إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هدي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (آل عمران:102).
( يا أيها الناس اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) (الأحزاب: 70-71).
أما بعد، فا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله ربكم، وراقبوه في السر والعلن، فبتقوى الله عز وجل تصل الأمور، وتتلاشى الشرور، ويصلح للناس أمر الدنيا والآخرة. أيها المسلمون: روى البخاري في صحيحه.
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما- قال رسول الله r:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" وروى ابن حبان وغيره.
من حديث أبي الدرداء t - قال : قال رسول الله r:" من أصبح معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا". أيها المسلمون: الصحة من أجل نعم الله على عباده، وأجزل عطاياه، وأوفر منحه- بل العافية المطلقة من أجل النعم على الإطلاق – فحقيق بمن رزق حظا من التوفيق مراعاتها وشكرها، والعمل على حفظها ووقايتها، وعدم الإقدام على أي سلوك أو تصرف يؤدي إلى التفريط فيها أو تبديلها أو تغييرها، قال تعالى: ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) (إبراهيم: 7)، وقال سبحانه: ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة نعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) (الأنفال: 53).
فمن هاتين الآيتين يتبين أن عدم الشكر أو التبديل والتغيير يؤدي إلى زوال تلك النعم، ونعمة الصحة – كما أسلفنا – من أكبر النعم التي أنعم الله على عباده، و العقوبة بالطبع هي: المرض. قال تعالى : ( ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) (الروم: 41) والمراد بالفساد في الأرض: النقص في الزروع والثمار، والنقص في الأنفس وكثرة الشرور. قال الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: " وفساد البر يكون بفقدان منافعه وحدوث مضاره، مثل حبس الأقوات من الزرع والثمار والكلا، وفي موتان الحيوان المنتفع به، وفي انتقال الوحوش التي تصاد من جراء قحط الأرض إلى أرضين أخرى، وفي حدوث الجوانح من جراد وحشرات وأمراض" (ج21ص110).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها. وفي أنفسهم من الأمراض والوباء، وغير ذلك".(ج4ص90).
عباد الله: وما هذه الأمراض المعدية القذرة، والأوبئة المستعصية المهلكة، التي نسمعها هنا وهناك، إلا مظهر من مظاهر هذا الفساد. قال ابن القيم رحمـه الله وبعد أن ذكر الآيـة ( ظهر الفساد في البر والبحر...) (الروم: 41)، ونزل هذه الآية على أحوال العالم، وطابق بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت، في الثمار والزروع والحيوان، وكيف يحدث من تلم الآفات، آفات أخر متلازمة، بعضها أخذ برقاب بعض، وكلما أحدث الناس ظلما وفجورا أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم وأهويتهم ومياههم وأبدانهم وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم". (زاد المعاد 326/4).
عباد الله : وتتوالى على البشر في هذه الأزمنة المتأخرة، أمراض وأوبئة- من حيث لم يكونوا يحتسبون – يخشو ن فتكها، ويحاذرون ضرها. عرف الناس من الأمراض الكوارثية: " السيدا – الأيدز"، ثم حمى الوادي المتصدع التي أصابت الأغنام، ثم جنون البقر، ثم أنفلونزا الطيور التي أثبت كثير من الباحثين أن سببها الخنازير التي احتضنت المرض، ثم نقلته الطيور منها، لتظهر في هذه الأيام أنفلونزا الخنازير، أو أنفلونزا المكسيك. أعاذنا الله وإياكم وجميع المسلمين من الأمراض والأوبئة.
لقد دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر، وأعلنت حالة الطوارئ، فيروسات دقيقة، وكائنات عجيبة، وحالات تحول وبائي في هذه الفيروسات، حير البشر وأقلق الباحثين، هلع ورعب، إغلاق المدارس، فحص في المطارات. بل إن هذه المنظمة قررت رفع حالة التأهب لمواجهة هذا الوباء إلى الدرجة الخامسة، وهي الدرجة التي تسبق إعلان حالة وباء عالمي. لكن – على رسلكم – إن من فضل الله علينا وعلى الناس، أن العالم الإسلامي كانت إصابته بهذا المرض محدودة، لأن الذي قدر فهدى، قد دل الإنسان على خيري الدنيا والأخيرة، وهاداه إلى ما فيه مصلحته، وحفظ نفسه وعقله ونسله. نعم أيها المسلمون: إن الإسلام ربط الأسباب بمسبباتها، وناط النتائج بمقدماتها، وليس في الوجود شيء أعز من الصحة، ولا أدل على ذلك من قول الرسول r ، وقد سأله العباس بن عبد المطلب قال : " قلت يا رسول الله: علمني شيئا أسأل الله عز وجل؟، قال : سل الله العافية، فمكثت أياما ثم جئت، فقلت يا رسول الله : علمني شيئا أسأله الله عز وجل؟ فقال يا عباس، يا عم رسول الله، "سل الله العافية في الدنيا والآخرة" . رواه الترمذي وقال حديث صحيح.
