الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستيعنه، ونستغفره ونستهديه، ونتوب إليه ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ .وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، النعمة المهداة والرحمة المهداة والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد،:
فيا عبادالله، حديثنا اليوم ذو شجون، لأن المسلمين لم يعتنوا به مع أنه من صميم دينهم. إنه الحديث عن البيئة، إن هذه الطبيعة من حولنا، والتي هي خلق الله عز وجل وبديعُ صنعه، خلقها لنا لننتفع بها ونتأمل في حسنها وجمالها ونستدل بها على قدرته عز وجل، قال تعالى ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))[البقرة:29] وقال: ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ))[البقرة164]، فيا أصحاب العقول، ويا ذوي الألباب، اعتبروا وتأملوا في هذه الطبيعة ذات النظام الدقيق المتوازن الذي هو صنعة خالق عظيم ومدبر حكيم، ((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ))[ سورة النحل:88].
أيها المسلمون، إن البيئة هي بيتنا ومستقرنا، فإن فسدت فسدت صحتنا، وإن صلحت قويت أجسامنا. وهي من النعم الظاهرة والباطنة التي وهبها الله تعالى للإنسان، قـال تعالى ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴾لقمان20.
وقال: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفينَ ﴾
إن العالم اليوم كلَّه مشغول بقضية البيئة، والإسلام بمنهجه الرباني ليس بعيدا عن هذا الموضوع، الإسلامُ ليس محصورا في الصلاة والصيام و الحج، وإنما جاء هذا الدين ليضبط حياة الإنسان كلَّها بمنهج الله عز و جل .
جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار). ومعنى الحديث أن الضرر ممنوع في الإسلام، لا يجوز لك أن تضر إنسانا أو حيوانا أو جمادا. ونحن -بني الإنسان- قد ألحقنا الضرر بالطبيعة؛ الهواء ملوث، التربة ملوثة، التصحر يزداد. انتشار الأمراض، انقراض النباتات والحيوان، تغير المناخ، نقص الغذاء،. إن ّكل هذه الظواهر الطبيعية هي بسبب الممارسات البشرية الخاطئة والبعد عن تعاليم الإسلام.
فالله تعالى أراد للبيئة أن تكون نظيفة، ولكن الإنسان بطموحه الدنيوي المادي لوّثها وأفسدها، مع أن الله تعالى نهى عن الإفساد في الأرض فقال: ﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾الأعراف56. وتوعّد بالعقاب الشديد من يسعى في العبث بنعم الله، قال تعالى﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾. واليوم نشاهد في هذا العصر العقاب الشديد لهذا الإنسان المتأله الذي أراد خراب الدنيا، وأراد إفسادها من أجل أن يربح دراهم معدودة. يصدق فيه قول الله عز وجل ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ البقرة205.
أيها المومنون، ومما أمر به الإسلام للمحافظة على البيئة طهارة الأجساد، فالابتعاد عن الأوساخ والنجاسات من مقتضيات الإيمان. (الطهور شطر الإيمان) كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكثير من الأمراض الفتاكة سببها الأوساخ حيث تجد الجراثيم ضالتها، والإسلام يريد منا أن نكون أصحاء، فالمرضى لا يستطيعون النهوض بأعباء الدعوة إلى الله عز وجل. لذلك أرشد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى غسل الأيدي قبل الطعام وبعده فقال:( بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده) . وأكد على غسل الفم بين الحين والآخر فقال:( لولا أن أشق على أمتي-أو على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة.)
أيها المؤمنون، ومن المحافظة على البيئة نظافة المحيط، كالمنازل والشوارع والأسواق والساحات العمومية وذلك من مقتضيات الإيمان بالله تعالى حيث جعل الرسول صلى الله عليه وسلم إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان. وإن من ضعف الإيمان وإذاية الإخوان رمي الأوساخ والقمامات في غير أماكنها، كما يفعل كثير من الناس يُخرج القمامة من بيته ويرميها في الطريق.
