الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه و خليله، وخيرته من خلقه، أدى الأمانة و بلغ الرسالة ونصح الأمة، ومحا الظلمة و تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واقتدى بسنته إلى يوم الدين. أما بعد؛
فاتقوا الله عباد الله واشكروه على ما منّ به عليكم بعد نعمة الإيمان والإسلام من نعمة الاستقلال والحرية والاستقرار، فإنه بالشكر تزداد النعم، وبحسن التصرف فيها تتمحض المنن، أما عدم شكرها وكفرها فذلك سبب زوالها، ومعول هدمها قال جل وعلا: " لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" [إبراهيم:] وقال تعالى: "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون " [النحل:112]
أيها المؤمنون أيتها المؤمنات: إن من أبرز النعم التي يجب علينا أن نشكرها ونحافظ عليها نعمة استقلال الجزائر، هذه القطعة من أرض الإسلام التي فيها نبتنا وعلى حبها ترعرعنا وثبتنا.
نعم إن الاستقلال نعمة تستوجب شكر الله، ولا يقدر شكر هذه النعمة إلا من عرف مخازيَ الاستعمار، وذاق مرارة الذل والاستعباد، وعانى حياة البؤس والشقاء في ظل الاستدمار، أو تواترت إليه بذلك الأخبار، فإلى الله نتوجه بالشكر على ما أنعم به علينا من تخليصها من أنياب شيطان الاستعمار، وأعاد أرض الإٍسلام إلى أمة الإسلام، وأحال كنائس التثليث إلى مساجد التوحيد، فنحمد الله على ذلك ونستنـزل من رحماته الطيبة وصلواته الزكية على شهدائنا الأبرار، ما يكون جزاء لبطولتهم في الدفاع عن شرف الحياة وحرمات الدين وعزة الإسلام وحقوق هذا الوطن الغالي، وطننا الجزائر.
أيها المؤمنون أيتها المؤمنات: إن من مقتضيات الحفاظ على نعمة استقلال الوطن أن تتمسك الأمة بالإسلام دينا الذي يحث على الوحدة، وينهى عن الفرقة والتشرذم والانقسام، وأن تصغي إلى قوله عز وجل: "وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" [المؤمنون:52 ]، وقوله عزوجل: "واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا..." [آل عمران:103 ] ، حيث أصبح لزاما على هذه الأمة أن تعود إلى ما ارتضاه الله لها من اتحاد وتضامن وتصالح وتآزر وتآخي، قال الله تبارك وتعالى: "إنما المؤمنون إخوة..." [الحجرات:10] وقوله عليه الصلاة والسلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" ولأن سر اتنصار هذه الأمة يكمن في وحدتها عملا بقوله سبحانه وتعالى: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" [الأنفال:42] ، و قديما قال الشاعر :
كونوا جميعا يا بَنِيّ إذا اعترى *** خطْب و لا تتفرفوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا *** و إذا افترقن تكسرت أفرادا
معشر المسلمين: إن واجب الحفاظ على نعمة الاستقلال ووحدة الأمة يحتم علينا إيجاد جيل يكون خير خلف لخير سلف لتحقيق هذه الأهداف السامية، انطلاقا من الأسرة التي تعد النواة الأساسية لبناء مجتمع متحد متضامن، إذن لا بد من إصلاح البيت من أجل إصلاح المجتمع، ولا نعني بإصلاح البيت تأثيثه وتزيينه والاعتناء بشكله ومظهره، وإنما المقصود مَنْ بالبيت وإعدادهم وتأهيلهم ليكوِّنوا المجتمع المنشود. فكل أب وأم مسؤول وعليه واجب ديني شرعي من أعظم الواجبات وهو تربية الأولاد، حيث لا يقل هذا الواجب عن سائر الواجبات الشرعية، وعلى الإنسان المسلم أن لا يفرق بين الواجبات الشرعية، فالمسلم الحق هو الذي يشعر بتربيته لأولاده والسهر على إصلاحهم بأنه في عبادة لله عزوجل، حيث خاطبنا الله عزوجل في كتابه فقال:"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا..."[التحريم:06] وقال عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..." أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر، وهو بهذا العمل أيضا يقدم خدمة جليلة لأمته ووطنه، أما إذا تخلى الأولياء عن هذه المهمة وفرطوا في هذه المسؤولية فإنهم يساهمون في خراب مجتمعهم وفنائه، وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟ إن من يتخلى عن مسؤولية تربية أبنائه قد أجرم في حقهم وحق دينه وأمته، فإنه من الخطأ الجسيم أن يحرص الوالد على سلامة ولده من كل الآفات الدنيوية، ثم هو لا يبالي إن أصيب ولده في دينه وأخلاقه. وفي هذا المقام يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم" رواه ابن ماجه.
