1- العلم الوطني رمز للوطن:
يظن هؤلاء أن العلم مجرد قطعة قماش لا قيمة لها ومن ثم لا تستحق أن يقف لها الإنسان احتراما.
يعلم الجميع أن العلم الوطني في حد ذاته قطعة قماش لا قيمة لها ماديا، ولكنه يرمز إلى كل معاني المجد والسمو التي يعتز بها الوطن، وأنه يصور أدق مشاعر الوطنية التي يشعر بها المواطن تجاه وطنه، وتربطه به، فالمواطن وهو يحيي هذا العلم يعظمه ويحترمه ويكرمه إنما يفعل ذلك للمعاني الوطنية التي يرمز إليها، والجندي الذي يقدم نفسه فداء لراية الوطنية، إنما يفدي بذلك ما ترمز إليه الراية وهو الوطن كله من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه.
2- الرمزية لها أصل مكين في الإسلام:
الإسلام دين يعتمد الرمزية، لأنها اللغة الوحيدة لتمثيل المعاني الدقيقة، والمشاعر النبيلة، التي لا يمكن أن تصورها الألفاظ، أو تخلوها العبارات.
إن الركن الخامس من أركان دين الإسلام – الحج – مناسكه كلها رموز لمعاني سامية يؤديها الحاج قربة إلى الله تعالى.
فما الإحرام إلى رمز للتجرد من شهوات النفس والهوى، وحبسها عن كل ما سوى الله تعالى وعلى التفكير في جلاله، وما التلبية إلا رمز للشهادة على النفس بهذا التجرد، وإعلان بالتزام الطاعة والامتثال.
وما الطواف بعد التجرد إلا رمز لدوران القلب حول قدسية الله، وصنع المحب الهائم مع المحبوب المنعم، الذي ترى نعمه ولا تدرك ذاته.
.../...
وما السعي بعد هذا الطواف إلا رمز على التردد بين علمي الرحمة التماسا للمغفرة والرضوان.
وما الوقوف بعرفة بعد السعي إلا رمز لبذل المهج في الضراعة بقلوب مملوءة بالخشية، وأيد مرفوعة بالرجاء والسنة مشغولة بالدعاء، وآمال صادقة في أرحم الراحمين.
وما الرمي بعد هذه الخطوات التي تشرق بها القلوب أنوار ربها إلا رمز مقت واحتقار لعوامل الشر المرتبطة بالشيطان، ونزعات النفس وشهواتها، ورمز مادي لصدق العزيمة في التخلص من ذلك كله بعون الله تعالى.
وما الذبح – وهو الخاتمة في درج الترقي إلى مكانة الطهر والصفاء- إلا رمز لإراقة دم الرذيلة بيد اشتد ساعدها في بناء الفضيلة، ورمز للتضحية والفداء على مشهد من جند الله الأطهار الأبرار.
3- مشروعية الوقوف احتراما للعلم الوطني:
يعتبر هؤلاء أن الوقوف مظهر من مظاهر التعبد لله تعالى، والوقوف للعلم هو عبادة له، ومن ثم لا يجوز الوقوف للعلم.
ولا شك أن هذا فهم خاطئ منهم، لأنه ليس كل قيام لشيء عبادة له، وإنما القيام لشيء هو من باب الاحترام والتقدير لذلك الشيء.
ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالقيام عند مرور الجنازة، وقام لها احتراما لآدميتها، فعن ابن عمر عن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع " (رواه الجماعة).
وعن سهل بن حنيف وقيس بن سعد أنهما كان قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما إنها من أهل الأرض ، أي من أهل الذمة، فقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له : إنها جنازة يهودي، فال :" أليست نفسا" متفق عليه).
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قام لإنسان غير مسلم احتراما لنفسه البشرية التي خلقها الله، وكذلك فعل الصحابة من بعده كما ثبت في الروايات الصحيحة، روى البخاري في صحيحه عن الشعبي، عن أبي ليلى: " كان أبو مسعود وقيس يقومان للجنازة" وروى أحمد أن ابن عمر :" كان إذا رأى جنازة قام حتى تجاوزه".
فمن باب أولى أن يقف المسلم لراية الوطن التي من أجل أن تبقى عالية خفاقة تسيل دماء الشهداء ويستبسل جنود الوطن دفاعا عنها من صولة الغزاة.
4- كبار الصحابة يستشهدون دفاعا عن راية الإسلام:
في معركة مؤتة بين جيش المسلمين وجيوش الروم الجرارة يضرب لنا ثلاثة من كبار الصحابة رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في الدفاع عن الراية والقتال والاستشهاد من أجل أن تبقى عالية مرفرفة.
فقد كان أول الحاملين للراية زيد بن حارثة رضي الله عنه فقاتل ببسالة الأبطال حتى استشهد فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقاتل قتالا مريرا حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله ولم يزل بها حتى قطعت شماله، فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعا لها حتى قطع نصفين، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله عنه فقاتل حتى استشهد ثم استلم الراية خالد بن الوليد رضي الله عنه فانظر كيف قدم ثلاثة من قادة الإسلام في عهد رسول الله صلى اله عليه وسلم أرواحهم دفاعا عن الرايـة في ساحة المعركـة من أجل أن تبقى عاليـة خفاقـة.