حكم قص شعر الرأس للمرأة

سائل - الجزائر
الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف
 
السؤال: 
ما حكم قص شعر الرأس للمرأة ؟
 
الجـواب:
إن قص الشعر للنساء هو بدعة دميمة من البدع التي قلد فيها مسلمو عصرنا - القرن الرابع عشر الهجري والعشرين الميلادي - غيرهم ممن ليس على دينهم. فهي من البدع المستوردة على مسلمي العصر، وهي في الشرع حرام، ولا يجور للمرأة قصر شعرها بله حلقه، إلا في التحلل من مناسك الحج والعمرة، فإن الشرع الحكيم رخص لها قصره قدر الأنملة لا غير، حيث إن ذلك واجب في المنسكين. و عليه فقصره إلى أن تصير المرأة مشبهة بالرجل هو حرام، وهي داخلة تحت نهي الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: "لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال"(1)، وهو من تغيير خلق الله الذي ذكره الله تعالى في كتابه إذ يقول الله حاكيا قول الشيطان الرجيم:"ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"(2). هذا فيمن قصرت شعرها فوق ما يدعو الشرع إليه، ومثل ذلك الفاقدة شعر رأسها تعوض عنه بالشعر المستعار، فإن هذا في المنع مثل القصر والحلق سواء، فقد أخرج الجماعة عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية رضي الله عنه عام حج على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم "ينهي عن مثل هذا ويقول: إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذا نساؤهم"(3)، وجاء أيضا عن سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة فخطبنا وأخرج نخبة من شعر فقال: "ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه فسماه الزور"(4). و هذا في حق النساء وأما الرجال فقد كانوا في صدر الإسلام طريقتهم تركه إلى شحمة الأذن مسدولا إلى الوراء أو مفروقا عن اليمين أو الشمال، كما كان ذلك قبل الإسلام، فقد ورد في الأثر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به، فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته، ثم فرق بعد"(5). فهذا الأثر يفيد مخالفة المسلم للكافر في ذلك، وقد أراد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم موافقة أهل الكتاب أول دخوله المدينة المنورة لكونهم أقرب إلى الصواب من المشركين، فلعلهم يهتدون يهديه صلى الله عليه وسلم، حيث إن لهم كتابا من السماء، فلما أيس صلى الله عليه وسلم منهم ورأى عنادهم وإصرارهم على كفرهم خالفهم. أقول(6): إذا رأى المسلم الحيلة التي تنبه الكافر من غفلته وترجعه إلى الدين الحق الذي جاء به خاتم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، فلا بأس أن يجاريهم في بعض عاداتهم التي لا تمس الدين في شيء كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود، ولكن إن رأى الإصرار والعناد ولم تفد الحيلة في ذلك، فلا يجوز للمسلم البقاء على المجاراة المذكورة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهي عن تشبه المسلم بالكافر فيما لا فائدة شرعية فيه، وذلك في عدة آثار منها نهيه صلى الله عليه وسلم عمن يأتي بعده من أمته من يعجبه متابعة الكفار في عاداتهم ولو لم تمس الدين وذلك فيما رواه أصحاب السنن من قوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذن"(7). وأخرج أبو داود عن الحجاج بن حسان قال: "دخلنا على أنس بن مالك رضي الله عنه فحدثتني أختي المغيرة (8) قالت: وأنت يومئذ غلام ولك قرنان أو قصتان، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسك وبرك عليك، وقال: احلقوا هذين أو قصوهما، فإن هذا من زي اليهود"(9). هذا، وأما حلق الشعر بالنسبة للرجال فمن كانت عادتهم ذلك فهو تابع للعادة، ومادام الأمر لا يتعارض والشرع الشريف فلا بأس به، على أن الحلق المذكور يجب في أحد المنسكين الحج أو العمرة، بل هو أفضل من القصر لـ"دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين" كما هو معلوم من وروده في الآثار النبوية. وما عدا ذلك فالأمر موكول لعادة كل قوم نعم يمنع القزع وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه، بل إما أن يحلقه كله أو يتركه كله حتى لا يقع الحالق في المثلة المنهي عنها والداخلة تحت مضمون الآية الكريمة التي حكى الله فيها عمل الشيطان ووسوسته لنبي الله آدم بتغيير خلق الله حيث يقول الله حاكيا وسوسة الشيطان القائل: "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"(10) أعاذنا الله من وسوسته آمين، والله الهادي إلى سواء الصراط. -------------------- (1) أخرجه البخاري (10/345) [كتاب اللباس/باب المتشبهون بالنساء والمتشبهات بالرجال]، رقم 5885. (2) سورة النساء/118. (3) أخرجه البخاري (6/591) [كتاب الأنبياء/باب 54]، رقم 3468 (4) أخرجه البخاري (6/595) [كتاب الأنبياء/باب 54] رقم 3488. ومسلم (3/1680) [كتاب اللباس/باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة]، رقم 2127/123 (5) أخرجه البخاري (10/374) [كتاب اللباس/باب الفرق]، رقم 5917. ومسلم (4/1817) [كتاب الفضائل/باب سدل النبي صلى الله عليه وسلم شعره وفرقه]، رقم 2365/90. (6) صاحب هذه الفتاوى (7) أخرجه البخاري (6/571) [كتاب الأنبياء/باب ما ذكر عن بني إسرائيل]، رقم 3456. ومسلم (4/2054) [كتاب العلم/باب اتباع سنن اليهود والنصارى]، رقم 2669/6 (8) اسم المغيرة هو للذكور وقد سميت به هند هنا فتأمل. [الشيخ محمد شارف] (9) أخرجه أبو داود (4/84) [كتاب الترجل/باب ما جاء في الرخصة]، رقم 4197. (10) سورة النساء/118.