هل يقاد الوالد بقتل ولده ؟

19-04-2004 
سائل - الجزائر ا
المفـتي:الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف  
 
السؤال: 
هل يقاد الوالد بقتل ولده ؟
 
الجـواب:
جمهور العلماء على أنه لا يقاد به، إلا إذا كان قتله إياه غيلة بحيث تقوم الشواهد على أنه قصد قتله، وعمدتهم في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقام الحدود بالمساجد، ولا يقتل بالولد الوالد" (1). وخالف في ذلك مالك رحمه الله فأثبت عموم القصاص مطلقا معتمدا على ظاهر عموم الكتاب، قال تعالى: "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" (2)، فلم يخص نفسا دون نفس، إلا أنه فرق في مسألة الوالد والولد، فقال: إن أضجعه فذبحه قتل به، وإن حذفه بسيف أو عصا فقتله لم يقتل به، وكذلك الجد عنده مع حفيده. وسبب هذا الاختلاف ما رواه مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب ((أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة حذف ابنا له بالسيف فأصاب ساقه فنزى جرحه فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر له ذلك، فقال له عمر: اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم عليه عُمَرُ، أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة، ثم قال: أين أخو المقتول ؟ فقال: ها أنا ذا، قال خذها)) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس لقاتل شيء" (3). فحمله مالك على أنه شبه عمد، وحمله الجمهور على أنه عمد، لإجماعهم على أن من حَذَفَ آخرَ بسيف فقتله فهو عمد، ومع هذا فلا يقتل به، وعمدتهم حديث ابن عباس السابق، على أن هذا عام في جميع الأشخاص، فإن من قتل غيره بآلة غير حادة مما شأنها عدم قطع اللحم لا يقاد بها، ولكن يترتب عليها الدية مع عتق رقبة إن وجدت، وإلا فيعوض عنها صوم شهرين متتابعين لإلحاقه بالخطأ، وهي تشبه العمد وليست به، وقد قال صلى الله عليه وسلم في مثل هذا: "ادرأوا الحدود بالشبهات" (4). وأما قتل الوالد ولده فموضوع خاص به فلا يقتل به إلا إذا دلت القرائن على أنه قصد قتله حقيقة، فهناك يقام عليه حد القتل. والله أعلم.اهـ من بداية المجتهد بتصرف وزيادة اقتضاها المقام بدون إخراج الموضوع عن حيزه (5). ----------------------- (1) أخرجه الترمذي (4/19) [كتاب الديات/باب الرجل يقتل ابنه، هل يقاد منه أم لا؟]، رقم 1401. وقال: هذا حديث لا نعرفه بهذا الإسناد مرفوعا إلا من حديث إسماعيل بن مسلم، وإسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. وابن ماجه (2/888) [كتاب الديات/باب لا يقتل الوالد بالولد]، رقم 2661. (2) سورة المائدة/45. (3) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (2/867) [كتاب العقول/باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه]، رقم 10. والنسائي في السنن الكبرى (4/79) [كتاب الفرائض/باب توريث القاتل]، رقم 3667، 3668. (4) أخرجه الترمذي [كتاب الحدود/باب ما جاء في درء الحدود]، (4/33)، رقم 1424. والدارقطني [كتاب الحدود والديات وغيرها]، (3/84)، رقم 8. والحاكم (4/384)، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقّبه الذهبي فقال: قال النسائي: يزيد بن زياد الشامي متروك. والبيهقي [كتاب الحدود/باب ما جاء في درء الحدود بالشبهات]، (8/238). وضعفه الألباني في إرواء الغليل (9/25). (5) بداية المجتهد لابن رشد الحفيد (2/400 ـ 401).