكريم تحفظ لهم كرامتهم وتصون شرفهم وعزتهم فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري :" لأن يأخذ أحدكم حبلاً فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه ، خير له من أن سأل الناس أعطوه أم منعوه ".

ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكسب الطيب قال " عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور".

وإذا كان يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ، فالقرآن الكريم يحث المؤمنين فيه على العمل وطلب الرزق ، ويأمرهم بمجرد أداء الصلاة : أن يسعوا في الأرض لتدبير معيشتهم فقال تعالى :" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " .

فالإسلام أيها المؤمنون يدعو الناس إلى العمل ، وجعل أطيب الكسب ما كان من عمل الإنسان وجهده ويده فأحال المجتمع كله إلى خلية نشطة يبذل كل فرد فيها جهده وعرقه ، وتلك هي التضحية الحقة ،والعبادة في أسمى صورها .

قال تعالى :" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" التوبة 105 .

اللهم وفقنا للعمل الصالح ولما نحبه ونرضاه يارب العالمين .

أقـول هذا القول وأستغفير الله لي ولكم فاستغفروه نجدوه غفورًا رحيمًا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده  لاشريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعـد : فياعباد الله، اعلموا أن العمل الذي باركه الإسلام هو العمل الصالح بالمفهوم الإسلامي . فلا يمكن للعمل أن ينفع صاحبه في لدنيا والآخرة إلا إذا كان صالحًا بالمفهوم الإسلامي ومتقنًا وخالصًا لوجه الله لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البيهقي :" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".

ومن كل ما سبق فإنه يبدو بوضوح كم أعلى الإسلام من شأن العمل واعتبر كل نافع منه فرضًا بل جعله إذا اقترن بالنية الصالحة والإخلاص لله عز وجل يخرج من حيز العادات ليكون عبادة لرب العباد قال تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" البينة 04

فاتقوا الله عباد الله احمدوه  على نعمه التي لا تعـد ولا تحصى .

اللهم اصلح لنـا ديننـا الذي هو عصمة أمرنا واصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.

ربنا وآت نفوسها تقواها وزكها أنت خير من زكاها ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عبـاد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغـي يعظكم لعلكم تذكـرون.

 

 

 

 

من إعــداد : لحسـن بلغـربـي

إمام مسجد عبد الرحمن بوردوز

بلديـة  بنـي معوش

ولايـة بجايـة

 

 

 

الصنف