سائل - الجزائر 
الإمام الأستاذ محمد شارف عضو لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف 
 
السؤال: 
حول حكم توحيد الصيام والإفطار، ومعنى قوله سبحانه: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"(1)
 
الجـواب:
اختلف السلف.. هل يجب على المسلمين جميعا أن يصوموا شهر رمضان ويفطروا في عيد الفطر في يوم واحد يجمع الجميع على الصيام والإفطار، آخذين في ذلك برؤية أهل قطر واحد ؟ حكى ابن رشد في بداية المجتهد (2) اختلافهم في ذلك، ونصه: وإذا قلنا: إن الرؤية تثبت بالخبر في حق من لم يره لورود الآثار بذلك، فمنها خبر ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبصرت الهلال الليلة، فقال صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ؟ قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا"(3). [خرجه الترمذي]. ومنها حديث ربعي بن خراش عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كان الناس في آخر يوم من رمضان، فقام أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم: لأَهَلَّ الهلال أمسِ عشيةً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا وأن يغدوا إلى المصلى"(4). فأما مالك رحمه الله فإن ابن القاسم والمصريين رووا عنه أنه إذا ثبت عند أهل بلد أن أهل بلد آخر رأوا الهلال، أن عليه قضاء اليوم الذي أفطروه وصامه غيرهم، وبه قال الشافعي وأحمد. وروى المدنيون عن مالك أن الرؤية لا تلزم بالخبر عند غير أهل البلد الذي وقعت فيه الرؤية، إلا أن يكون الإمام يحمل الناس على ذلك، وبه قال ابن الماجشون والمغيرة من أصحاب مالك. وأجمعوا على أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالأندلس والحجاز. والسبب في ذلك تعارض الآثار والنظر. أما النظر: فالبلدان التي لا تختلف مطالعها كل الاختلاف، فيجب أن يحمل بعضها على بعض، لأنها في قياس الأفق الواحد. والبلدان التي تختلف كثيرا لا يجب حمل بعضها على بعض. وأما الآثار فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن كريب ((أن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها ـ وهي أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ بعثته إلى معاوية رضي الله عنهبالشام، فقال: قدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال ؟ فقلت: رأيته ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته ؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. قال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوما أو نراه. فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية ؟ فقال لا: "هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "(5). قال ابن رشد: فظاهر هذا الأثر يقتضي أن لكل بلد رؤيته بعد أوقرب. وأما النظر فإنه يعطى الفرق بين البلاد النائية والقريبة، وبخاصة ما كان غاية في الطول والعرض كثيرا، وإذا بلغ الخبر مبلغ التواتر لم يحتج فيه إلى شهادة اهـ. من البداية(6). وأما معنى قوله سبحانه: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"(7)، فهو من الشهادة التي بمعنى الحضور، فمن كان حاضرا وقت رؤية الهلال غير مسافر فليصمه وجوبا. والله أعلم. -------------------- (1) سورة البقرة/185. (2) انظر بداية المجتهد لابن رشد الحفيد (1/286). (3) أخرجه أبو داود (2/302) [كتاب الصوم/باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان]، رقم 2340. والترمذي (3/74) [كتاب الصوم/باب ما جاء في الصوم بالشهادة]، رقم 691. والنسائي (4/438) [كتاب الصيام/باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان]، رقم 2111. وابن ماجه (1/529) [كتاب الصيام/باب ما جاء في الشهادة على رؤية رضمان]، رقم 1652. (4) أخرجه أبو داود (2/301 ـ 302) [كتاب الصوم/باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال]، رقم 2339. (5) أخرجه مسلم (2/765) [كتاب الصيام/باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم]، رقم 1087/28. (6) بداية المجتهد لابن رشد الحفيد (1/287 ـ 288). (7) سورة البقرة/185.