2010-08-31
سائل - الجزائر
الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف
السؤال:
ما هي مقادير الكفارات ؟
الجـواب:
الكفارة هي المقدار المفروض على من ارتكب مخالفة شرعية، فرضها الشارع عليه زجرا حتى لا يعود لمثلها إن كان متعمدا، وكذلك بالنسبة للمخطئ حتى لا يتساهل فيما يجب التباعد عنه. وهي تختلف بحسب النوعية، فإن الكفارات كثيرة، منها كفارة الظهار، وكفارة قتل الخطأ، وكفارة اليمين، وكفارة انتهاك حرمة رمضان، وكفارة النذر، وغيرها... ولكل كفارة مقدارها.. فكفارة الظهار: وهو أن يقول الرجل لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، أي يشبهها بمحرم من محارمه كأمه، وأخته أو غيرهما من المحرمات السبع بالنسب، والمحرمات بالرضاع، وكذا تشبيههما بمحرمة الصهر كأم الزوجة وبنتها، ومحرمة ولد الصلب كزوجة الابن، فهذه الكفارة رتبها الشارع ترتيبا شرطيا: يلزم من عدمه العدم وهي: أولا ـ عتق رقبة مؤمنة قبل المساس ثانيا ـ فإن لم يجد فصيام شهرين متتباعين من قبل المساس. ثالثا ـ فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا(1). وهذا ما نص عليه الله تعالى في كتابه في سورة المجادلة، إذ يقول سبحانه: "والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحر يـر رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير، فمن لم يجد فصيام شهر يـن متتابعين من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله، وتلك حدود الله، وللكافر يـن عذاب أليم"(2). وكفارة قتل الخطأ: عتق رقبة مؤمنة مع دفع دية تدفعها عاقلة القاتل في ظرف ثلاث سنوات، وتقديرها بحسب حال القاتل؛ فإن كان من أهل الإبل فمقدارها مائة ناقة مخمسة الأسنان، وإن كان من أهل الماشية فألف شاة، وإن كان من أهل البقر فمائة بقرة، وإن كان من أهل الذهب فألف دينار، وإن كان من أهل الفضة فعشرة آلاف درهم. وتعطى هذه الدية لأولياء القتيل يقتسمونها حسب قسمة الفرائض المذكورة في آية الوصية من سورة النساء. ودليل ذلك من كتاب الله قوله سبحانه: "ومن قتل مؤمنا خطأ فتحر يـر رقبة مؤمنة ودية ومسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا..." إلى قوله: "فمن لم يجد فصيام شهر يـن متتباعين توبة من الله، وكان الله عليما حكيما" (3). وكفارة اليمين: هي إطعام عشرة مساكين من الطعام الوسط الذي يقتات به أهل الجهة التي يسكن بها الحالف، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد الرقبة وكذلك الذي عدم القدرة على الإطعام والكسوة، وهو الذي يشمله قوله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان، فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحر يـر رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم، واحفظوا أيمانكم، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون"(4). ثم إن هذه الكفارة خاصة بمن حلف بالله وصفاته أو بأحد الكتب الأربعة المنزلة، أو عمم فقال: اليمين تلزمني وقصد بها ما ذكر، بشرط أن يحلف على أن يفعل شيئا ولا يفعله، وتسمى هذه يمين حنث، لأنه حين قال ذلك تجب المبادرة إلى فعل المحلوف عليه، اللهم إلا إذا أجله بأجل فيبقى إلى أجله، أويحلف على أن لا يفعل، فهذه يمين بر، يعني هو بار ما لم يفعل، فإن فعل وقعت عليه اليمين. وأما الحالف كاذبا، فهذه لا كفارة فيها، وهي كبيرة تجب التوبة منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار"(5)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع"(6). وكذلك لا كفارة على من حلف على شيء يعتقده موجودا، أو على شيء يعتقده غير موجود، فظهر عكسه. ثم إن من حلف على شيء لا يفعله، وفي فعله الخير، فيطلب منه، فَعَلَهُ ويكفر، وله الأجر، وذلك كما "حـلـف صلى الله عليه وسلم عـلـى الأشعـريـين أن لا يحملهم ثم حملهم، وكفر عن يمينه"(7)، لما رأى أن فعل ما ذكر خيرا، وقال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه"(8). وكفارة انتهاك حرمة شهر رمضان من الإقدام عمدا على إفساده من نحو جماع، أو أكل أو شرب بفم، فهذا مخير بين أن يعتق رقبة عن كل يوم أفطره، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، مع قضاء الأيام التي أفطرها. وأما المفطر الناسي غير المتعمد، فمذهب الثلاثة مالك وأبي حنيفة وأحمد: يقضي ما أفطر دون كفارة، ومذهب الشافعي لا قضاء عليه، وليمسك بقية اليوم، ودليله ما جاء في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أفطر ناسيا فليتم صومه، فقد أطعمه الله وسقاه"(9)، غير أن الأحوط أن يكون هذا في الطعام والشراب دون الجماع، والله أعلم. وكفارة النذر يجب الوفاء به، وذلك إذا نذر في مباح أو طاعة، كقوله: إن شفاني الله من مرضي فعليّ صوم يوم، أو فعليّ أن أزور مقامه صلى الله عليه وسلم. ثم إن النذر يكون معينا بزمن ويكون مطلقا.. فالمعين بالزمن: إن مضى زمنه ولم يفعله تسقط كفارته، ويترتب عليه أمران: إما أن يسهو عنه حتى يفوت، فهذا لا إثم عليه، وإما أن يتعمد ذلك، فهذا يأثم وتجب التوبة منه. وأما النذر المطلق فهذا لا يسقط، بل تبقى الذمة عامرة به حتى يُؤدَّى، غير أنه إن كان صلاة أو صوما، فلا يفعله في وقت منهي، والله أعلم. --------------------- (1) بمقدار مد لكل مسكين من غالب قوت أهل البلد، أو ما يقوم مقامه عند من يرى جواز البدل كالحنفية [الشيخ محمد شارف]. مقدار المد بالمقاييس العصرية: من المعلوم أن الصاع = 4 أمداد. وتقدم في الجواب عن السؤال "تقدير نصاب الزكاة" أن: -الصاع بالكيل = 2,75ل، وعليه فإن مكيال المد = 2,75ل ÷ 4 = 0,6875 ل وبالتقريب = 0,69ل. -الصاع بالوزن = 2,156 كغ من القمح، وعليه وزن مد من القمح = 2,156÷ 4 = 0,539 كغ بالوتقريب = 0,54 كغ من القمح. (2) سورة المجادلة /3 ـ 4. (3) سورة النساء/92. (4) سورة المائدة/89. (5) أخرجه أبو داود (3/220) [كتاب الأيمان والنذور/باب التغليظ في الأيمان الفاجرة]، رقم 3242. (6) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (1/217) [باب في حفظ اللسان[، رقم 4842. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2/622). (7) أخرجه البخاري (11/525) [كتاب الأيمان والنذور/باب قول الله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"]، رقم 6623. ومسلم (3/1268 ـ 1269) [كتاب الأيمان/باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي بالذي هو خير ويكفر عن يمينه]، رقم 1649. (8) أخرجه البخاري (11/525) [كتاب الأيمان والنذور/باب قول الله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"]، رقم 6622. ومسلم (3/1268 ـ 1269) [كتاب الأيمان/باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن يأتي بالذي هو خير ويكفر عن يمينه]، رقم 1650. (9) سبق تخريجه في الجواب عن السؤال "الأشياء التي تترتب عليها الكفارة في رمضان"