فاللهم اجعلنا وأبناءنا وسائر المسلمين صالحين مصلحين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي كتب علينا الإحسان ونهانا عن الفجور والفسوق والعصيان، وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم المنان وأشهد أن سيدنا محمدا النبي المصطفى العدنان اللهم صل وسلم عليه صلاة دائمة تشفع لصاحبها يوم العرض على الملك الديان وبعد؛
عباد الله لقد تبين لنا مما سبق أن الحفاظ على نعمة الاستقلال ووحدة الأمة وتربية الأجيال هو من أعظم سبل الشكر، والتي إن تحققت ضمنت عيش المجتمع في أمن ووئام تسود فيه لغة التكافل والتضامن والحوار وتغيب عنه لغة العنف والبذاءة والدمار، هذا الذي يجعلنا نذكر من على هذا المنبر أن الدين المعاملة، وهو ينهانا على الإفساد في الأرض بعد إصلاحها قال جل في علاه: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" [الأعراف]، إنه لا يوجد مبرر مهما كان نوعه يسمح للمسلم أن يعتدي على أموال أخيه المسلم، ويزداد الأمر قبحا إذا تمادى الاعتداء على أموال المسلمين العامة بإفساد مصالحهم أو تعطيلها.
إننا كمسلمين ينبغي أن نلتزم الإحسان في جميع سلوكياتنا واللين في أقوالنا فقد جاء في الحديث الصحيح :" ما كان اللين في شيء إلا زانه، وكان العنف في شيء إلا شانه" .
فالله الله في أموال المسلمين العامة والخاصة، ولأن الدين النصيحة فإن مقتضى النصح أن يحافظ كل مسلم على نفس أخيه وماله وعرضه، فما أحوجنا في ظل الظروف التي تمر بها بلادنا إلى التعاون على البر والتقوى، والتعامل بحكمة وعقلانية مع المستجدات، والسير في دروب الإصلاح بآداب وأخلاق المجتمع المسلم في حب مشترك، وود مشاع دون انتقاص أو تحقير أو إيذاء، ولنكن دعاة خير وإصلاح ولنحاسب ونراجع أنفسنا وسلوكياتنا ولنتب إلى ربنا ولنكثر من الاستغفار عسى أن يرفع عنا الغلاء والبلاء وشماتة الأعداء، قال تعالى : "و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " [آل عمران: 104].
اللهم احفظنا من كل سوء وبلاء، اللهم أرزقنا علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم اجعل بلادنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ شبابنا واهدهم إلى طريقك المستقيم واجعلهم ذخرا للبلاد، ومفخرة للعباد، اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا، ونفس كربة المكروبين، واقض الدين عن المدينين بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ألف بين قلوبنا، واجمع على الحق كلمتنا، وسدد إلى الخير ألسنتنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا،وارزقهم البطانة الصالحة النافعة التي تعينهم على الخير وتهديهم إليه. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، و لا تجعل فينا ولا منا ولا من بيننا شقيا ولا محروما آمين آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
إعداد: المجلس العلمي لولاية المدية