فعلى المفتقر إلى الصحة أن يسعى وراءها بكل ما أوتي من قوة وعلم، وعلى المتمتع بها أن يحتفظ كل الاحتفـاظ، وأن يباعـد بنفسـه عن الأمـراض المعدية، عملا بقوله تعالى: ) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة(. وشرّ المهلكات أمراض تتفشى، وعدوى تنتشر. وفيروس الأنفلونزا الخنازير- كما عرفته منظمة الصحة العالمية – هو مرض تنفسي حاد شديد العدوى، وهو ينتقل بين البشر بنفس الطريقة التي ينتقل بها فيروس الأنفلونزا الموسمية، أي عن طريق ملامسة شيء به الفيروسات، ثم لمس الأنفس أو الفم، أو من خلال السعال والعطاس، وأعراضه كذلك، وتتمثل في الارتفاع المفاجئ في درجة الحرارة الجسم والسعال والألم في العضلات والإرهاق، ولا يمكن التفريق بينه و بين الأنفلونزا العادية إلا عن طريق إجراء فحص مخبري، لذا ففي حالة ظهور الأعراض يجب الذهاب سريعا لتشخيص ذلك في المستشفيات والمراكز المتخصصة، ويتم التشخيص بأخذ عينة من الأنف أو الحلق لتحديد ما إذا كان المريض مصابا بفيروس أنفلونزا الخنازير، وفي هذه الحالة يمنح المستشفى المريض العناية الخاصة، فإن الذي خلق الداء خلق الدواء. قال r:" لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل" وفي رواية ابن حبان " فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى". هذا وأعلموا – أيها المسلمون- أن هذه الأمراض التي أرسلها الله على عباده إنما هي رحمة بعباده ليرجعوا إليه، وليعرفوا أنه المتصرف بعباده كما يشاء، فلا اعتراض عليه، له الملك وله الحمد، وله الخلق والأمر، وهو على كل شيء قدير، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى بأنه سيبتلينا، وذلك حتى نهيئ أنفسنا لاستقبال ما قضى به تعالى، ويكون من الراشين بهذا القضاء. قال تعالى : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (البقرة: 155-157).
اللهم إنا نسألك العفو والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة، واجعلنا يا ربنا ممن إذا بتلي صبر، وإذا أنعمت عليه شكر، وإذا أذنب أستغفر، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وأجازني وإياكم من سخطه وعذابه الأليم وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين أجمعين
الحمد لله، الواصل الحمد بالنعم، والنعم بالشكر، نحمده على آلائه، كما نحمده على بلائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى أله وأتباعه وإخوانه. ثم أما بعد، أيها المسلمون: إن الإسلام يعترف بالأسباب المادية المعتادة للأمراض، وفقا لسنن الله الجارية في الخلق، فهو يقر العدوى بوصفها سببا من أسباب نقل المرض، قال r قيما رواه البخاري عن أبي هريرة t:" فرّ من المجذوم فرارك من الأسد"، بل إن من روائع ماجاء به الإسلام وسبق به، فكرة العزل والحجر الصحي في حالة انتشار الأمراض المعدية، فقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف t عن النبي r أنه قال: " إذا كان الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه".
بهذا يحاصر الإسلام الوباء والمرض في أضيق نطاق، ويحال بينه وبين الانتشار، فحتى السليم – بمقتضى هذا الحديث- لا يجوز له الخروج من البلد الموبوء خشية أن يكون حاملا لمكروب المرض وهو لا يدري. فالواجب على الجميع محاربة هذه الأمراض والأوبئة المهلكة بكل الوسائل التي يرشدهم إليها الموثوق بهم من إجراءات الوقاية من هذا المرض، ومن تعاطي المصل واللقاح وأنواع التطعيم للصغار والكبار.
فإنه قد جاء في الإسلام تحذير عام من التورط فيما يعود على الإنسان بالضرر، سواء أكان هذا الضرر خاصا به، أو متعديا إلى غيره. قـال تعـالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (البقرة 195) وقـال أيضـا : ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم...) (النساء71) وجـاء في الحديث :" لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجة. فالله الله – أيها المسلمون – في صحتكم فلا تهملوها، وفي صحة الناس فا حفظوها، وفي نصائح أهل الذكر والمتخصصين فنفذوها.
فقد جعل الله لكل شيء سببا، ولكل داء دواء، والله على كل شيء قدير. جاء في الحديث:" ما أنزل الله داء إلا أنزل شفاء" رواه البخاري ومسلم وروى الترمذي:" يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء".
واسمعوا إلى هذه المحاورة الممتعة بن رسول الله r وبين الصحابي الجليل أبي خزامة، قال :" قلت يا رسول الله، أرأيت رقي تسترقي بها، ودواء تتداوى به، وثقاة – وقاية- نتقيهـا، هل ترذ من قـدر الله شيئا؟. قال r:" هي من قدر الله". رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم.
نعم – أيها المسلمون- إذا كان المرض قدرا من الله للمعرضين للإصابة والعدوى من جراء المحيط أو طبيعة العمل أو إهمال شروط الوقاية، فالتداوي قدرّ مثله. فتداووا – يا عباد الله- واستعينوا بالله ولا تعجزوا. قال رسول الله r:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل ". رواه مسلم عن أبي هريرة.
هذا ما قلت وسمعتم، فصلوا – رحمكم الله – على خير البرية – وأفضل البشرية، محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمرّ أعداء الدين، اللهم أجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم أرفع عنا الوباء والبلاء، وقنا الزلازل والمحن، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن يا سميع الدعاء، اللهم فرج همّ المهمومين من المسلمين، واقض الدين عن المدنين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، ربنا أغفر لنا ولآبائنا ولمشايخنا ولولي أمرنا ولسائر المسلمين، ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الأخيرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
بقلم الإمام: خليفة مسلم