04-04-2004
سائل - الجزائر
المفـتي:الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف
السؤال:
ملكية القبر
الجـواب:
أجمع الفقهاء على أن القبر حبس على صاحبه لا ينبش ولا يمشى أو يقعد عليه، ولا يدفن عليه إلا عند الضرورة، والعلة فيه حرمة الكشف عن سوأة الآدمي حيا وميتا، ومن الآثار الدالة على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر"(1)، ومنها ما أخرجه مالك في موطئه عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ((ما أحب أن أدفن بالبقيع، لأن أدفن في غيره أحب علي من أن أدفن فيه، إنما هو أحد رجلين، إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه، وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه)) (2). وقد انعقد الإجماع على أن حرمة كسر عظم الميت ككسره حيا(3)، ولا يؤمن ذلك مع النبش والنقل، فاقتضى الأمر منعه سدا للذريعة، فإن كانت ضرورة كأن احتل العدو بلدا وخشي من أن ينبش عن موتاهم أو تمتهن كرامتهم جاز بل تعين النقل مع الاحتراز عن كسر العظام، وكما إذا دهم السيل المقبرة أو أصيبت بخلل من تأثير زلزال ونحوه فكذلك، ومن الآثار الواردة في هذا ما أخرجه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: ((دفن مع أبي رجل فلم تطب نفسي حتى أخرجته فدفنته على حدة)) (4)، وفيه أيضا أنه رضي الله عنه قال: ((لما حضر أُحُدٌ دعاني أبي من الليل فقال له ما أراني إلا مقتولا في أول من يقتل مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعز عَلَيَّ منك غير نفس النبي صلى الله عليه وسلم، فان عَلَيَّ دينا فاقضه واستوص بأخواتك خيرا، فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر معه في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه))(5) فمثل هذا مع ندرته خاص بمن يعرفون للآدمي حرمته، فلا تتوصل أيديهم إلى أذاهم. وإن كان الكشف عن جسده غير لائق فللضرورة أحكام، فقد أسند أبو عمر بن عبد البر في التمهيد عن جابر قال: ((لما أراد معاوية رضي الله عنه أن يجري العين بِأُحُدٍ نودي بالمدينة من كان له قتيل فليأت قتيله، قال جابر فأتيناهم فأخرجناهم رطابا يتثنون فأصابت المسحاة إصبع رجل منهم فانفطرت دما))(6). وفي رواية ((فاستخرجهم معاوية رضي الله عنه بعد ست وأربعين سنة لينة أجسامهم تنثني أطرافهم)) (7). وهذا النقل عن معاوية لضرورة ماسة بالمجتمع. وبالله التوفيق. ----------------- (1) أخرجه مسلم (2/667) [كتاب الجنائز/باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه]، رقم 971/96. (2) انظر الموطأ (1/232) [كتاب الجنائز/باب ما جاء في دفن الميت]، رقم 32. (3) لقوله صلى الله عليه وسلم: "كسر عظم الميت ككسره حيا". وسيأتي تخريجه في الجواب عن السؤال "حكم نبش قبر الميت ونقله". (4) أخرجه البخاري (3/255). [كتاب الجنائز/باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة]، رقم 1352. (5) أخرجه البخاري (3/255) [كتاب الجنائز/باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة]، رقم 1351. (6) التمهيد لابن عبد البر (19/241). (7) أورده الشيخ عبد الرحمن مخلوف الثعالبي دفين عاصمة الجزائر في كتاب "العلوم الفاخرة في التحدث عن أمور الآخرة" في فصل: ومن الأحاديت الصحيحة في فضل الشهداء (1/ 87) [الشيخ محمد شارف]. وانظر التمهيد لابن عبد البر (19/241 ـ 242).
الصنف