روى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة[أي النخامة] تكون في المسجد لا تدفن. .(
فما أبعد المسافة بيننا وبين الإسلام.الذي يقول نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:(من آذى الناس في طرقهم وجبت عليه لعنتهم) ونحن نرى شوارعنا دون المستوى المطلوب، فقد تساهل الكثيرون في هذا الأمر فصاروا لا يبالون بأذية الناس في طرقاتهم وأمكنة جلوسهم واستراحاتهم: يحفرون الحفر في الطريق، ويلقون في الشارع الأحجار والحديد ، ويوقفون السيارات في أماكن غير مناسبة، والتجار يعرضون سلعهم على الأرصفة، ولو كان في ذلك أذية للناس وتضييق للطريق عليهم.
أيها المؤمنون، ومن المحافظة على توازن الطبيعة المحافظة على الحيوانات، فللحيوان حرمة في الشريعة الإسلامية باعتباره كائناً حياً خلقه الله وسخره لخدمة الإنسان، فلا يجوز أن يَعْبث به أو يُسيءَ معاملته، أو يقتلَه عبثا. رُوِيَ أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرّ بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، فلما رأوا ابن عمر تفرّقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غَرَضا)، أي جعله هدفا يُرْمَى . وقد قصّ النبي صلى الله عليه وسلم علينا قصة ذلك الرجل الذي سقى كلبا فشكر الله تعالى له وغفر له. فقال الصحابة: يارسول الله، إن لنا في البهائم أجرا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (في كل كبد رطبة أجر) متفق عليه.
فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على مظاهر الطبيعة، واسعوا في صلاح الأرض وعمارتها، ولا تكونوا من المفسدين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي يعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون، ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين. وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله إمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أيها المؤمنون، ومن المحافظة على البيئة المحافظة على النباتات والأشجار التي ننتفع بثمارها وأخشابها. قال تعالى: ((وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ))[يـس: 33-35] . وقد رغّب النبي صلى الله عليه وسلم في غرس الأشجار فقال: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل.(
وقال عليه الصلاة والسلام: (مامن مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة).مَن كانت له أرض فلاحية فلا يتركها بورا، عليه أن يزرعها أو يعطيها لشخص آخر يقوم بزراعتها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه.)
الأرض يجب أن تزرع لأن النتائج الإيجابية من زراعة الأرض لا تعد ولا تحصى؛ يتبدل الطقس، وتتساقط الأمطار، وتنخفض درجة الحرارة، ويحصل الأمن الغذائي. إن أمتنا تستورد غذاءها من الأجانب، وما كان ذلك ليحصل لو أولينا الاهتمام الكامل بالزراعة وغرس الأشجار. إن قطع الأشجار أحد أسباب فساد البيئة، وأنتم تشاهدون الكارثة البيئية المتمثلة في قطع غابات النخيل لتُبْنى مكانها محلاتٌ وبيوت، بينما المطلوب هو أن تبقى النخيل ويشيد البنيان في أرض الله الواسعة. لقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين وهم يتأهَّبون للذهاب إلى غزوة مؤتة: (لا تقربوا نخلا، ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء)، هذا في الحرب فما بالكم في السلم.
أيها المسلمون:، إن الإسلام دين النظافة، فواجب عليك أخي لمسلم أن تكون النظافة عنوانا لحياتك... أن يكون قلبك نظيفا ليس فيه حقد ولا حسد ولا عجب ولا رياء. أن يكون مظهرك نظيفا، فتعتني بثيابك وجسدك من غير إسراف. أن يكون بيتك نظيفا، مزينا بالورود والأزهار. أن يكون شارعك نظيفا، فلا تُلْقِ القمامات في الطريق، بل ضعها في المكان المخصص لها أو سلّمها لعمال النظافة.
إن المحافظة على البيئة واجب شرعي، فيه إرضاء للرحمن وعافية للأبدان وسلامة من الأسقام، وقبل ذلك هي مظهر من مظاهر الإيمان.
ونحن مقبلون على شهر الصيام ،ومستقبلون للضيف الوافد علينا، فحق للضيف أن يكرم ضيفه ،فلا ينبغي ترك القمامات التي يتأذي منها البشر وملائكة الرحمان،وينجم عنها أضرار جمة تنعكس على صحة الإنسان كالبعوض والعقارب وبقية هوام الأرض،لدى ينبغي أن نساهم في حملات التنظيف التي سوف تبرمج من قبل المصالح الرسمية وجمعيات المجتمع المدني فهي مسؤولية الجميع ........
الدعاء.............................................................................................................
مديرية الشؤون الدينية والأوقاف- غرداية